Site icon IMLebanon

إشارات خضراء .. مفاتيح التنمية المستدامة

GreenSignals

النقاش حول النمو الاقتصادي وأثره على «الأمن البيئي» قديم. والهند هي أحد البلدان المصنّفة في خانة «القوى الصاعدة» بعد الصين كأحد عمالقة آسيا في هذا القرن الحادي والعشرين. وفي الهند، كما في بقيّة البلدان الصاعدة، نقاش حاد حول مستقبل البيئة. ذلك كون أن النمو الاقتصادي مرتبط إلى حد كبير بالعديد من النشاطات الصناعية وغيرها وما يترتب على ذلك من نفايات وغازات سامّة لها آثارها على البيئة وعلى الغلاف الجوي.

ومن الشخصيات المعروفة في الهند وفي العالم باهتمامها بمسائل البيئة «جيرام راميش»، الاقتصادي الهندي الشهير والوزير السابق لـ«البيئة والغابات». وهو يكرّس كتابه الأخير لعرض تجربته في موقع المسؤولية بمحاولة للرد على السؤال التالي: كيف يمكن للمرء أن يكون من أنصار البيئة في بلد «صاعد» مثل الهند؟ يحمل الكتاب عنوان «إشارات خضراء» وعنوانه الفرعي هو «مناصرة البيئة والديمقراطية في الهند».

يشير المؤلف في البداية أن اهتمامه بمسائل البيئة جاء متأخرا ومتزامنا مع واقع النهوض الهندي وبروز ضرورة حماية البيئة في بلد زراعي، ولكنه يفتقر كثيرا بالوقت نفسه إلى البنى الأساسية ــ التحتية ــ الضرورية من أجل ذلك. يكتب: «أمضيت الشطر الأكبر من حياتي المهنية، أكان ذلك في الحكومة أو في الحزب ــ حزب المؤتمر، بالبحث حول المسائل الاقتصادية العامّة. وكنت باستمرار مدافعا بحماس عن ضرورة تحرير ــ لبررة ــ الاقتصاد وقد لعبت دورا في الإصلاحات باتجاه ذلك في شهر يوليو من عام 1991. لكن ذلك الالتزام بضرورة تحقيق نمو كبير لا يعني نسف الاهتمام بالبيئة».

وعبر طرح المؤلف لهذا البعد المزدوج لمساره المهني والاقتصادي «يقوم بطرح ما يعتبره في الكتاب المعضلة المطروحة في السياق الحالي الهندي. وهي تلك التي تنقسم حولها النخب الهندية بين تيارين. تيار أولئك الذين يرون أنه ينبغي الدفاع عن البيئة بشتى الوســائل وحتى بمواجهة المستثمرين من أجل دعم الهنود الفقراء الذين يعيشون في المناطق الزراعية المهمّشة والغابات؛ وتيار آخر يمثل أولئك المسكونين برغبة تحقيق النمو الاقتصادي بأي ثمن».

ويشرح المؤلف على مدى العديد من صفحات الكتاب، وفي مختلف الفصول العشرة التي يتألّف منها، أنه لا يمكن لأحد في الهند أن يتجاهل أن النمو أمر حاسم بالنسبة لخلق فرص العمل وللحصول على المداخيل التي لا بدّ منها من أجل الاستثمار في مجالات الصحّة والتربية وبناء البنى الأساسية الضروريّة.

كما يشرح أنه لا بدّ للهند من الاهتمام بالوجه الآخر لمسألة النمو. والوجه الآخر يجد تعبيره لديه في التأكيد أنه في الوقت نفسه ينبغي أن تكون مسألة إدارة المخاطر على البيئة جزءا لا يتجزأ من استراتيجية النمو. والعكس صحيح، فضرورة تحقيق نمو اقتصادي أكبر ينبغي أن تكون أيضا جزءا لا يتجزأ من حماية البيئة.

ويشير المؤلف أنه ليس هناك حاجة لتقديم البراهين أن النمو الاقتصادي بما يتطلّبه من نشاطات وصناعات يمثّل عاملا في التدهور البيئي. من هنا تغدو اللعبة المطلوبة هي إيجاد حالة توازن« بين مستلزمات النمو الاقتصادي اليوم وبين ما يترتب عليه من ميزات ومن واجبات تقدير الثمن الذي سيتم دفعه غدا على صعيد تخريب البيئة.

ويشرح المؤلف في هذا السياق أن الوصول إلى التوازن المطلوب هو مفتاح وجوهر تنمية مستدامة. ويحدد القول إن من أهم سبل الوصول إلى ذلك امتلاك القدرات على الحد من الآثار السلبية للنشاطات التي يتطلّبها النمو الاقتصادي وبحيث يغدو الاهتمام بالبيئة في صلب القرارات والقوانين الاقتصادية شريطة ألا يغدو مثل ذلك الاهتمام وسيلة لخنق تلك القرارات.

لكن المؤلف يرى أنه لا ينبغي لهذا كلّه أن يغدو نوعا من الأطر الجامدة لقوانين وضوابط أبديّة. إذ علينا أن نعيد النظر بين فترة وأخرى بتلك القوانين والضوابط للتأكّد والاطمئنان بأن الواقع الجديد وما يبرز عنه قد جرى أخذه في الاعتبار، كما جاء في أحد جمل الكتاب.