فشلت مناقصات النفايات فشلاً ذريعاً. النتيجة التي أعلنها وزير البيئة محمد المشنوق، في مقر مجلس الإنماء والإعمار، أمس، لم تكن سوى محصلة حتمية لدفتر شروط غير مطابق للمعايير الدولية، وفي وقت أحجمت فيه شركات محلية ودولية عن الدخول في المناقصات منذ البداية، لعلمها باستحالة نجاحها، راهنت شركات أخرى على «حل سحري» لم يظهر، فتراجعت في الساعات الأخيرة
منذ ساعات الصباح أغلقت الطريق المؤدية إلى مقر مجلس الإنماء والإعمار في وسط بيروت بسيارات المتعهدين الطامحين إلى تقديم عروضهم قبل إغلاق مناقصات إدارة النفايات المنزلية الصلبة في جميع المناطق اللبنانية عند الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم أمس. سارع هؤلاء إلى حمل «كراتين» ملفاتهم وإيداعها لجنة المناقصات في المجلس، ليتبين من نتائج فض العروض أن ستة متعهدين تقدموا للمناقصات: ثلاثة في المنطقة الخدماتية 2 (كسروان والمتن وجبيل)، وثلاثة توزعوا على المناطق الخدماتية 4 (الشمال وعكار) و5 (البقاع وبعلبك الهرمل) و6 (الجنوب والنبطية)، فيما لم يتقدم أي من المتعهدين إلى المنطقة 1 (بيروت وضاحيتيها)، والمنطقة الخدماتية 3 (الشوف وعاليه وبعبدا).
ويشير هذا الزهد المفاجئ في التقدم للمناقصات، رغم أن عشرات الشركات بادرت إلى شراء دفتر الشروط، إلى أن الآلية والشروط التي وضعها مجلس الوزراء للمناقصات غير واقعية، وأن أياً من هذه الائتلافات ليس على استعداد للامتثال لدفاتر الشروط وفق الصيغة التي أُقرت في مجلس الوزراء والتي تنص على أن «يحدد المتعهدون المشاركون في المناقصة المواقع والتقنيات المقترحة للمعالجة والطمر الصحي، على أن يلتزم المتعهدون الذين ترسو عليهم المناقصة تأمين هذه المواقع طوال فترة العقود»، التي حددت بسبع سنوات قابلة للتمديد ثلاث سنوات. ولاحقاً أدخل مجلس الوزراء تعديلات على الخطة، وصدر القرار رقم ١ بتاريخ ١٢ كانون الثاني ٢٠١٥، ومن أبرز هذه التعديلات إلزامية استرداد ما نسبته ٦٠٪ من النفايات من خلال الفرز والتدوير والتسبيخ واسترداد الطاقة في السنوات الثلاث الأولى من الالتزام، و٧٥٪ في السنوات اللاحقة، وصولاً إلى التفكك الحراري، بما فيه إنتاج الوقود البديل المشتق من المرفوضات الـRDF أو الحرق. كذلك نص القرار على التخلص النهائي من العوادم (مرفوضات التسبيخ والنفايات غير القابلة للمعالجة) أو (الرماد الثقيل والطائر الناتج من الحرق) من خلال طمرها في مطامر تنشأ في مواقع المقالع والكسارات والمكبات العشوائية، أو أي مواقع أخرى يحددها مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزارة البيئة، وذلك على أساس مطمر لكل منطقة خدماتية باستثناء منطقة بيروت وضواحيها.
