Site icon IMLebanon

إشارات المرور مصدر عيش ربع مليون عراقي

Iraqi-Child-Traffic-Signal
تى وقت قريب، لم تكن إشارات المرور أو تقاطعات الطرق العامة في العاصمة العراقية بغداد، مخصصة لأكثر من الغرض الرئيسي الذي أنشئت لأجله، لكنها اليوم تحوّلت إلى بيئة اقتصادية مناسبة لمن لا عمل له وملاذاً للمشردين.
وعلى امتداد ستة آلاف تقاطع مروري في بغداد، غالبا ما يلاحقك متجر متحرك، بطله صبي لا يتجاوز عمره عشر سنوات، أو سيدة متشحة بالسواد، كانت إلى وقت قريب تمر من هذا المكان ولا تلتفت إليه، من دون أن تعلم أنه سيكون ملاذا للعيش، بعد تبدل أحوال أسرتها.
وينتشر باعة المناديل والصحف والسجائر والعصائر والماء والشاي وزينة السيارات، وحتى لعب الأطفال، فضلا عن المتسولين في تلك التقاطعات، وقد تجد خمسة إلى ستة أصناف من تلك المهن في التقاطع الواحد وبات السائق في سيارته يستعد لإغلاق نافذة السيارة قبل وصوله التقاطع، تجنبا لتكالب الباعة أو المتسولين عليه.
ومن بين باعة التقاطعات، الحاج جبار، الملقب “أبو فرة”، وهو مصطلح عراقي يعني تدوير القدح يمينا ويسارا، وهو يسيطر على 10 تقاطعات رئيسة في بغداد، يوزع فيها أولاده وعمالاً بالشاي الذي يقوم هو بإعداده ليجني يوميا مع عماله ما يعينهم على الاستمرار بالحياة.
ويقول أبو فرة لـ”العربي الجديد”، إن “مهنة البيع في الشارع تدر علينا المال، الذي نستطيع من خلاله توفير لقمة العيش لعائلتي المكونة من 9 أفراد، وعملي هو بيع الشاي في التقاطعات الرئيسية ويبدأ في ساعات الصباح الأولى، حيث يزداد الطلب على الشاي بهذا الوقت من المارة أو أصحاب المحال التجارية القريبة منا، وهذا منذ عدة سنوات، لم أكن قبلها أتخيل أني سأعمل بهذه المهنة لكن هذا نتاج الاحتلال وضيق العيش”.
ويضيف ” أمتلك على الرصيف في منطقة الكرادة مساحة صغيرة، أصنع فيها الشاي وأبيعه للمارة مباشرة، لكن أولادي والعمال عندي يأخذون مني نحو 6 أباريق كبيرة (قدح يسع 40 كوبا من الشاي) ويذهبون إلىالتقاطعات الأخرى التي تتبعنا، ولا يحق لأحد غيرنا البيع في المناطق التي نوجد فيها”.
ويتابع ” الإبريق الواحد يكلف ألفي دينار (1.6 دولار) بينما يباع بنحو 20 ألف دينار (16.3 دولارا)، حيث يبلغ سعر الكوب الواحد 500 دينار، لكن يبقى التعب والتجوال من سيارة لأخرى ومن مكان لآخر هو سمة المهنة”.
ويقوم أبو فرة بمهارات حركية خلال عمليات البيع، منها تدوير قدح الشاي في الهواء عدة مرات أمام الزبون. ويقول “المهنة تحتاج إلى ذكاء ولفت الانتباه لرفع معدل بيع الأقداح”، مشيرا إلى أن زبائنه يعجبون بمهاراته في بيع الشاي.
وعن آليات إعداد الشاي العراقي، يقول أبو فرة إن” صنع الشاي حرفة، ونقوم بخلطة من ثلاثة أصناف من الشاي، ونضيف لها حبات الهيل ليكون ذا نكهة مميزة، ونضعه على نار هادئة وفي غالبه استعمل نار الفحم، لأنه يضيف نكهة مميزة”.
ويؤكد أن الباعة المتجولين الذين يعملون ضمن كادره، يزودهم بالشاي الموضوع داخل خزانات صغيرة معدة لحفظ الشاي، ويجهز كل بائع بأقداح بلاستيكية سريعة الحمل، مقابل أجر يومي يصل إلى 15 ألف دينار (12.3 دولارا)”.
وبحسب عضو نقابة العمال العراقيين، عبدالله محمد، فإن “ظاهرة البيع في التقاطعات الرئيسية في شوارع بغداد باتت ظاهرة تنتشر بسرعة كبيرة”.
ويقول محمد لـ”العربي الجديد”، إن “هناك نحو 40 ألف عراقي يعملون بتلك المهنة، ما يعني أن المهنة توفر مصدر عيش لنحو ربع مليون عراقي قياسا بمعدل عدد أفراد الأسرة”.
وتشير البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط العراقية، إلى بلوغ نسبة الفقر في العراق نحو 30%، بينما تقدرها مصادر غير رسمية بنحو 40% بما يعادل 10 ملايين شخص، وذلك بسبب موجة النزوح التي شهدها العراق أخيراً وتعطل 40% من طاقات العراق.
ويقول إحسان ستار، الذي يبلغ من العمر 10 أعوام، ويقوم ببيع المناديل في تقاطع ساحة عنتر وسط بغداد، إن ” تجارتنا تزداد في فصل الصيف الذي يساعد على زيادة الطلب، خاصة من أصحاب السيارات”.
ويضيف ستار وهو أحد المهجرين ” أشتري المناديل من سوق الجملة، حيث يقوم أحد التجار بتزويدي بها يوميا وأعود في المساء لتصفية الحساب معه”.
ويتابع “لست الوحيد الذي أعمل في بيع المناديل، فهناك الكثير في مختلف التقاطعات وإشارات المرور”. ويعاني العراق من تردي الأوضاع الاقتصادية، بسبب الفساد المالي الذي أهدر عشرات مليارات الدولارات على مدار السنوات الماضية، فضلا عن مواجهة البلاد عجزا ماليا بسبب تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وكلفة الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، الذي سيطر على مساحات واسعة غرب وشمال البلاد.