IMLebanon

نسبة البطالة في لبنان تصل الى 40% وعلى الدولة اللبنانيّة تحمّل المسؤولية

Unemployment

ناتاشا بيروتي

تشهد المجتمعات معوقات اجتماعية واقتصادية تؤدي إلى تفاقم ظاهرة البطالة، التي تعد من أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاديات. تعد البطالة نموذجاً من مأساة الغالبية العظمى من أبناء الشعب اللبناني الذي كان ولا يزال يدفع الأثمان الباهظة بسبب التقلبات السياسية والأمنية التي تساهم في تفاقم هذه الظاهرة. فالبطالة في لبنان تخطت الخطوط الحمر كلها، ووصلت الأمور الى حائط مسدود، والوضع المعيشي القائم بات يهدد شريحة كبيرة من الناس وينذر بأزمة خانقة يصعب التغلب عليها. فما هي نسبة البطالة في لبنان، وكيف نقلّصها؟
} اسكندر كفوري }
يشير الخبير الاقتصادي البروفسور اسكندر كفوري الى ان البطالة تتصدر حالياً قائمة المشاكل التي يعانيها المجتمع اللبناني، والتي تزداد حدة يوماً بعد آخر اذ ان الأزمة الاقتصادية تتفاقم في ظل الأوضاع غير المستقرة وتفكك المؤسسات والشركات والمصانع ما يؤدي إلى إخراج العمال والموظفين من أعمالهم والالقاء بهم إلى الشارع، مع تزايد مشاكل العمال والموظفين وخروجهم في تظاهرات احتجاجية من دون إيجاد حلول ناجعة لهم ولا حتى مؤقتة. وتغرق البلاد في الأزمات الاقتصادية والمعيشية والمطلبية والاجتماعية المتتالية.
ويتابع: ارتفعت نسبة البطالة بين القوى القادرة على العمل في لبنان إلى معدلات قياسية، وخاصة في السنتين الأخيرتين، ووصلت إلى حوالى 40 في المئة بين القوى القادرة على العمل في لبنان، وهي أعلى من ذلك أيضا بين خريجي الجامعات الجدد الذين يصعب عليهم إيجاد فرص العمل بسهولة، حيث تصل إلى 50 في المئة.
أما أسباب هذه الأرقام الكارثية فهي، الأزمة الاقتصادية العالمية، عدم الاستقرار والحروب في منطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى الفوضى السياسية والأمنية في البلاد، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك شلل شبه تام على صعيد إدارة الدولة والتوجية والإرشاد في معالجة المشاكل الاقتصادية المتفاقمة وفوضى كاملة وانفلات في سوق العمل، كما وتحلل الكثير من النقابات الجدية المدافعة عن حقوق العمال والموظفين وصغار الكسبة من مسؤولياتها، ووجود قيادة نقابية رسمية مرتهنة للطبقة السياسية لا تمثل العمال وغير قادرة على تحريك الشارع.
ويضيف كفوري: ما زاد من أزمة اليد العاملة اللبنانية وأثر تأثيراً حاداً في فقدان الكثير من العمال والموظفين لأعمالهم، هو تداعيات الوضع الأمني السوري وانعكاسه على لبنان مع تدفق اللاجئين واليد العاملة السورية الرخيصة التي استبدل اصحاب المصانع والشركات والمؤسسات بها اليد العاملة اللبنانية، نظرا لرخصها ولعدم وجوب تقديم ضمانات مختلفة لها كما الحال مع اليد العاملة اللبنانية. كل هذا سبب نمو البطالة بشكل متصاعد وخطر.
ويردف: كما ويتخرج سنوياً في لبنان حوالى 30 ألف طالب جامعي. يحصل فقط ربعهم تقريبا على وظائف في لبنان بسبب المشاكل التي سبق تعدادها، مضافاً إليها شلل معظم إدارات الدولة وتوقف التوظيف في مؤسسات الدولة عملياً، وربعهم الآخر يهاجر بحثاً عن وظائف في دول الخليج وفي أفريقيا وأوروبا والأميركيتين، أما النصف المتبقي فيضاف إلى العاطلين من العمل ويذهب جزء منه إلى البطالة المقنعة، اذ يعملون بوظائف غير تلك التي تأهّلوا لها وبرواتب أقل بكثير مما هو متوقع لهم.
