جاسم عجاقة
على عكس توقعات المحللين الإقتصاديين، أظهَر تقرير أوبك أنّ انخفاض سعر برميل النفط العالمي لم يؤثر على الإنتاج الأميركي من النفط الصخري. بما يعني أنه ومع سياسة الفائض بالإنتاج لدول الأوبك، ستبقى الأسعار منخفضة أقلّه سنتين مع تدنّي الطلب الأميركي على نفط أوبك.
في مقال بعنوان «نظرة جيو إقتصادية لهبوط أسعار النفط» نشرناه في جريدة «الجمهورية» بتاريخ 20 كانون الأول 2014، قمنا بنشر العوامل التي هي وراء انخفاض أسعار البترول حيث ذكرنا دوافع مثل المخطط الأميركي لإضعاف الروس مالياً ورَدعهم عن أيّ أعمال عسكرية ضد أوكرانيا، إعطاء دفعة كبيرة للإقتصاد العالمي وخصوصاً الأميركي عبر تخفيض الكلفة الحرارية، وإضعاف إيران إقتصادياً وهي التي تحتاج إلى سعر برميل يُقارب الـ 120 د.أ. لتفادي العجز في موازنتها. ويأتي التقرير الصادر عن منظمة الأوبك، والذي نشرته الـ وول ستريت جورنل، ليُثبت ما ذكرنا.
حيث أنّه برّر زيادة الإستهلاك في الولايات المُتحدة الأميركية بالدرجة الأولى بانخفاض أسعار النفط ما أدى إلى زيادة الإستهلاك على السيارات الرباعية الدفع والإطارات. أمّا في ما يخصّ استخراج النفط والغاز الصخري ومقولة انّ أسعار نفط عالمية منخفظة تؤثر سلباً عليه، يُفيد التقرير أنّ الطلب الأميركي على النفط الصخري إزداد، وفي المقابل قلّ الطلب على نفط الأوبك الذي لم يعد يُشكل أكثر من 31% من الطلب العالمي (30 مليون برميل بالنهار).
ويُضيف التقرير أنّ الأوبك ينوي المحافظة على فائض في العرض، وهذا الأمر باعتقادنا تحت ضغط المملكة العربية السعودية التي لها القدرة على سدّ أيّ نقص في الإنتاج من دول الأوبك الأخرى، وهي التي تتمتع بقدرة إنتاجية غير مستخدمة تبلغ مليوني برميل يومياً. وكفترة زمنية يتوقّع الأوبك أن يستمر الوضع على حاله أقلّه حتى العام 2018-2019، ليبدأ بعدها الطلب على خام الأوبك بالازدياد.
أمّا في ما يخصّ الأسعار، فيتوقع الأوبك أن لا تتخطى أسعار برميل النفط الـ 76 دولاراً أميركياً، وهذا ما توقعناه في مقال سابق حيث قلنا إنّ الضغوطات السياسية، ومن قبل المنتجين، ستدفع به إلى ما بين الـ 60 إلى 70 دولاراً أميركياً.
• ما هي أسباب زيادة العرض اليوم؟
– إذا ما أخذنا جانباً الزيادة التي قامت بها المملكة العربية السعودية العام الماضي واستمرارها في المحافظة على قيمة العرض نفسها، نرى أنّ أسباب زيادة العرض اليوم تنقسم إلى قسمين: منها ما هو استراتيجي، ومنها ما هو اقتصادي. لكن قبل الدخول في تفاصيل هذه الأسباب، يجب معرفة أنّ زيادة العرض أتت بالدرجة الأولى من الدول المُنتجة للنفط، وليست عضواً في منظمة الأوبك.
من هنا نرى أنّ الأسباب الاقتصادية التي تدفع بهذه الدول إلى زيادة الإنتاج تكمن في تحسّن التقنيات التي تستخرج من خلالها النفط الصخري، إذ من المتوقع أن تزيد هذه التقنيات 6% من قدرة الإنتاج سنوياً.
كما أنّ المنتجين من الخام لهم مصلحة في زيادة الإنتاج لكي يكون تشغيل المنصّات مُربحاً، وهي التي ومع مرور نقطة قمة الإنتاج (Energy Peak)، تسعى إلى الإستفادة القصوى من هذا الإنتاج في وقت أقلّ حتى لا تكون كلفة صيانة المنصّات والمنشآت خسارة فادحة لها.
