IMLebanon

حقيقة الأزمة بين “أمبريال جت” والطيران المدني: قرار بإقصائها و”الشورى” أنصفها

BeirutAirport2

سلوى بعلبكي

عندما أعلن وزير الاشغال العامة والنقل السابق غازي العريضي بتاريخ 12 أيلول 2011 أنه وبقرار مباشر منه، سحب رخصة شركة “امبريال جت”، كان تبريره أنه تلقى ملاحظات كثيرة على أدائها من المديرية العامة للطيران المدني، ولكنه لم يورد أن هذه الشركة استحصلت على قرارات عدة من مجلس شورى الدولة تبطل فيها قرارات هذه المديرية.

ما هي تفاصيل الازمة التي بدأت منذ عام 2008؟
نبدأ من النهاية. لجأت شركة أمبريال جت”، الحاصلة على رخصتين للطيران الخاص والعارض AOC 704 وAOC 705 ورخصة مساندة أرضية GHC، الى التحكيم الدولي لمطالبة الدولة اللبنانية بتعويضات بمبالغ كبيرة عن الضرر الذي لحق بها نتيجة وقفها عن العمل في مطار رفيق الحريري الدولي، وذلك بعدما سدت في وجهها سبل عودتها الى العمل رغم أن القضاء اللبناني أنصفها في حقها هذا.
وعندما تبلغت الدولة الدعوى المقامة ضدها، تم الاتصال بالشركة لدعوتها الى مفاوضات، فتجاوبت رغم نصائح مستشاري مالك الشركة عبد الجاعوني (ألماني الجنسية) بالسير في الدعوى.
مع بداية المفاوضات طلبت الدولة تأجيل إجراءات التحكيم مرتين، فوافق الجاعوني. وكذلك تم التوصل الى مشروع تسوية شبه نهائي، وهو المشروع الذي عُرض على مجلس الوزراء في مقابل التراجع عن الدعوى، علما أن الشركة قبلت بهذه التسوية رغم أن مبلغ التعويض “الزهيد” الذي عرض عليها لا يقارن بالمبالغ الطائلة التي خسرتها، وفق ما يؤكد محامي الشركة وعضو مجلس ادارتها محمد عالم لـ”النهار”.
وبناء عليه، تمّ تكليف وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر الاتصال بالشركة لاستكمال المفاوضات، الا ان زعيتر وفق ما يؤكد المحامي عالم، لم يتصل بالشركة حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
وبالعودة الى النزاع بين المديرية العامة للطيران المدني و”امبريال جت”، يوضح المحامي عالم مسار المشكلة التي بدأت منذ العام 2008، عندما بدأت الاولى القيام بـ”مضايقات” عدة منها رفض تسجيل طائرات جديدة للشركة، ورفض طلبات تأجير مساحات في المطار وهنغار لإيقاف الطائرات عند الحاجة.
في بداية 2009 بدأت الامور تتأزم، عندما وجهت المديرية كتابا الى الشركة تعلمها بموجبه أن طائرة من نوع “بوينغ” عائدة لأسطولها ممنوعة من السفر إلى نحو 20 بلدا أوروبيا لأنها تهدد السلامة، متذرعة بوجود كتاب من الاتحاد الاوروبي في هذا الشأن.
ولكن، ولأن الشركة تدرك أن طائراتها مطابقة لشروط الطيران، عمدت الى تأكيد ذلك عبر مستندات حصلت عليها من الاتحاد الأوروبي تنفي هذه “المزاعم”. وبناء عليه، صدر القرار عن شورى الدولة بإبطال قرار المديرية: “بما انه ثابت من مستندات الملف، أن أي من الدول الأوروبية المعددة في القرار المطعون فيه لم تمنع هذه الطائرة من استخدام مجالها الجوي أو مطارها، إذ أن وكالة سلامة الطيران “ايازا” أفادت الجهة المستدعية انه لا يوجد حالياً أي حظر صادر عن المجموعة الأوروبية على طائرة من نوع “بوينغ”(…)”.
أثناء السير بالدعوى السابقة، والتي لم يكن قد صدر الحكم فيها بعد، أصدرت المديرية قراراً ثانياً قضى بشطب احدى طائرات الشركة من سجل الطائرات اللبناني، وأمهلت المستدعية مهلة قصيرة لتنفيذ مضمونه. ولكن قرار الشورى ابطل ايضا القرار “بما أن الحرص على السلامة العامة وفقا للأحكام القانونية المبينة أعلاه لا يكون بطلب استبدال الطائرة رغم عدم وجود أي خلل فني فيها، وإنما يكون في تفحصها بشكل مستمر وإنذار المستثمر بإصلاحها في حال وجود مشكلة. وبما انه ثابت مما تقدم، لا يوجد أي حظر من المجموعة الأوروبية على تشغيل طائرات من طراز طائرة الشركة المستدعية (…)”.
