بقلم طوني أبي نجم
كثر في لبنان يقارنون دائما بين “حزب الله” و”القوات اللبنانية”، وبين السيد حسن نصرالله والدكتور سمير جعجع. فـ”حزب الله” يدّعي أنه مقاومة اليوم، وأنه قاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما أن “القوات اللبنانية” قاومت الفلسطيني والاحتلال السوري للبناني. الفريقان خاضا تجربة العمل العسكري، و”حزب الله” يمتلك اليوم قوة عسكرية ضخمة يقول البعض أنها توازي القوة العسكرية للجيش اللبناني أو ربما ربما تتفوّق عليه على الأقل لناحية القوة الصاروخية التي يخزنها. وكذلك امتلكت “القوات” في الحرب أكبر قوة عسكرية منظمة في إطار يضاهي الجيوش.
كما تتم المقارنة بين نصرالله وجعجع على قاعدة أن الاثنين يجيّشان قاعدة جماهيرية “معسكرة”، بمعنى أنها جاهزة للقتال والموت في سبيل ما تؤمن به، إضافة الى أن الاثنين يمتلكان قدرات مميزة في العمل التنظيمي السياسي والعسكري، إضافة الى خلفية عقائدية واضحة.
لكن، وفي مقابل بعض أوجه التشابه النظرية ثمة فوارق أساسية في العمق لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها. وإذا كان العنوان العريض لهذه الفوارق يتمثل في إصرار “الحكيم” وعمله الدؤوب لقيام دولة قوية في لبنان تحمي جميع أبنائها، في مقابل جهود “السيّد” الحثيثة لقيام دويلته على حساب الدولة، فإن ثمة واقعة لا يمكن تجاهلها فرضت نفسها في المرحلة الأخيرة وتتمثل في إمعان نصرالله في زجّ شبابه ومجتمعه في أتون حرب سوريا، وما بعد بعد سوريا، ما يؤدي الى إزهاق أرواح شبابه بالعشرات في الأيام الأخيرة، وبالمئات في الأعوام الأخيرة، من دون أي احتساب للقيمة الانسانية لكل شاب يسقط ولكل قطرة دم تُبذل.
هكذا يعد السيد نصرالله بيئته ومجتمعه بالمزيد من النعوش الآتية من سوريا، فلا همّ في نظره “إن استشهد نصفنا أو ثلاثة أرباعنا المهم أن يعيش من يبقى منّا بكرامة”.
لا يهمّ إن كانت المعركة في مكانها وزمانها المناسبين. لا يهمّ إن كانت تنفيذاً لأجندات إيرانية لا علاقة للبنان بها. لا يهمّ إن كانت دفاعاً عن الجزّار بشار الأسد الذي يفتك بشعبه. لا يهمّ إن دمّرت المجتمع الشيعي في لبنان وأنهكته وأزهقت شبابه. المهم فقط وحصراً تنفيذ تعليمات الولي الفقيه حتى آخر شيعي لبناني!
في المقابل فإن سمير جعجع يختلف كثيراً في هذا المجال. في حزبه آلاف الشباب المستعدين للاستشهاد في سبيل قضيتهم عندما يطرح “الحكيم” الصوت، لكنه ضنين جداً على دمائهم ولا يفرّط بها.
سمير جعجع ليس جباناً ولم يكن يوماً، لا بل على العكس فهو المشهود له بشجاعة قلّ نظيرها في المعارك العسكرية. هو ابن الجبهات لا ابن المكاتب. هو ابن الأرض ورفاق المقاتلين. هو مقاتل مثله مثلهم، ولذلك هو حريص عليهم. هو ليس مستعداً لا للتهوّر ولا للعنتريات ولا للبهورات. يحسب حساب كل خطوة، كل موقف وكل نقطة دم.
سمير جعجع مسؤول عن رفاقه ولا يودي بهم الى الهلاك المجاني. لم يتردّد يوماً في حمل السلاح حين ينادي الواجب الوطني، لا التعليمات الخارجية. لا وليّ فقيهاً على جعجع ولا من يملي عليه قراراته. يوم سلّم سلاحه اتخذ قراره اقتناعاً بمشروع قيام الدولة التي لا يزال يتشبّث بها حتى اللحظة الأخيرة رغم كل ملاحظاته على أدائها. هو يؤمن أن يحمينا ويجب أن يحمينا هي المؤسسات العسكرية والأمنية الشرعية، ولذلك لا داعي لأن يبذل القواتيون نقطة دم واحدة اليوم.
لكنه يدرك تماماً أنه في حال تقاعست هذه المؤسسات الشرعية يوماً لا سمح الله، فسواعد القواتيين وهمتهم حاضرة كما دائماً للدفاع عن لبنان وعن كنائسهم وعن إيمانهم وعن حريتهم. لن يحتاجوا يوما أحداً يدافع عنهم، لكنهم سيبقون دائماً خلف الدولة ومؤسساتها… لكن “إن دعا داعٍ أو “داعش” فنحن للمقاومة جاهزون ولن نموت إلا واقفين”. قالها وكرّرها سمير جعجع.
هنا كل الفرق بين من يزج بمجتمعه وشبابه في أتون النار الإقليمية مجاناً تنفيذاً لأوامر خارجية، وبين من يحرص على كل “رفيق” ومقاوم، على كل ابن وأخ وأب كي لا تخسره عائلته ولا تتشح بالسواد.
شكراً سمير جعجع على حرصك، وعلى طول أناتك لكي تحفظ شبابك ومجتمعك. ليت حسن نصرالله يتعلّم منك يوماً قبل فوات الأوان.