IMLebanon

لبنان: الأزمة الإقتصادية.. مسؤولية مشتركة بين السلطة والمواطن

LebanEcon2

خضر حسان

يضيع الكثير من النقاشات في دوامة إلقاء المسؤوليات حول ما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية في البلاد. فجملة من وجهات النظر ترى أن الطبقة السياسية بأحزابها كافة هي المسؤولة، وفي المقابل، هناك من يلقي اللوم على المواطن الذي يشرّع وجود تلك الطبقة في مواقع المسؤولية.

وسواء وقعت المسؤولية على السياسيين أو المواطنين، فإن ذلك لا يغيّر من حقيقة تدهور الإقتصاد اللبناني، الذي يساهم فراغ المؤسسات السياسية في مفاقمته. فمرور عام على فراغ كرسي الرئاسة الأولى، والتمديد للمجلس النيابي، وتعثر العمل الحكومي والتشريعي، كلها مؤشرات طاردة للمستثمرين، لأن الفراغ يعني مزيداً من الأزمات السياسية الداخلية، المتأتّية من الأزمات الإقليمية والدولية. وبالتالي، فإن الفراغ في موقع الرئاسة، “يضرب صدقيتنا الدولية، في حين اننا نحاول كرجال أعمال، جذب متمولين ومستثمرين”، وفق ما أشار إليه رئيس تجمع رجال الأعمال اللبنانيين فؤاد زمكحل، ضمن جلسة نقاش نظّمتها الحملة المدنية للإصلاح الإنتخابي، عقدت اليوم في بيروت بعنوان “تداعيات الأزمة السياسية على الواقع الإقتصادي والإجتماعي في لبنان”.
أما محاولة الجذب هذه فتواجه صعوبات كثيرة، تضاف الى التوترات السياسية، فالمستثمرون يتطلعون الى “الاستقرار والى المردود على الاستثمار في ظل المخاطر”. ولفت زمكحل النظر في هذا المجال إلى أنّ “المخاطر السيادية في لبنان ما زالت كما هي منذ العام 1975 وحتى فترة التسعينيات، لكن ما تغيّر هو المردود على الاستثمار، والذي إنخفض من ما بين 20 و30% الى ما بين صفر و5%. والمستثمر في هذه الحالة نقل استثماراته من لبنان الى اماكن أخرى، ربما فيها ذات المخاطر، لكنها تعطي مردوداً أكبر، مثل العراق، مصر، السودان جنوب افريقيا، وغيرها”.

خوف المستثمرين، سواء أكانوا لبنانيين أم أجانب، مبرّر في ظل الأرقام التي لا تحمل أي إيجابيات على المستوى الإقتصادي والإجتماعي. فالإستثمارات الخارجية في لبنان “إنخفضت من 4.84 مليار دولار، أواخر عام 2013، الى 2.5 مليار في أواخر عام 2014. في حين ان الدين العام يفوق الـ70 مليار دولار، من دون وجود أي خطة إقتصادية لتقليصه”، ويتزامن ذلك، بحسب زمكحل، مع إرتفاع الديون الخاصة، والتي وصلت “في أواخر العام 2014 الى 55 مليار دولار، أي ما يساوي 110% من الناتج المحلي. وهذا يعني ان الشركات في لبنان لم يعد لديها ضمانات لتقديمها بهدف الإستدانة من المصارف بهدف الاستثمار وتوسيع الأعمال”.
وعلى مستوى فرص العمل، يؤكّد زمكحل أنّ “مرصد البنك الدولي أشار إلى أنّ لبنان يخلق سنوياً 3000 فرصة عمل، في حين اننا نحتاج الى أكثر من 20 ألف فرصة”. وفي المحصلة، فإن كل ذلك يؤثر سلباً على النمو الإقتصادي الذي “لم يتجاوز 1 الى 1.6%، في حين أننا محكومون بأن يكون النمو على الأقل 5%”.

