IMLebanon

عصا السلطة تتدخل في أسواق الصرف

CurrenciesExchange

كاتي مارتن وفيليب ستافورد

بعد فرض غرامات بقيمة عشرة مليارات دولار لسوء السلوك، ونشر عديد من نصوص المحادثات المهينة، وعشرات الأشخاص الذين انهارت حياتهم المهنية، قررت صناعة تداول العملات أن الوقت قد حان لتنمو.

على مدى عقود، والمصرفيون في قلب هذه السوق التي تبلغ قيمتها 5.3 تريليون دولار يوميا، إلى حد كبير يفعلون ما يحلو لهم، مع تدخل بسيط من الأجهزة المنظمة. منافسة قوية بين المصارف تعني أن العملاء -المستثمرون والشركات والمصارف المركزية– يتمتعون بأسعار أكثر وضوحا من أي وقت مضى، ومجموعة من أدوات التداول الإلكترونية اللامعة.

لكن وراء الكواليس، المزاح وتقاسم معلومات العملاء السرية بين متداولين يفترض أنهم متنافسون ينتمون إلى مصارف مختلفة، كان من الأمور العادية.

“إذا كنت لا تغش فإنك لا تحاول” نصيحة جاءت في مذكرة من أحد المتداولين في باركليز، تم كشف النقاب عنها الأسبوع الماضي في وثائق تسوية، في وقت فرضت فيه الأجهزة التنظيمية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غرامة على المصرف بقيمة 2.4 مليار دولار. لكن هذه النصيحة لم تعد سارية المفعول الآن.

المزاح ممنوع. والمرح مكروه. ولأول مرة، يشعر المتداولون بالرعب بصدق من إدارات الامتثال لديهم، وبعضها لديها الآن ممثلون يجلسون على مكاتب التداول. الزبائن يوزعون أنفسهم على نحو أقل تركيزا، ويختارون التعامل مع مجموعة واسعة من المصارف.

الطريقة التي يتم بها بيع وشراء العملات، خاصة حول المقاييس المرجعية، تم نفض الغبار عنها وجرها إلى عصر الشفافية ذات الوضوح البالغ. شرعت المصارف في فرض ثقافة المسار المحدد عندما بدأت التحقيقات التنظيمية في سلوك المتداولين في عام 2013، حين تم حظر استخدام غرف الدردشة الإلكترونية، وأصبح الأخ الأكبر “الجهاز الرقابي” يراقب ذلك. وشرع كل مصرف تقريبا في فصل عشرات من المتداولين، أحيانا بسبب تجاوزات طفيفة، وغالبا بسبب سلوك كان راسخا ومعروفا من قبل رؤسائهم.

الغرامات الأولى، في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا، ألقيت على المصارف في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وأحدث موجة من الغرامات في أمريكا -ما مجموعه 5.6 مليار دولار وزعت على “بانك أوف أميركا”، و”يو بي إس”، و”آر بي إس”، و”جيه بي مورجان”، و”باركليز”، و”سيتي جروب” يوم 20 أيار (مايو)- بمثابة تذكرة بالسبب في ولادة هذا العصر الحالي للخدمات المصرفية المملة والتقليدية.

قال بول تشابيل، مؤسس شركة سي فيو لإدارة صناديق العملة “أعتقد أنه نظرا لخطورة ما حدث، فمن غير المستغرب أن المصارف تحولت من سامية إلى سخيفة”. لسنوات عديدة، كانت المصارف تدع عملاءها يعرفون أي نوع من التدفقات كانت تتحرك في جميع أنحاء السوق. القاعدة غير المعلنة كانت تقول: لا أسماء، لكن الكثير من الأسماء الرمزية المعابثة، وما يكفي من المعلومات للمساعدة في تشكيل تخمين جيد.

وأضاف تشابيل، الذي يشرف على نحو 100 مليون دولار “المصارف لم تعد تعطينا أي لون، خوفا من سوء الفهم”.

يتفق معه في ذلك كين فكسلر، مدير آكيومن منجمنت، وهي في شركة صغيرة لإدارة الأصول “لقد توقفوا عن الحديث تماما. لم يعد هناك مجال للسؤال عن أي لون، مهما كان غامضا. كل ما تحصل عليه هو خط من البحث أو وجهة نظر داخلية”.

