البطريرك بين حلاوة اللسان ومراوغة الثعالب
الراعي “الوسطي”.. هل يتبنى خطاباً جديداً؟
كتبت دنيز عطالله في “السفير”: أكثر ما يستاء منه نواب “14 آذار” أن يساوي البطريرك بشارة الراعي بينهم وبين نواب “8 آذار” في موضوع تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية.
فعلها البطريرك مثنى وثلاث ورباع. وكانت المرة الاخيرة وجها لوجه في اجتماع ضمّه الى النواب المسيحيين في الذكرى السنوية الاولى للفراغ في سدة الرئاسة.
يستغرب هؤلاء أن يساوي البطريرك بين من شارك في جميع الجلسات التي دعا اليها الرئيس نبيه بري لانتخاب رئيس وبين من “تقاعس وتغيّب وامتنع عن حضور الجلسات”.
لكن البطريرك الذي يصّر على البقاء على مسافة واحدة من الجميع، وعلى عدم اغضاب اي طرف سياسي، خصوصا مسيحي، سيجد نفسه، كما هو الواقع اليوم، اعجز من ان يطاع حتى في مواقف يفترض ان تكون وطنية مبدئية.
يقول احد السياسيين المقربين من بكركي، والذي واكب عن كثب السنوات الاخيرة للبطريرك نصرالله صفير على رأس البطريركية المارونية، ان الراعي اراد ان يتجنب بعض المآخذ على مواقف او سلوكيات لصفير ادت الى اعتبار افرقاء مسيحيين ولبنانيين ان البطريرك منحاز الى طرف او فريق. يريد الراعي ان يكون راعيا بكل معنى الكلمة. يبحث عن جمع كل القطيع. ويحرص على الخروف الضال تماما كحرصه على الباقين.
لكن، يضيف السياسي ان “البطريرك يكتشف عند كل استحقاق وطني، تفصيليا كان او جوهريا، انه لا يكفي الانحياز للمنطق والحق والمبدأ ليتوافق اللبنانيون على انجاز استحقاقاتهم. ولا يكفي ان يبشر هو بهذه المفاهيم ليكون رأيه مسموعا ومطاعا. وان موضوع رئاسة الجمهورية مثال واضح على هذا الكلام، لكن البطريرك مصّر على امساك العصا من وسطها، لان لبنان بلد التوازنات، ولا يمكن لفريق ان ينتصر على آخر، سواء داخل الطوائف نفسها او بين بعضها بعضا”.
سياسة الراعي هذه، وإن نجحت في الشكل عبر توافق جميع الكتل والقوى السياسية اللبنانية على مسايرة بكركي وتقديرها والتاكيد على دورها، الا انها لم تحصد في المضمون والوقائع شيئا. فلا القيادات المسيحية التي التقت تحت سقفها ترجمت لقاءها في ما هو ابعد من الشكل، ولا القيادات المسلمة التي عبّرت عن كل احترام وتقدير للموقع وشاغله عكست في سلوكياتها ترجمة لنظرة بكركي للشؤون الوطنية الكبرى.
جميعهم يعطون البطريرك من طرف اللسان حلاوة ويروغون منه كما يروغ الثعلب. لكن من السياسيين من يتساءل “الا يجدر بالبطريرك والحالة هذه ان يفكر في اسلوب جديد في التعاطي؟ الا يجب ان يقارب الاشكالات والمشاكل الوطنية بخطاب مختلف وسلوك مغاير”؟.
تنقسم الآراء في الاجابة على هذا الطرح. اذ ان بعض السياسيين يعتبرون ان “البطريرك احرق مراكب كثيرة عبر كثرة تصريحاته وتوضيحاته وحرصه على ان يخوض غمار بحر السياسة من دون ان يتبلل بموقف حاسم”.
يؤكد بعضهم الآخر ان “البطريرك لا يوفر طريقا الا ويسلكه بحثا عن مخارج وحلول، ولا يترك بابا الا ويطرقه. ولا يوفر رأيا او نصيحة الا ويستمع اليها. وهو يبادر الى الاتصال بكل من يقتنع انه من الممكن ان يضيف فكرة او يقدم جديدا”. لكن ما يتفق عليه الطرفان ان “البطريرك يواصل الحراك والمحاولة والعمل على بلورة كل ما يخدم تصوره عن استقرار لبنان وتقدمه والحفاظ على تجربته”.
هذا في مفهوم الفريق الاول “نقطة ضعف، وكأن البطريركية بدأت بالامس ولا تملك ثوابت واسس واضحة تعمل عليها”. اما من وجهة نظر الفريق الثاني فـ”اجتهاد يسجل للبطريرك في زمن يتقاعس فيه السياسيون عن البحث عن جوامع مشتركة والبناء عليها”.