كتب وسام أبو حرفوش في صحيفة “الراي” الكويتية:
في اللحظة التي صار الجميع، من حلفاء الرئيس السوري بشار الاسد وخصومه، على اقتناع بأن نظامه دخل مرحلة “الموت السريري”، وسط إرجاء لإعلان وفاته بأوكسجين أميركي – روسي، دبّت مناقشات مفاجئة في الصالونات السياسية اللبنانية على تنوُّعها، حول الوقع الذي يمكن ان يتسبّب به السقوط المريع للأسد، في لبنان المرتبط في مساره ومصيره بالمتغيرات العاصفة في سورية.
وسريعاً، قفز الى الواجهة السؤال اللغز: كيف سيتصرّف “حزب الله” الذي ربَط مصيره بمصير الأسد وانتقل الى سورية بجيشه وترسانته للقتال دفاعاً عن حليفه في محور الممانعة وحمايةً لحبل السرة الذي يربط لبنان وايران، ونجح تالياً في تطويل عمر الأسد عندما كانت المعارضة السورية تقرع أبواب دمشق، قبل ان يتغير المشهد السوري من جديد على وهج “عاصفة الحزم” وتطورات إقليمية أخرى؟
ما يجعل هذا السؤال ملحاً أمران:
الأول: أن الحزب الذي انخرط في الحرب في سورية على قاعدة “أنا الغريق وما خوفي من البلل” لاعتقاد راسخ لديه بأنه سيكون الهدف التالي بعد الأسد، لم يُخْفِ يوماً انه يدافع عن مستقبله في سورية، وكانت مصادر دوائر القرار فيه قالت، وفي وقت مبكر لـ “الراي”، اي في 22 تشرين الأول العام 2011 ان “حزب الله لن يدع الأسد يسقط مهما كان الثمن لأن مصيرنا الإستراتيجي يرتبط بنظامه”.
الثاني: أن الإطلالتيْن الاخيرتيْن للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله انطوتا على كلام أوحى بإدراك ضمني من الحزب، بانه ربما سيكون من الصعب إعادة عقارب الساعة الى الوراء في سورية، بعد انتصارات حاسمة للمعارضة وفي مناطق استراتيجية، تحت مظلة ما اعتبره “توحُّداً ضدنا” لمحورٍ يضم السعودية وقطر وتركيا، متحدثاً عن خطر وجودي، وملمحاً الى امكان الدعوة الى تعبئة عامة في يوم ما، ومتوعّداً باستمرار المواجهة “حتى لو قُتل نصفُنا او ثلاثة أرباعنا”.
ورغم ان من السابق لأوانه الحديث عن سيناريوات “سورية من دون الأسد” نظراً لارتباط هذا التحول بالأدوار الاقليمية لواشنطن وموسكو وبلعبة الأثمان بين طهران والرياض وأنقرة، فإن الأندية السياسية اللبنانية استعجلت تقصّي الاحتمالات التي قد يذهب اليها “حزب الله” بعد خسارة معركته المصيرية في سورية، بل خسارته سورية.
في الصالونات الموالية لـ “حزب الله”، خلاصة أولية مفادها انه كلما ازداد مأزقه في سورية سيزداد تشدداً في لبنان. ولم يكن أدلّ على ذلك من الكلام الاخير للسيد نصرالله، الذي أوحى بانه سيمضي في المواجهة على طريقة “عليّ وعلى أعدائي”، وهذا يعني ان الحزب يتجه الى تشديد قبضته على لبنان، خصوصاً ان مشروعه الإقليمي يكون مُني بخسارتيْن استراتيجيتيْن في اليمن وسورية.
وثمة انطباع في الصالونات نفسها، بأن الحزب الذي أعلن صراحة ان المواجهة واحدة من لبنان الى اليمن مروراً بسورية والعراق، لن يرفع الرايات البيض، وسيصوّب في لبنان باتجاه حلفاء المحور المعادي له، وتالياً من الصعب تَصوُّر ما سيكون عليه الوضع في ضوء اللغة المتدحرجة في تصعيدها لنصرالله تجاه خصومه، الأمر الذي يُستدلّ منه انه قد يتصرف كأسد جريح لن يتوانى عن قلب الطاولة.
