Site icon IMLebanon

أوروبا تسحب البساط الشعبي من الحكومة اليونانية

GreeceEcon1
موسى مهدي
رغم أن خلافات اليونان مع منطقة اليورو، تبدو في الظاهر أزمة مالية، إلا أنها تخفي في طياتها أبعاداً عديدة، منها السياسي الأيديولوجي، ومنها التكتيك التفاوضي والاستراتيجيات التي يستخدمها كل من الطرفين في بروكسل وأثينا للي ذراع الآخر وإجباره على الرضوخ والاستسلام. وأزمة اليونان، في الواقع، رغم ما تحمله من تراجيديا ومآسٍ على صعيد إنعكاساتها على الفقراء والطبقة الوسطى في اليونان، فإنها لعبة سياسية كبرى، تمارس بذكاء شديد وتمرر في الخفاء بين السياسيين في المفاوضات بين بروكسل وأثينا، منذ صعود الحكومة اليسارية الراديكالية التي يقودها اليكسس تسيبراس للحكم.
على صعيد حكومة ألكسيس تسيبراس اليسارية، التي تسيطر عليها كوادر اليسار الاجتماعي الأقرب إلى الشيوعية، فهي حكومة، لا تعتقد من حيث المبدأ، بالحلول الرأسمالية التي وضعتها المفوضية الأوروبية ووصفات صندوق النقد الدولي.
ينظر تسيبراس ورفاقه، من حيث المبدأ إلى خطة إنقاذ اليونان من الإفلاس التي وضعت في العام 2012، واشترك في وضعها وتمويلها كل من المفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي، على أساس أنها خطة إمبريالية، تخضع الاقتصاد اليوناني لهيمنة ألمانيا وتحولها إلى مستعمرة تجارية لتسويق بضائع الشركات الألمانية وباقي دول اليورو الغنية.
ولذلك يلاحظ، أن أول أزمة أفتعلها تسيبراس كانت مع ألمانيا حول تعويضات الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا الصدد يلاحظ، أن حزب “سيريزا” اليساري كسب الانتخابات التي جرت في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، بوعود أهمها، إلغاء شروط خطة الإنقاذ الخاصة بعمليات تخصيص وبيع مؤسسات الدولة إلى القطاع الخاص وإلغاء برنامج التقشف، وكذلك تحرير سوق العمل الذي يعني أن حقوق العمال ستصبح في جيب صاحب الشركة.
وهذا البرنامج الانتخابي الذي حمل حزب “سيريزا” إلى الحكم، هو برنامج اشتراكي بحت ينبع من صميم النظرية الاشتراكية التي تؤمن بنمط الاقتصادي المركزي وهيمنة الدولة والعمال على أدوات الإنتاج وإطلاق يد نقابات العمال في تحديد شروط العمل والقوانين وليس صاحب رأس المال والشركات.
ومن هذا المنطلق، بدأ تسيبراس فترة حكمه بالرفض الكامل لشروط الإنقاذ المالي، وهو يعلم أن هذا الرفض سيقود إلى فشل بلاده في تسديد التزاماتها المالية للدائنين، وهو ما سيقود تلقائياً إلى احتمالية إعلان اليونان دولة مفلسة ويفتح الباب أمام إبعادها من منطقة اليورو.
الدولي الذي تسيطر عليه أميركا، لن يغامر بالاشتراك في لي ذراع اليونان وإجبارها على الإفلاس وهو ما يعني تلقائياً تفكيك أوروبا في هذا الوقت الحرج الذي تخوض فيه أميركا حرباً ضروساً ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أحتل شبه جزيرة القرم. ومعروف أن خروج أية دولة عضو من منطقة اليورو سيعني خروجها تلقائياً من عضوية الاتحاد الأوروبي.

عبر رفض شروط الإنقاذ، آمل تسيبراس في أن يضع المفوضية الأوروبية ومعها صندوق النقد الدولي أمام خيارين، أحلاهما مر، وهما، إما ترك اليونان للإفلاس وهو ما سيقود إلى إخراج اليونان من عضوية منطقة اليورو، أو خفض قيمة الديون التي تثقل كاهل أثينا.
وتفترض خطة رئيس الوزراء اليوناني ووزير ماليته، حسب خبراء اقتصاد، أن أثينا يمكنها التهديد بالتعثر في سداد ديونها، لأنه في حال أجبرت الحكومة على ذلك بالفعل فإنها سوف تتمكن من التوقف عن تسديد التزاماتها المالية للمقرضين.
وستستخدم ما تبقى لديها من أموال لسداد الأجور والمعاشات، وتكاليف الخدمات العامة، وتكون بذلك قد حققت نصراً سياسياً في داخل اليونان وتمكنت من الحصول على إعفاء جزء من الديون. ولكن المفوضية الأوروبية أعتمدت إستراتيجية مختلفة تحرم اليونان من الإفلاس، كما تحرمها كذلك من الحصول على تدفقات مالية.
يلاحظ أن المفوضية الأوروبية التي تقودها المستشارة أنغيلا ميركل، وهي من الكوادر الشيوعية النشطة في الحزب الشيوعي الألماني الشرقي، قبل الوحدة الألمانية، فطنت لخطة رئيس الوزراء اليوناني ورفاقه.
ولذلك أتبعت المفوضية الأوروبية سياسة ” التمهل وتضييق الخناق المالي” على أثينا. حيث إنها واصلت رفض الخطط البديلة التي قدمتها حكومة تسيبراس وطالبت بإصلاحها، وكلما قدمت اليونان خطة بديلة تطالب المفوضية الأوروبية ببدائل أخرى.
وبهذه الإسلوب تركت المفوضية الأوروبية الباب مفتوحاً أمام اليونان للبقاء في منطقة اليورو، ولكنها أوقفت تدفق الأموال على الحكومة اليسارية التي تأمل في سقوطها من داخل اليونان.
بهذه الإستراتيجية تركت المفوضية الأوروبية، تسيبراس ورفاقه فريسة للفشل الاقتصادي والعجز في تلبية تطلعات الجماهير التي أنتخبتهم من أجل تحسين الأوضاع المعيشية. ويلاحظ
أن النمط الرأسمالي الذي تتبعه حكومات دول منطقة اليورو يرفض تماماً فكرة نجاح حكم يساري في أوروبا. وحتى الآن، يبدو أن إسترتيجية المفوضية الأوروبية القائمة على قطع “صنبور تدفق السيولة”، على تسيبراس ورفاقه، تحقق نجاحاً، لأن حكومة تسيبراس أنفقت ومنذ صعودها للحكم، ما كان لديها من فائض في الميزانية يمنحها قدرة على المناورة في مفاوضات الدائنين. كما أن هنالك تظاهرات بدأت تتحرك في أثينا ضدها، فيما تواجه الوزارات والمؤسسات العامة في أثينا صعوبة متواصلة في نهاية كل شهر، من أجل تسديد رواتب ومعاشات الموظفين الحكوميين، ويتزايد السخط في الشارع اليوناني من الظروف المعيشية القاسية. ووسط الضغوط المالية تلجأ وزارة المالية إلى تدابير يائسة مثل الحصول على الأموال من الحسابات المصرفية للبلديات، والمستشفيات لتغطية المصروفات اليومية للحكومة. فالمفوضية الأوروبية تدخل رئيس الوزراء تسيبراس في نفق طويل مليء بالأفاعي وتنظر ما الذي يفعله، فهل يا ترى سينجو تسيبراس من هذه الثعابين؟