ليس الفراغ وحده سبب العلّة، فالخطابات السياسية التي تتناول الدول ذات العلاقات الجيدة مع لبنان، تسهم بشكل واسع في تعكير صفو الإستثمارات الخارجية في لبنان، وتزيد من مخاطر تراجع تحويلات المغتربين، وخسارة إستثماراتهم في الدول المعنية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الخطابات السياسية مرتفعة النبرة ضد دول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، تسببت بإبعاد عدد من العائلات اللبنانية العاملة في الخليج، وهي تهدد في حال إستمرارها، بخفض معدل إستيراد دول الخليج للمنتجات اللبنانية. وتجدر الإشارة هنا الى ان السعودية تتنافس مع العراق على إحتلال المركز الأول في إستقبال الصادرات اللبنانية، وهي عموماً تتنقّل بين المركزين الأول والثاني، إذ تستورد ما نسبته حوالي 20% من الصادرات اللبنانية، وتفوق قيمة ما تدفعة السعودية لقاء إستيراد آلات وأجهزة كهربائية من لبنان، 150 مليون دولار، كما تستورد صناعات غذائية بحوالي 52 مليون دولار، وفق ما جاء في تقرير لمركز الدراسات في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان، للعام 2013. أما تقرير مصلحة المعلومات الصناعية في وزارة الصناعة عن شهر كانون الاول 2014، فقد أظهر ان السعودية تصدرت لائحة البلدان المستوردة للآلات والاجهزة والمعدات الكهربائية، من لبنان، إذ استوردت ما قيمته 6.1 ملايين دولار، واستوردت منتجات صناعة الأغذية بقيمة 50.1 مليون. غير ان جهات سياسية وإقتصادية كثيرة، تستبعد الوصول الى حد قطع دول الخليج لعلاقاتها مع لبنان أو تخفيض حركة إستيرادها، لأن العلاقات بين الدول عامة تختصرها الأطر الرسمية، وليس مواقف الجهات السياسية الداخلية. وما ترحيل بعض العائلات اللبنانية في الخليج، سوى “رسائل”، لا تؤثر على الإقتصاد اللبناني.

الحقائق الإقتصادية التي لا تغيب أرقام سلسلة الرتب والرواتب عنها، باتت واقعاً تأقلم معه اللبنانيون. فلم يعد يشكّل إنتخاب رئيس للبلاد أو عدمه، فرقاً في الحياة اليومية للمواطن، الذي رتّب نظام حياته على أساس الفصل بين الخيارات السياسية الطائفية وبين المسائل الإقتصادية. ولم يعد حجم الدين العام أو إرتفاع مؤشر الأسعار، دافعاً للتحرك الشعبي، كما كان في مرحلة الستينيات، فالمرجعية السياسية والطائفية هي القناة الوحيدة التي ينظر المواطن من خلالها، وما يعنيه في هذه الحالة، هو ما تقدّمه القنوات تلك، وهي بالطبع تفصل بين “إقتصاد الطائفة” وإقتصاد الوطن، فيصبح الإستثمار والدين العام وحجم الإنفاق وتأمين فرص العمل وتجهيز البنى التحتية وما الى ذلك، تفاصيل توجع الرأس، ولا يجب التطرق إليها إلاّ بالمنظور الذي يخدم الموقع السياسي الداخلي، والمحور الإقليمي والدولي الذي تتبعه الطائفة.

وعليه، فإن الفصل ما بين مسؤولية الشعب ومسؤولية أصحاب السلطة في ما يتعلق بالوضع الإقتصادي، هي جدلية لا تنتهي، خصوصاً أنّ منطق المحاسبة الشعبية غائب كلياً. فالشعب يتماهى مع أصحاب السلطة بهدف حماية الكيان الطائفي وتحصيل المزيد من المكاسب، وليس بهدف تقديم برامج عمل متكاملة في مختلف الميادين. وهذا ما يدفع “المجتمع المدني” إلى الحديث عن تغيير جذري لبنية النظام السياسي والإقتصادي في لبنان، وليس فقط إجراء تعديلات له.