لم تُسقِط تلك الصالونات من حسابها إمكان قلب الصورة من جديد في سورية بعد ان تنجح عمليات “الحشد الشعبي” في إقصاء “داعش” من الأنبار في العراق، ثم الانتقال الى المعركة في سورية على وقع الانفلاش المتعاظم للتنظيم هناك، الأمر الذي يوفر غطاءً دولياً يفيد منه الأسد والجماعات اللبنانية والعراقية المقاتِلة معه، في حرب من غير المستبعد ان تباركها الولايات المتحدة للقضاء على الخطر الداعشي الذي يتهدّد العالم.
ومن غير المستبعد في ضوء المناقشات داخل الصالونات الموالية لـ “حزب الله” ان يتمّ الاهتداء بالفتوى التي كان أصدرها المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي بجعل سورية أرض جهاد، بعدما تعاظم الخطر على النظام في دمشق، وسط مخاوف من محاولات التمدد تجاه المنطقة المحرّمة، اي وسط سورية، كدمشق وحمص وحماه والساحل.
اما في الصالونات السياسية لخصوم “حزب الله” مثل “14 آذار” وسواها، فتوحي الخلاصات بأن انهيار الأسد بات امراً واقعاً، وان سقوطه تماماً يرتبط بترتيبات دولية واقليمية للمرحلة الانتقالية، وهو ما يُشتمّ من تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن تَقارُب في مقاربة موسكو وواشنطن للأزمة في سورية، اضافة الى ان من غير المستبعد ان يكون ملف سورية تحت الطاولة في المفاوضات النووية التي تجري بين الولايات المتحدة وايران.
غير ان هذه الصالونات لا تملك قراءة واحدة لما سيكون عليه سلوك “حزب الله” بعد هزيمة الأسد. والجميع مرتابون من تلك اللحظة التي يتم التعبير عنها في مقاربتيْن هما:
* الأولى تأخذ براغماتية “حزب الله” في الحسبان وتقول ان السيد نصرالله أعقل من ان يقوم بمغامرات من النوع الانقلابي في البلاد، في لحظة اشتداد الصراع السني – الشيعي في المنطقة، إذ ليس من مصلحته انفجار هذا الصراع بين يديه، وهو يدرك في الوقت عيْنه ان “14 آذار”، ولا سيما “تيار المستقبل” جاهز لملاقاته في إطارٍ من الجهد المشترك لاحتواء ما قد ينجم عن سقوط الأسد.
ويكشف قيادي بارز في هذه الصالونات عن انه صارَح شخصياً قيادياً في “حزب الله” في أوج الصراع في سورية “بأن علينا، ومن موقع تموْضعنا على طرفيْ المواجهة في سورية، ان نكون جاهزين للعمل معاً من اجل منع الصواعق في الداخل في اللحظة التي قد ينهار فيها نظام الأسد، وذلك عبر العودة جميعاً الى البيت اللبناني”.
* والثانية تبدو اكثر ميلاً للاعتقاد بأن “حزب الله” سيتحوّل مع السقوط المحتمل للأسد، الى “حوثيين”، في اشارة الى توقُّع قيامه بما هو أدهى من “7 ايار 2008”، يوم نفّذ عملية عسكرية في بيروت وبعض الجبل، وهو ما أفضى في حينه الى “اتفاق الدوحة” الذي انتزع فيه الحزب “الثلث المعطل” في الحكومة، ما جعله شريكاً مضارباً لها.
واذ يلفت أصحاب هذا الاستنتاج الى ان قادة “14 اذار” ونوابها شرعوا في رفع مستوى التحوّط الأمني خشية تَجدُّد حرب الاغتيالات السياسية، فانهم يشيرون في الوقت نفسه الى ان “حزب الله” الذي يدفع في اتجاه تفجير أزمة النظام الناجمة عن الفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، عبر الإطاحة بالحكومة وإحداث فوضى دستورية توصلاً الى مؤتمر تأسيسي، لن يجد مَن يوقّع له على “صك الاستسلام” هذه المرّة.
…إنها سيناريوات افتراضية لليوم التالي لسقوط الأسد، ولما سيكون عليه لبنان.