Site icon IMLebanon

غياب التشريع يُهدّد بإدراج لبنان في لائحة الدول غير المتعاونة دولياً

MoneyLebanon3

موريس متى

تشهد الفترة الحالية اهتماماً واسعاً في تطوير سبل مكافحة غسل الاموال وأساليبها، وكيفية تجفيف منابع تمويل الارهاب من القطاعين العام والخاص، ومن المؤسسات الدولية العاملة في المجالات الرقابية والمالية في العالم.

بالنسبة الى لبنان، فقد خطا خطوات أساسية منذ العام 2001 في تطوير بنيته القانونية والتنظيمية في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وإن كانت المستجدات التي تمر فيها المنطقة، ولا سيما لبنان في موضوع مكافحة الإرهاب وتمويله، تستدعي إجراءات استثنائية على الصعد الأمنية والمالية والتشريعية. ولكن يبدو ان لبنان قد يدفع مرة جديدة ثمن إستمرار غياب التشريع عن مجلسه النيابي، وإنما هذه المرة على المستوى الدولي.

إجراءات وتعاميم
في العام 2001، أصدر لبنان القانون 318 الذي أنشأ هيئة التحقيق الخاصة وأناط بها مهمة إجراء التحقيقات في العمليات التي يشتبه في أنها تشكل جرائم تبييض أموال أو تمويل إرهاب وتقرير مدى جدية الأدلة والقرائن على ارتكاب هذه الجرائم أو إحداها، كما حصر بالهيئة حق تقرير رفع السرية المصرفية لمصلحة المراجع القضائية المختصة والهيئة المصرفية العليا عن الحسابات المفتوحة لدى المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان والتي يشتبه انها استخدمت لتبييض الأموال أو تمويل الإرهاب.
أما في العام 2002، فقد قرر مجلس الوزراء بناء على اقتراح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تأسيس لجنة وطنية لتنسيق السياسات المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال، أسندت إليها سلسلة مهمات، منها تعزيز التنسيق بين السلطات الوطنية المختصة لتبادل المعلومات في ما بينها واستنباط أفضل السبل في مكافحة تبييض الأموال انسجاماً مع المعايير الدولية. مع الاشارة الى ان هذه اللجنة يترأسها نائب الحاكم وتضمّ ممثلين من هيئة التحقيق الخاصة والنيابة العامة التمييزية ولجنة الرقابة على المصارف ومديريتي الجمارك وقوى الأمن الداخلي ووزارات العدل والمال والداخلية والبلديات والخارجية والمغتربين والإقتصاد والتجارة، وكذلك ممثلين عن بورصة بيروت. وفي العام 2003، تمّ تعديل قانون العقوبات اللبناني لجهة إضافة المادة 316 مكرر المتعلقة بمعاقبة تمويل الإرهاب، وصولا الى العام 2007 عندما قررت الحكومة آنذاك، وبناء على اقتراح سلامة، تأسيس لجنة وطنية لقمع تمويل الإرهاب، أسندت إليها مهمات عديدة ولا سيما النظر في مدى ملاءمة القوانين والأنظمة المتعلقة بالجمعيات واقتراح التعديلات اللازمة. ويترأس هذه اللجنة المدير العام لقوى الأمن الداخلي بصفته ممثلاً عن وزارة الداخلية والبلديات ويشترك في عضويتها ممثلون عن وزارات العدل والمال والخارجية والمغتربين والنيابة العامة التمييزية وهيئة التحقيق الخاصة ومصرف لبنان. أما في العام 2008، فقد صدر القانون رقم 32 الذي قضى بتوسيع صلاحية هيئة التحقيق الخاصة حيال تجميد ورفع السرية المصرفية عن الحسابات المصرفية تطبيقاً للإتفاقات والقوانين المرعية الإجراء المتعلقة بمكافحة الفساد.
إضافة الى هذه الاجراءات، أصدر حاكم مصرف لبنان منذ العام 2001، سلسلة تعاميم ساهمت وبشكل أساسي بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب، ومنها التعميم رقم 83 وتعديلاته ويتعلق بنظام مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بالاضافة الى التعميم رقم 126 المتعلق بعلاقة المصارف والمؤسسات المالية مع المراسلين ولا سيما حيال العمليات الجارية مع الأشخاص والدول المدرجة في لوائح العقوبات الدولية، والتعميم رقم 128 المتعلق بإنشاء دائرة امتثال لمراقبة كل العمليات المصرفية. مع الاشارة الى أن سلسلة التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان في هذا الخصوص تمحورت حول العمليات المالية والمصرفية بالوسائل الإلكترونية، ومؤسسات الصرافة المعنية بشحن الأوراق المالية النقدية والمعادن الثمينة، لا سيما حيال تعيين مفوض مراقبة على أعمالها وضابط أو وحدة امتثال لمراقبة تقيدها بالقوانين والأنظمة، إضافة الى التحويلات النقدية وفق نظام الحوالة.
بدورها، أصدرت هيئة التحقيق الخاصة مجموعة من التعاميم تمحورت حول الإبلاغ عن العمليات المشبوهة، التحقق من هوية العملاء وتحديد هوية صاحب الحق الإقتصادي (KYC)، تحقق مفوضي المراقبة من التزام المصارف والمؤسسات المالية الإجراءات، التحقق من هوية ونشاطات المراسلين، وضع الحسابات تحت المتابعة.