أمام إصرار الشركة على تطبيق القانون ولجوئها الى مجــــــلس شـــــورى الدولــة بهـاتين المراجعتين، اتُّخـذ القرار بإقصائها من لبنان، اذ قامت المديرية بإلغاء 3 تراخيص AOC 704 وAOC 705 وGHC بقرار واحد. ومنعت الشركة “من الدخول إلى المطار عبر سحب الـpass منها، كذلك منعت من الدخول إلى المكتب والصالون العائدين لها في المطار والمجهزين بالمعدات والمفروشات بمئات آلاف الدولارات، واستخدام أو إخراج معدات المساندة الأرضية (معدات لتحميل أو تفريغ الحقائب ومعدات لجر الطائرة، سيارات….) وهي معدات تقدر بملايين الدولارات. والأنكى من ذلك، أنها منعت من اخراج طائراتها من المطار”.
على الاثر، تقدمت الشركة بطلب الى شورى الدولة لوقف تنفيذ قرار الالغاء. وجاء قرار المجلس لمصلحتها، “بما أنه يتبيّن من كامل أوراق الملف أن شروط وقف التنفيذ متوافرة في المراجعة بحالتها الحاضرة، فيقتضي وقف تنفيذ القرار المطعون فيه”.
ولكن المديرية أصرت على تنفيذ القرار، وأرسلت لائحة بـ “مخالفات” إدعت بأن الشركة ارتكبتها، إلا أن شورى الدولة اعتبرها “غير موضوعية وغير قانونية”: “بما أنه يفاد من معطيات الملف خصوصاً المستندات والمراسلات المبرزة من الدولة ومن الشركة المستدعية أن شروط الرجوع عن قرار وقف التنفيذ غير متوافرة، ما يقتضي معه رد طلب رجوع عن القرار الإعدادي”.
مرة جديدة أصرت ادارة الطيران المدني على تجاهل تنفيذ قرارات الشورى، فلم يكن أمام الشركة إلا اللجوء الى التحكيم الدولي. فتقدمت في كانون الاول 2014، بدعوى عبر الـ ICSID (جزء من البنك الدولي، وتعتبر سلطة دولية)، طالبت فيها الدولة بتعويض الخسائر التي لحقت بها جراء توقيفها عن العمل، علما أنها “لم تتقدم لغاية تاريخه بالمطالبة بالتعويضات امام القضاء اللبناني”.
وبتاريخ 16/1/2015، قامت أمانة ICSID بإبلاغ الدولة اللبنانية بدعوى التحكيم، وارسلت نسخا من الدعوى الى رئاسة مجلس الوزراء والسفارة اللبنانية في المانيا وهيئة القضايا في لبنان.
وكانت الشركة قد وجهت كتابا إلى وزارة الأشغال يفند وضعية المستثمر الألماني الذي يملك شركة Holding في لبنان. وبحسب المعاهدة اللبنانية الألمانية التي “تحدد هوية المستثمر بأن يكون من الأشخاص الطبيعيين الذين يحملون الجنسية الألمانية، كذلك تسري على الشركات القابضة والاوف شور المسجلة لدى أي من الطرفين”. مع الاشارة الى أن الشركة حاولت اجراء مفاوضات مع الدولة اللبنانية قبل اللجوء إلى التحكيم الدولي وانتظرت نحو عام كامل، لكنها لم تلقَ اي تجاوب.
ويؤكد عالم ان الشركة كانت تجني ارباحاً سنوية بملايين الدولارات وهو امر موّثق ومدقق من شركة تدقيق دولية، وكانت قد وقعت عقوداً لشراء طائرات جديدة ومن بينها عقدا لشراء 20 طائرة من شركة Bombardier بمئات ملايين الدولارات لتشغيلها عبر لبنان. ووقعت صفقة لشراء طائرات خاصة بقيمة 155 مليون دولار، وعقدا آخر مع مجموعة هندية لإنشاء شركة باسم ImperialJet India لوصل الشرق بالغرب.
ويختم بالقول إن “الكرة الآن في ملعب الدولة، فهل ستؤخذ الأمور بجدية ويتفادى لبنان الانعكاسات السلبية لهذه القضية على الاستثمار الاجنبي والعلاقات مع أوروبا عموما والمانيا خصوصا”؟