هذا، كما يقول المستثمرون، يجعل من الصعب قليلا الحكم على الوقت المناسب لإبرام الصفقات. وبحسب فكسلر “لقد ذهب الأمر إلى ما فوق الحد قليلا. سيكون من الجيد التراجع خطوة أو خطوتين إلى الوراء. لكن هذا لن يحدث. الجميع يخاف من ظله”.

لن يبكي أحد على هؤلاء المصرفيين، نظرا لرواتبهم المجزية، والمكافآت الكبيرة، والتصرفات المحرجة. ولكن، كما يقول عاملون في الصناعة، هناك مناسبات حيث التواصل بين بعض المتداولين سيكون مفيدا.

ويعتقد كثيرون أن بعض الدردشات الجماعية يمكن أن تكون قد ساعدت على تهدئة جنون السوق الذي اندلع في كانون الثاني (يناير)، عندما ألغى المصرف الوطني السويسري الحد العلوي على الفرنك، ما أدى إلى إرسال العملة إلى ارتفاع لم يسبق له مثيل بلغت نسبته 30 في المائة. يعتقد بعضهم أيضا أن عدم رغبة المتداولين الجديدة في مواجهة الخطر تسهم في تعبئة جيوب السيولة المتلاشية، وهو الموضوع الذي يبدأ في إثارة قلق مسؤولي المصارف المركزية.

لقد تبخرت ثقافة الغمز وهز الرأس. في الماضي كان المتداولون يكشفون لبعضهم بعضا أي العملاء كانوا نشطين في السوق في يوم معين باستخدام أسماء رمزية صبيانية. “الكلب يشتري يورو” كانت إشارة إلى البنك المركزي الكوري. و”سياق متناظر” كانت تشير إلى الصناديق التي يديرها جورج سوروس. “أولاد جنيف” إشارة إلى صندوق التحوط بريفان هوارد. علامات الترقيم المصممة لتبدو وكأنها عصي تناول الأرز: “\ /” تشير إلى بنك الشعب الصيني… وهلم جرا. قال أحد المتداولين في أحد المصارف الأوروبية، رفض الكشف عن اسمه: “كل هذا توقف. كل شيء ذهب”.

وقال مصرفي عملات بارز لا يرغب هو الآخر في الكشف عن هويته “قد يكون هناك مرسوم من أعلى يطلب من الجميع عدم القيام بذلك، لا أستطيع أن أتذكر”. وأضاف “لكن في الحقيقة، لم يكن الناس بحاجة إلى أي تشجيع. إنه أمر واضح تمام الوضوح”. ليس العملاء وحدهم من توقفوا من الذهول، ولكن في كثير من الأحيان لم يعد موظفو المبيعات يعرفون ما يسعى المتداولون إلى القيام به.

بالنسبة للشريحة الصغيرة، لكن المثيرة للجدل في سوق العملات المرتبطة بمعدلات قياسية، تغيرت البروتوكولات. في الماضي كان بعض المتداولين يستخدمون غرف الدردشة الإلكترونية لتبادل تفاصيل الصفقات التي تتجمع حول نقطة الحساب القياسي، لمساعدة بعضهم بعضا على تفادي خسائر أخرى أو كسب المال. الآن، تجري إزالة البشر من هذه العملية تماما. كثير من المصارف بما في ذلك دويتشه بانك وكريدي سويس، التي لم يسبق أن تم تغريمها أو ثبت أنها تشارك في أي مخالفات في هذه السوق، ولكن أيضا مصرف جيه بي مورجان الذي تم تغريمه مرارا وتكرارا، سعت إلى إزالة البشر من هذه العملية. هنا آلات تتماشى مع الصفقات، والخوارزميات تعمل على كيفية معالجتها، وأحيانا يتم فرض رسوم على العملاء.

الحظر المفروض على المتعة أوقف اللقاءات الاجتماعية، بما في ذلك ليلة الاختبار الخيرية السنوية التي ينظمها مارتن “هامر” مالت، الذي كان سابقا كبير المتعاملين في العملات ـ أقيل من مهامه في العام الماضي من بنك إنجلترا.

وعملية التنظيف تمتد إلى أسواق أسعار الفائدة، جزئيا نتيجة لتسويات ليبور في عام 2012. والتسويات الجديدة في 20 أيار (مايو) المتعلقة بمحاولة استغلال مؤشر آخر، إزدافكس، أضافت إلى الزخم.

