كلوديا كوستين وصوفي ناندو
ن غير المقبول لمنطقة كالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي من المناطق متوسطة الدخل، أن يموت طفل من بين كل أربعين طفلا في العام الأول من عمره وأن يكون سبب وفاة أغلبيتهم أمراض يمكن الوقاية منها. كما أنه من غير المعقول أن يُصاب خمس أطفال المنطقة بالتقزم بسبب سوء التغذية، وأن يُحرم أكثر من نصفهم من المغذيات الدقيقة المهمة مثل الملح المعالج باليود مما يتسبب في إلحاق الضرر بقدراتهم الإدراكية. وعلاوة على ذلك، فمع التحاق 27% فقط من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة إلى خمسة أعوام بمدارس رياض الأطفال، وهو ما يقرب من نصف المتوسط العالمي، فإن ثلاثة أرباع الأطفال في المنطقة محرومون من فرصة بناء أسس الاستعداد للمدرسة واكتساب المهارات التي يحتاجون إليها لكي يعيشوا حياة سعيدة ومستقلة وصحية.
ما هي دلالات هذه الاتجاهات المثيرة للقلق؟
تبين لنا الأبحاث والدراسات أن المحفزات الغذائية والنفسية المبكرة في السنوات الأولى من الحياة تمثل عنصرا مهما للنمو العقلي والصحي. وهناك أيضا شواهد قوية على أن برامج تنمية الطفولة المبكرة، التي تستهدف الأطفال ممن هم دون الخامسة من العمر، لها أثار إيجابية كبيرة طوال الحياة، خاصة عندما تقارن بالاستثمار في مراحل لاحقة من العمر. وتتضمن بعض الأمثلة البرامج التي تشجع الصحة والتغذية، وتوعية الآباء، والالتحاق برياض الأطفال، ووسائل الإعلام الخاصة بتوعية الأطفال.
ونعلم أيضا أن عدم المساواة بين الجنسين يبدأ في الطفولة المبكرة، وأن إصلاح أوجه القصور الذي يحدث في المراحل المبكرة من العمر صعب ومكلف في المراحل التالية من الحياة ويؤدي إلى إطالة أمد الفقر وعدم المساواة.
وقد ضم تقرير جديد أصدره البنك الدولي مجموعة شاملة من البيانات من مختلف أنحاء المنطقة عن أوضاع تنمية الطفولة المبكرة. ووجد التقرير أن الاستثمار في تنمية الطفولة المبكرة هو من أدنى مستوياته في العالم، وأن هناك أيضا تفاوتا كبيرا في الفرص فيما بين الأطفال في جميع بلدان المنطقة. على سبيل المثال، تصل نسبة حصول أطفال الأسر الأكثر ثراء في تونس على الرعاية والتعليم المبكر 97%، بينما لا تتجاوز فرصة أطفال الأسر الأكثر فقرا في ذلك 4%.
كما أظهرت التجربة العالمية أن التدخلات الموجهة للأطفال الأكثر فقرا يمكن أن تعوض عن الاتجاهات السلبية وأن تعزز جودة التعليم والنمو الجسماني. وفي الحقيقة، يعد الاستثمار في الأطفال الصغار واحدا من أذكى الاستثمارات التي يمكن أن ينفذها بلد ما.
وفي ظل تزايد الصراعات والاضطرابات السياسية وانتشار أعمال العنف في كل أنحاء المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية، قد يعتبر واضعو السياسات الاستثمار في تنمية الطفولة المبكرة ترفا أكثر منه ضرورة. لكن يمكننا أن ندحض ذلك: فتنمية الطفولة المبكرة هي استثمار مهم وعاجل، لاسيما في التصدي للتحديات الصعبة على صعيد التنمية البشرية والاستقرار الاجتماعي والنمو المنصف. ومن ثم، فإن عدم الاستثمار في تنمية الطفولة المبكرة الآن في المنطقة سينم عن قصر نظر حاد حيث سيؤدي إلى عواقب مكلفة للغاية لا سبيل إلى محو آثارها على الأجيال القادمة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف يمكننا استخدام البيانات المتعلقة بتنمية الطفولة المبكرة للعمل مع واضعي السياسات من أجل وضع البرامج وتوسيع مظلتها بتكلفة منخفضة ومستدامة وفي متناول اليد؟
نود هنا أن نطرح خمسة اعتبارات رئيسية لكي يتمكن واضعو السياسات من تحقيق أعظم الأثر:
حملات إعلامية للوصول إلى كل أفراد الأسرة، مع رسالة للأبوين، وليس فقط للأم. ينبغي أن يعي كل أفراد الأسرة المشاركون في اتخاذ القرارات الخاصة بتربية الأطفال و/أو المنخرطون في التفاعلات اليومية مع أصغر أفراد الأسرة (على سبيل المثال، الآباء، والجدات، والحموات، والإخوة، وآخرين) أهمية التغذية المناسبة والتحفيز المبكر للأطفال الصغار.
أخذ جودة الخدمات في الحسبان: زيادة الرعاية التي تعتمد على المراكز (بما في ذلك مراكز الرعاية النهارية ورياض الأطفال) يمكن أن تحفز من تنمية الأطفال في الوقت الذي تتيح للأمهات بعض الوقت للانخراط في المزيد من التعليم أو في أنشطة تنمي دخلهن. بيد أنه إذا انخفضت جودة الرعاية والتعليم عن مستويات معينة في هذه المراكز ستعزف الأسر عنها ولن يستفيد الأطفال المشاركون، مما يبدد الغاية من هذه المراكز..
تطبيق سياسات تنمية الطفولة المبكرة على نحو يشمل الجميع: تتجلى العديد من حالات الإعاقة في الطفولة المبكرة، وقد تزيد من أوجه عدم المساواة، إذا تركت دون رصد أو دون التصدي لها. ولدى بلدان المنطقة الآن الفرصة لزيادة استثماراتها في تنمية الطفولة المبكرة بطرق تشجع على الرصد المبكر لحالات الإعاقة، ووصل الأطفال بخدمات إضافية حسب الحاجة، وتأسيس مراكز رعاية تشمل جميع الأطفال.
المشاركة مع الأطراف الفاعلة غير الحكومية. زيادة الاستثمار في تنمية الطفولة المبكرة بطريقة تصل إلى أكثر الفئات احتياجا من خلال برامج جيدة نادرا ما تنفذ عبر أنظمة الدولة وحدها. وعلى واضعي السياسات البحث عن شراكات يتبادلون من خلالها المنافع مع القطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، والهيئات والمؤسسات الدينية، ووسائل الإعلام، وغيرها من أجل الوصول إلى شرائح إضافية من السكان، والحث على تغيير السلوك، بما في ذلك استخدام تكنولوجيات كالهواتف المحمولة، والتلفزيون أو البرامج الإذاعية.
تجنب السماح بأن يكون “الأمثل عدو الحسِن”. وضع إستراتيجيات وسياسات وبرامج متعددة القطاعات تلبي بشكل حقيقي الاحتياجات الكلية للأطفال الصغار (الصحة، والتغذية، والتنمية الاجتماعية والإدراكية) هو أمر جد مهم، إلا أنه قد يستغرق وقتا. وفي الوقت ذاته، يجب على الدول أن تدرس اختيار “نقطة أو اثنتين من المداخل الإستراتيجية”، مثل برامج توعية الأبوين لزيادة التحفيز المبكر أو الرعاية القائمة على المراكز، والبناء التدريجي من هذا المنطلق.
بالنسبة لأغلب بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن الآن هو التوقيت الأمثل للبدء في ذلك.