ولعل العقبة الأبرز التي واجهت المتعهدين الطامحين إلى الدخول في مناقصة بيروت وضواحيها، ترتبط بقرار مجلس الوزراء باختيار موقع لطمر النفايات الناتجة من هذه المنطقة الخدماتية التي تصل إلى حدود ٨٠٠ طن يومياً في منطقة خارج بيروت، إضافة إلى اشتراطه تحسين مركز المعالجة في برج حمود دون التوسع جغرافياً، ويُعَدّ هذا الشرطان تعجيزيين أمام أيٍّ من المتعهدين، بمن فيهم المتعهد «الأوفر حظوة سياسياً» جهاد العرب، الذي قرر عدم التقدم لبيروت، واكتفى بمنافسة شركات أخرى في المنطقة الخدماتية (٢)، لكون موقع الطمر المرشح فيها متفقاً عليه بين الأطراف السياسية، أي مكبّ حبالين في قضاء جبيل. أما المتعهد رياض الأسعد، الذي كان قد أعلن أنه سيتقدم للمنطقة الخدماتية (٣)، فتراجع أيضاً في اللحظة الأخيرة في خطوة تكتيكية بعد أن أيقن أن أحداً لن يتقدم لمناقصة بيروت. فيما أصر ميسرة سكر، صاحب مجموعة إيفيردا (سوكلين وسوكومي) على موقفه برفض شراء دفتر شروط المناقصات الذي اعتبره غير قابل للتطبيق.
النتيجة التي أعلنها وزير البيئة محمد المشنوق، جاءت بعد اجتماع عقد ظهر أمس في مقر مجلس الإنماء والإعمار، شارك فيه إلى وزير البيئة وزير الداخلية نهاد المشنوق ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر وممثلون عن رئاسة مجلس الوزراء وأعضاء اللجنة المختصة بفضّ عروض مناقصات النفايات.
وبعد الاجتماع أعلن وزير البيئة أنه «كان من الطبيعي أن تتخذ اللجنة قرارها بعدم فتح أي عروض في المناطق التي فيها عرض واحد، وركزت على المنطقة الثانية، أي المتن وكسروان وجبيل، حيث توجد ثلاثة عروض، وفُتحت هذه العروض للتأكد من وجود جميع المطلوبات فيها، وفي البداية فُتح عرض شركة «بيوتيك، إندفكو، Pizzorno»، وجرت الموافقة على قبولها في العرض. ويرأس شركة بيوتيك نزار يونس، وشركة إندفكو نعمة افرام، أما Pizzorno فهي شركة فرنسية تعمل في قطاع النفايات.
كذلك فُتح عرض شركة «آراكو، Serco» وأيضاً قُبلت هذه الشركة بسبب اكتمال المطلوبات. ويرأس شركة آراكو جهاد العرب. أما شركة Serco فهي شركة بريطانية فازت بعدة مناقصات داخل المملكة المتحدة، لكن لا مجال لمقارنتها بشركات أعلن العرب سابقاً أنه يفاوض للتحالف معها، وأبرزها مجموعة SUEZ الفرنسية. وبحسب معلومات «الأخبار»، رفضت المجموعة الفرنسية المدرجة أسهمها في البورصة الدخول في مناقصات النفايات في لبنان بعد عدة اجتماعات استشارية لمجلس إدارتها والمصارف التي تمولها، لسببين: الأول هو عدم إعلان الحكومة اللبنانية مواقع مسبقة للمعالجة والطمر، والثاني أنّ دفتر الشروط يحمّل المتعهد بنداً جزائياً يمكّن الحكومة اللبنانية من مقاضاته دولياً في حال فشله في إدارة النفايات، وهو أمر وجدته الشركة عالي الخطورة ولا يتناسب مع المعايير التي تعمل بها. ولقد دفع هذا الأمر جهاد العرب إلى استخدام الخطة (ب)، أي التحالف مع الشركة البريطانية Serco، علماً بأن هذه الشركة ليست مؤهلة للدخول في مناقصة بيروت بسبب حجم أعمالها، فقرر العرب الدخول في مناقصة المتن وكسروان وجبيل، أملاً في أن يعدل مجلس الوزراء قراره ويختار موقع مسبق لمطمر بيروت وضواحيها، الأمر الذي يمكنه من التفاوض مع شركات أخرى أو إعادة التفاوض مع مجموعة SUEZ الفرنسية، للتقدم إلى مناقصة بيروت مجدداً.