أمّا الشق الإستراتيجي لزيادة استخراج النفط الصخري فتكمن قبل كل شيء بتموضع استراتيجي لطاقات بديلة عن الخام تسمح لاقتصادات الدول المعنية بالإستغناء ولَو بشكل نسبي عن النفط الخام الذي هو عرضة لعوامل سياسية واستراتيجية.
وبالتالي، إذا سمحت التقنيات في المستقبل فإنّ هذه البلدان سيكون لها بنية تحتية بَنَتها على مرّ السنين، وأصبحت بالتالي مجهّزة لمواجهة المُستقبل. وهذا الأمر مُبرّر بنظرية Hubert التي تنصّ على أنّ كل طاقة أحفورية هي عرضة لمنحنى تصاعدي يليه قمّة، ومن ثم الإنحدار لنصِل في النهاية إلى استنفاد هذه الطاقة.
خيار إستراتيجي
في تصريح لها إعتبرت وزيرة خارجية فنزويلا أنّ استخراج النفط الصخري «يُعدّ جريمة نظراً للأضرار الضخمة التي يُلحقها بالبيئة المحيطة». من البديهي القول إنّ التقنيات المُعتمدة حالياً لاستخراج النفط والغاز الصخري تعتمد على التصديع الهيدروليكي وتُشكّل تهديداً بيئياً إن من ناحية الزلازل المُمكن حدوثها (غير مُثبتة علمياً) والتلوّث البيئي للمياه الجوفية في الطبقة الفرياتيكية، إلّا أنّ هناك مصلحة لفنزويلا بهكذا التصريح وهي من أكبر المصدّرين للنفط إلى الولايات المُتحدة الأميركية. وبالتالي، عانت فنزويلا، منذ عام تقريباً، نقصاً في الطلب الأميركي على نفطها.
وكان علماء أميركيون قد رجّحوا أن تكون الزلازل التي ضربت ولاية تكساس في العام 2013 هي نتيجة لإستخراج النفط الصخري. ويُضيف العلماء أنّ ضَخ المياه وإعادة سحبها من الطبقات العميقة في باطن الأرض يؤديان إلى تزعزع الطبقات الأرضية، وهذا الأمر يولّد نوعاً من الهزات الأرضية.
إلّا أنّ خيار الولايات المُتحدة الأميركية أصبح واضحاً، وهو اعتماد هذه الطاقة كمصدر أساسي للإقتصاد الأميركي، وذلك عبر تأمين حاجات الشركات الأميركية بكلفة أقلّ ممّا هي حالياً. لكنّ التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة الأميركية هو كيفية خفض كلفة الاستخراج من 60 دولاراً حالياً إلى 20 دولاراً أميركياً، لِتُنافس بذلك النفط العربي ونفط دول الأوبك.
في هذا الوقت يعيش هذا القطاع تحت خسارة مالية كبيرة من الواضح أنّ الحكومة الأميركية قررت تحمّلها تحت تأثير التغيّرات الجيوسياسية، والتي من دون أدنى شك كان لها دور أساسي في صَقلها.
• ما هي مصلحة دول الأوبك في الحفاظ على سعر برميل منخفض؟
– من الأكيد أنّ سعر برميل نفط منخفض هو مضرّ لاقتصاد الدولة المنتجة للنفط. وفي حالة دول الأوبك، يظهر إلى العلن أنّ مصالح المملكة العربية السعودية وقدرتها الإنتاجية الإضافية تؤدي دوراً أساسياً في تحديد حجم الإنتاج.
وبالطبع تعرف دول الأوبك الأخرى أنّ أيّ خفض في إنتاجها تستطيع السعودية تعويضه، وبالتالي ستخسر هذه الدول الكمية التي تخَلّت عنها لصالح السعودية. من هذا المنطلق نرى أنه لطالما لم يتمّ حلّ مسألة البرنامج النووي الإيراني ومسألة تمويل حزب الله من قبل إيران، فإنّ سوق النفط العالمي سيستمر على حاله.