عصام الجردي
في الصراع بين الصين وبين الولايات المتحدة على زعامة الاقتصاد العالمي، لا تهاب الأولى مقولة إن احتلالها المركز الثاني اقتصادياً بناتج محلي من نحو 10 تريليونات دولار امريكي، يبقيها بعيدة بأشواط عن الثانية بمؤشر الدخل الفردي إلى الناتج.
وهو المؤشر الأكثر قرباً من تحديد مستوى الرفاه والتقدم بين الدول.
ويبلغ في الولايات المتحدة نحو 53 الف دولار امريكي سنويا على اساس ناتج محلي يزيد على 17 تريليون دولار أمريكي.
بينما في الصين دون 7 آلاف دولار أمريكي.
والفيصل تعداد السكان في البلدين.
نحو 319 مليونا الولايات المتحدة.
واكثر من مليار و300 مليون تعداد الصين.
ما يوازي نحو 19 في المئة من تعداد سكان العالم.
أي بحسبة بسيطة يفترض تعداد صيني واحد في المتوسط من كل 19 فرداً على الكوكب.
الصين تدرك هذه الفجوة الهيكلية.
وتعانيها دول كثيرة في العالم يأكل النمو السكاني لديها معدل النمو الاقتصادي.
لكن، هل هذه هي حال الصين؟ كلا.
نجحت الصين في الحد من الولادات قبل نهاية الألفية الثانية.
وتمكنت من توظيف الكتلة البشرية لديها في سوق العمل والتصنيع والخدمات من خلال نظام تعليمي حديث بتركيزها على الابتكارات والتطوير منذ مرحلة التعليم الأساسي وفي المرحلة الجامعية وعبر معاهد التعليم التقني.
سوق العمل المتدنية الأجور، مكنتها من غزو أسواق العالم بالسلع والبضائع كما لم يحصل لدولة من قبل.
وبات لديها أكبر احتياط من العملات الأجنبية في العالم من زهاء 4 تريليونات دولار امريكي.
الأهم، وربما هنا الميزة التنافسية الحقيقية للصين، ان عمليات الانفتاح الاقتصادي التي بدأت في العقد الثمانيني من القرن العشرين، وشهدت بداية تهافت الشركات الصناعية للاستثمار في اليد العاملة الرخيصة والمدربة، كانت مشروطة باستجلاب التكنولوجيا الحديثة، وببرامج تدريب الأيدي العاملة الصينية في تلك الشركات.
وما بدا من قيود حكومية على عمل الشركات الأجنبية العملاقة، تحول في نهاية المطاف الى حوافز لتلك الشركات لإعادة استثمار حصة كبيرة من أرباحها في الصين.
قال لي صحفي صيني التقيته في بيروت عام 1998، ان الاستثمارات الأجنبية في الصين لم تكن «مجرد دجاجة تقأقئ في بكين وتبيض في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
بل كانت تبيض في الصين بينما الصراخ في الولايات المتحدة وأوروبا، أن أوقفوا غزو الصين بلادنا وعجوزنا التجارية». كل ذلك لا يكفي الصين في سباقها إلى التكافؤ النسبي مع الولايات المتحدة بمعيار الدخل الفردي.
لا نمو من رقمين ولا 7 في المئة سنوياً.
بل حال الفرد في الصين، وقدرتها على تنويع مصادراقتصادها، ورسمها خريطة طريق استثمارية وتجارية خارجية جديدة إلى جانب طريق مستوعباتها الضخمة إلى الدول الصناعية الغربية.
قامت الصين بخطوات جبارة على مستويي خفض الفقر وسوء التغذية.
ومستمرة في تحسين حال الفرد.
يبنما تتراجع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD )قالت ان 600 مليون من الصينيين خرجوا من دائرة الفقر في الفترة 1980 – 2004.
وهناك 138.1 مليون مواطن خرجوا من سوء التغذية المزمن في الفترة 2012 – 2014. (من 288.9 مليون إلى 150.8 مليون) ويمثل الرقم 66 في المئة من التراجع العالمي في هذا المؤشر.
يحتمل ان الرقم تراجع في السنوات الثلاث الاخيرة.
البطالة في الصين 4.05 في المئة.
الأدنى عالمياً.
لا يزال على الصين الكثير لتعمل على المستوى الاجتماعي لأكثرمن مليار و300 مليون مواطن.
لاسيما في المناطق الريفية التي تشهد حركة على مستوى مشاريع التنمية. بينما نشهد تراجعاً في كل هذه المؤشرات في الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي منذ 2008.
5.5 في المئة البطالة في الولايات المتحدة.
بيد ان عقود العمل الدائمة لا تتجاوز 33 في المئة.
فوق 11 في المئة البطالة في منطقة اليورو.
16 في المئة بين الشباب.
50 في المئة في اسبانيا واليونان.
تخرج الصين تدرجا من عباءة الصادرات إلى اقتصاد الاستهلاك والخدمات.
تتناغم مع إلحاح أمريكي وأوروبي.
مع ذلك يزداد الفائض التجاري الصيني.
الفائدة الأمريكية القريبة من الصفر، جوفت عائد سندات الخزانة الدائنة للولايات المتحدة.
التوجه الجديد للمدخرات الصينية والفوائض يقوى نحو الاستثمار في البنى التحتية.
إفريقيا وأمريكا اللاتينية وجهة جديدة للاستثمار. رصدت الصين 500 مليار دولار أمريكي للاولى.
و250 مليارا للثانية.
راوندا «التوتو والهوتسي» تقول ان التعاون مع الصين حفز النمو إلى 7 في المئة و8.
المعدل نفسه في اثيوبيا.
واتفاق تعاون اقتصادي مع البرازيل حجمه 50 مليار دولار أمريكي حتى 2021.
مصرف آسيا لإعمار البنى التحتية الذي أسسته الصين انعطافة مهمة في خريطة الطريق الجديدة.
اللافت إسراع المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وايطاليا إلى الاسهام فيه.
مازالت الصين بعيدة لاستجابة رفاه المليار و300 مليون مواطن.
المرحلة الجديدة من النمو المضغوط، والتوجه الخارجي لبدائل من الشركاء التجاريين والاستثماريين، يحتم اصلاحات في نظامها المالي ومصارف الظل.
وعدم التهاون مع شبكات الفساد في القطاعي العام والخاص ومراكز قوى حكومية.