أما العرض الثالث في المنطقة الخدماتية (٢)، فجاء من شركة «لافاجيت، خوري، Danico»، وقبل أيضاً بسبب وجود المطلوبات. ويرأس ائتلاف شركة لافاجيت – باتكو التي تتولى إدارة النفايات في طرابلس أنطوان أزعور، أما شركة الخوري للمقاولات فيرأسها داني الخوري، ولقد ائتلفت الشركتان مع شركة Danico الإيطالية، وتقدمت إلى مناقصتي كسروان، المتن وجبيل والشمال – عكار، علماً بأن الأخيرة لم تُفَضّ عروضها، لأن العرض الذي تقدم به هذا الائتلاف كان العرض الوحيد المسجل. أما بالنسبة إلى عرض الجنوب، فقد تقدمت به شركة دنش للمقاولات، فيما تقدمت إلى مناقصة البقاع شركة قاسم حمود للتعهدات. لكن عروض الشمال والبقاع والجنوب لم يجرِ فضُّها للتأكد رسمياً من هوية العارضين والشركات الأجنبية المؤتلفة معهم.
وأعلن المشنوق «أن قبول العروض في المنطقة الخدماتية (٢) هو مبدئي، ويجب النظر في الجوانب القانونية والإدارية والمالية، حيث تُفتَح العروض المالية بعد انتهاء عملية التقويم. والآن، في ضوء هذه النتائج، ستضع اللجنة محضراً كاملاً، وسيُرفع تقرير إلى مجلس الوزراء على أساس هذه النتيجة للمتابعة إن قرّر مجلس الوزراء إجراء مناقصة جديدة للمنطقتين 1 و3، أي بيروت والضاحيتين وجبل لبنان الجنوبي، أو إذا قرر فتح العروض لأنه يوجد عرض واحد في المناطق الخدماتية (٤- ٥- ٦)، وهذا قرار لا نأخذه نحن».
وسئل المشنوق عن تفسيره لعدم تقديم عروض، خصوصاً في بيروت فأجاب: «قد تكون هناك مشكلة لها علاقة بالمطامر من جهة، ثم أعتقد أن الشركات رأت ألا تتقدم بعروض في بيروت بسبب ربما كمياتها أو تعقيد المناقصة فيها، ولا أريد أن أضع نفسي مكان هذه الشركات، لكن من حقها أن تحاول، وإذا لم تجد طريقة للدخول في هذه المناقصة، فتعتذر. وقد جاءتنا أيضاً مجموعة اعتذارات من شركات لم ترد أن تشارك، رغم أنها في البداية كانت من الذين حصلوا على دفاتر الشروط، أي دفعوا ثمن هذه الدفاتر».
ورداً على سؤال «الأخبار» عمّا إذا كان موعد إقفال مطمر الناعمة في 17 تموز قد سقط بالضربة القاضية، قال وزير البيئة: «لا علاقة لإقفال مطمر الناعمة بأي شيء يحصل اليوم، فمطمر الناعمة وعدنا بإقفاله وسيُقفل في 17 تموز».
وعمّا إذا كان خيار التصدير إلى الخارج سيكون بديلاً حتمياً لمطمر الناعمة، رأى المشنوق أن هذا الأمر يبتّه مجلس الوزراء، علماً بأن كلفة هذا الخيار بحسب العروض التي تقدمت بها عدة شركات مرتفعة جداً.
وعن مواقع المعالجة والطمر في المتن وكسروان قال: «هذا أمر لا يمكن معرفته الآن قبل الاطلاع على العروض المقدمة، فنحن قبلنا هذه العروض بالشكل من حيث وجود جميع النقاط المطلوبة منها، وعلينا كلجنة أن نعود لندرس هذه العروض». وإذا كانت الشركات قد التزمت اللائحة المرشحة لإقامة مطامر، قال: «لم نفتح العروض، وهذه العروض تُفتح في ما بعد. الآن قبلنا هذه العروض بسبب استكمال المتطلبات فقط».
وإذا كان اقتراح تصدير النفايات إلى الخارج لا يزال جارياً بموازاة المناقصات، قال: «دعني أتكلم أولاً عن المناقصات، فتقرير اللجنة الوزارية سيُرفَع إلى مجلس الوزراء الذي سيفصل في موضوع إعادة طرح مناقصات أو شحن إلى الخارج، وهذا الموضوع من الضروري بتّه في أسرع وقت ممكن، وأتصوّر أنني سأحاول طرحه من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء يوم الخميس، لأن جلسة الغد (اليوم) مخصصة للموازنة».