بعض العملاء في سوق السندات يقولون “إنهم يحصلون أيضا على معاملة صامتة من المصارف التي كانت في الماضي تغلب عليها الثرثرة”. وقال مدير أحد صناديق التحوط التي تركز على السندات “حصلنا على تدفق للمعلومات، إلا أنها بشكل ملحوظ أكثر هدوءا، لقد أصبحت المصارف مصابة بجنون العظمة”. وأضاف “بلغ الأمر أن الصناديق هي التي تقول الآن للمصارف إذا كانت تتحدث فوق اللازم. إذا كنت أخوض في الدردشة، مع 50 شخصا آخر، اثنان منهما يناقشان أشياء مراوغة، إذن أنا المسؤول. مسؤوليتي ليست بقدر مسؤوليتهم، لكن (إذا حدث أي شيء) فإن الأجهزة التنظيمية ستطاردني. لذلك لا أريد أن أكون طرفا في هذا الأمر وليبتعدوا عني”.

الجدول الزمني

مارس / أبريل 2013: يتصل مقدم البلاغات بسلطة السلوك المالي ليبلغ عن ادعاءات بأن أسعار الصرف الأجنبي تم التلاعب بها. يرسل الجهاز التنظيمي استنابات قضائية للمصارف بما في ذلك دويتشه بانك وسيتي جروب للحصول على معلومات عن تداولات النقد الأجنبي. بعد صدور تقرير بلومبيرج، سلطة السلوك المالي تؤكد علنا في حزيران (يونيو) 2013 أنها تبحث في مزاعم محاولة متداولين التلاعب في سعر WM/رويترز بعد تلقي شكاوى، ليصبح بذلك أول جهاز تنظيمي يبدأ التحقيق في السلوك.

أكتوبر/نوفمبر 2013: احتدمت القضية في الوقت الذي يفتح فيه الجهاز التنظيمي المالي في سويسرا تحقيقا في أسعار العملات الأجنبية وتؤكد فيه سيتي جروب ورويال بانك أوف سكوتلاند وجيه بي مورجان أنهم يعملون مع الأجهزة المنظمة في القضية. باركليز يوقف ستة من متداولي النقد الأجنبي، بمن فيهم كبير متداولين بالعملات في لندن.

مارس 2014: بنك إنجلترا يعين المحامي اللورد جرابينر لقيادة التحقيق بخصوص ادعاءات بأن بعض المسؤولين في البنك أصموا آذانهم عن شائعات تفيد بالتلاعب في العملات الأجنبية. في وقت لاحق من هذا العام، بنك إنجلترا يفصل متداول العملات الأجنبية السابق لديه بسبب “سوء سلوك خطير”.

يوليو 2014: مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة البريطاني يفتح تحقيقا جنائيا في “مزاعم سلوك احتيالية في سوق الصرف الأجنبي”.

ديسمبر 2014: سلطة السلوك المالي في المملكة المتحدة، ومكتب مراقب العملة، وهيئة تداول السلع الآجلة الأمريكية، تفرض على “سيتي جروب”، و”إتش إس بي سي”، و”جيه بي مورجان”، و”رويال بانك أوف سكوتلاند” و”يو بي إس” غرامات بمبلغ 4.3 مليار دولار لإخفاقات في الصرف الأجنبي. وشملت الغرامات أكبر غرامة مفروضة على الإطلاق من قبل سلطة السلوك المالي.

ديسمبر 2014: الجهاز التنظيمي لمصارف نيويورك يحقق فيما إذا استخدم “باركليز” و”دويتشه بانك” خوارزميات للتلاعب بأسعار صرف العملات الأجنبية. إذا ما تم اعتبار الخوارزميات قضية على مستوى المصرف، يمكن للجهاز التنظيمي أن يسعى لفرض عقوبات أكبر.

مايو 2015: ستة مصارف عالمية توافق على دفع غرامات تزيد على 5.6 مليار دولار لتسوية ادعاءات بأنها تلاعبت في أسواق العملات الأجنبية، في فضيحة قال عنها مكتب المباحث الفيدرالي إنها تضمنت سلوكيات جنائية “على مستوى هائل”.