وتترك هذه النسبة الكبيرة من البطالة وخاصة في صفوف الشباب كما وبين الخبرات الكبيرة التي تصرف من العمل بعد عقود من العمل في سن الخمسين مثلاً، وتستبدل بالعمالة الأجنبية الرخيصة، أثرها السلبي جداً في الوضع الاقتصادي المتدهور أصلاً. وتنعكس الإضطرابات الاجتماعية التي تسببها البطالة على النمو الاقتصادي وسوق العمل والناتج العام المحلي مع تساقط عقود العمل وطرد الكثيرين من أعمالهم من دون توافر حماية قوية من الدولة لهم. فمع تراجع إنتاجية العمل المترافق وصرف العمال ونشوء الكثير من المشاكل الاجتماعية، ولا سيما البطالة، يتراجع الناتج المحلي الإجمالي، ومع تراجع أعداد السكان الناشطين اقتصادياً وازدياد البطالة يتراجع الناتج المحلي الإجمالي وهذا أمر طبيعي.
وحمّل المسؤولية الأولى عن ارتفاع معدلات البطالة للحكومة والدولة اللبنانية بالدرجة الأولى. ورأى انه على الدولة واجبات تتقاعس عن القيام بها. فتحقيق الاستقرار في داخل لبنان وبالرغم من الأوضاع المتدهورة في المنطقة المحيطة بنا، يقع بالدرجة الأولى على الحكومة. كما ويتحمل المسوؤلون الرسميون اللبنانيون كل المسؤولية عن تفكك مؤسسات الدولة وخلو مناصب هامة في الدولة من شاغليها، كما والتجديد المتكرر للمؤسسات وللموظفين الكبار في الدولة بشكل غير مبرر وغير ديموقراطي، ولا سيما مجلس النواب ومواقع رسمية أخرى، وشلل الإدارات كما وعدم قبول موظفين جدد في وظائف الدولة. وتتحمل الحكومة اللبنانية بشكل أساسي مسؤولية كبيرة عن عدم معالجتها لمسألة اليد العاملة الأجنبية التي تنافس بحدة اليد العاملة اللبنانية وتنزع منها معظم فرص العمل المتوافرة، إضافة إلى كل ذلك فان الفساد السياسي اللبناني والطائفية والمحسوبية مسؤولة بشكل كامل عن تفكيك النقابات المدافعة عن العمال وجعلها رهينة في أيدي السياسيين بدل أن تكون هذه النقابات قوة بيد العمال والموظفين ضد السياسيين والفساد في الدولة.
وعن الخطوات التي لا بد من القيام بها، يقول كفوري: يجب تفعيل عمل مؤسسات الدولة بنمط اخر بعيد عن الطائفية والمحسوبية والمناطقية والاستزلام، لأن البداية هي هناك قبل كل شيء. فمع وجود إدارات فاسدة من الصعب جداً محاربة البطالة. أما الإدارة الرسمية الجيدة والعلمانية المتمتعة بالكفاءة فهي تستطيع بداية تجديد نشاط أجهزتها وإعادة التوظيفات على أسس علمية بحتة واتباع سياسة ترشيد في الجامعات وتوجيه الطلاب نحو مفاصل الاقتصاد الحيوية حسب الحاجة والطلب. كما وعلى الإدارة الرشيدة الحكيمة معالجة مسألة اليد العاملة الأجنبية الرخيصة ومنع استخدامها إلا في قطاعات معينة محصورة، منعا لمنافسة اليد العاملة المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، وضع قوانين عمل حديثة تتجاوب ومتطلبات الحاضر المعاصر مع كل التطورات التكنولوجية التي طرأت. كما ومن المهم جداً رفع يد الدولة عن النقابات المرهونة للسلطة. كل هذه الأمور تعتبر من العوامل البديهية لوقف الانهيار في سوق العمل وارتفاع معدلات البطالة في لبنان.