خطر غياب التشريع!
الى هذه الاجراءات، شارك لبنان في أعمال “مجموعة عمل مكافحة تمويل “تنظيم داعش”، ومشروع مجموعة “إغمونت” لوحدات الإخبار المالي عن “داعش”، بالاضافة الى التزامه بتسريع تبادل المعلومات بين الجهات المختصة في ما يخص القضايا المتعلقة بهذا التنظيم. ولكن يبدو أن جميع الخطوات التي إتخذها لبنان قد لا تبعد عنه كأساً مرة قد نواجهها في الاشهر المقبلة نتيجة عدم إقرار مجلس النواب لسلسلة تشريعات ضرورية.
فجمعية المصارف وحاكم المركزي يطالبان مجلس النواب بإلحاح، بإقرار مشاريع القوانين المتعلقة بتفعيل منظومة لبنان في مجال مكافحة عمليات تبييض الأموال والإرهاب عبر المشاريع الأربعة الموجودة في مجلس النواب، وهي: التعديلات المقترحة على القانون 318/2001 والمتعلقة بقانون مكافحة عمليات تبييض الأموال، ومشاريع القوانين المتعلقة بالتصريح عن المبالغ المحمولة نقداً عند الحدود، وتبادل المعلومات الضريبية والإزدواج الضريبي، وإقرار الإنضمام إلى اتفاق الأمم المتحدة الخاص بمكافحة الإرهاب.
وفي هذا السياق، أعربت أوساط مصرفية لـ” النهار” عن مخاوفها من ان تدرج لجنة العمل المالي “غافي” التي ستنعقد في تشرين الاول المقبل إسم لبنان في لائحة الدول غير المتعاونة في مجال مكافحة تمويل الارهاب وتبييض الاموال، ما قد يحمل القطاع تداعيات غير مرغوب فيها تؤثر في مساره وسمعته الدولية.
وإقرار هذه التشريعات ضروري لما يتعلق بمدى إلتزام لبنان قرار مجلس الأمن الدولي 2199 الخاص بمكافحة “داعش” و”جبهة النصرة” عبر تبادل المعلومات مع الجهات الإقليمية والدولية. فمجموعة “إغمونت”، وهي منتدى دولي لوحدات المعلومات المالية، تأسست عام 1995 بهدف تعزيز أنشطة أعضائها في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب، ولبنان عضو فيها، قررت انشاء مشروع للتبادل المشترك للمعلومات المتعلقة بـ”داعش” بهدف تحديد وتعقب الوجوه المالية للإرهابيين المحتملين ووسائل تمويلهم، بمن فيهم المجموعات المرتبطة بالقاعدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسوف تعرَض نتائج هذا المشروع على الإجتماع العام لمجموعة العمل المالي FATF المقرر في تشرين الأول 2015. وفي حال عدم إقرار لبنان لسلسلة التشريعات المتعلقة بهذا الملف، قد يواجه أيضاً مشكلة تتمثل بإجراءات عقابية.
أمام هذا الواقع، قد يكون الاسراع في فتح أبواب المجلس أمام التشريع مجدداً أمراً ضرورياً حماية للقطاع المصرفي، رغم الغموض حول مدى دستورية التشريع في الظروف الحالية، ومدى دستورية عبارة” تشريع الضرورة” ومن يحدد لائحة ومواصفات التشريعات الضرورية.