رأت صحيفة “السفير” أنه عشية الجلسة الحكومية المقررة اليوم، توحي المؤشرات ان مخاض عرسال سينتهي الى صيغة ضبابية تعكس نوعا من الفصل بين واقع البلدة التي سيكون أمنها من مسؤولية الجيش اللبناني حصرا، وبين الجرود التي لا تحتمل بالنسبة الى “حزب الله” اي مساومة او مهادنة، وبالتالي فهو يواصل الاستعدادات لطرد المجموعات المسلحة منها فور ثبوت عجز الدولة عن تأدية هذه المهمة بالوجه الحكومي الشرعي.
رئيس مجلس النواب نبيه بري قال امام زواره ان ملف عرسال البلدة قيد المعالجة، وسُحب او يكاد من الحساسية المذهبية، على قاعدة ان الجيش هو المسؤول عن أمنها، أما بالنسبة الى جرود عرسال “فأنا قلت وأكرر ان من حق الجيش والمقاومة والشعب تحرير أي شبر محتل من الاراضي اللبنانية جنوبا او غربا او شرقا”.
وردا على سؤال، اجاب: أنا مع المقاومة حتى الموت في سعيها الى تحرير الجرود اللبنانية المحتلة، وهذا الامر محسوم.
وحول تعليقه على موقف بعض قوى «14 آذار» التي تعتبر ان الحدود اللبنانية – السورية متداخلة في جرود عرسال وتحتاج الى ترسيم، قال: أنا اقبل بترسيم أهالي عرسال، فهم خير من يعرف حدود أراضيهم، وعرسال من دون جرودها تختنق.
وزير الداخلية نهاد المشنوق أكد لـ”السفير” ان قضية عرسال ذاهبة الى الاستيعاب والحل بعد توضيح كل الامور في جلسة اليوم، انطلاقا من مسؤولية الدولة، وخصوصا الجيش، في الحفاظ على امن عرسال وامن القرى المجاورة وسلامة سكانها، ولا اعتقد ان النقاش سيصل الى ما يهدد الحكومة وتماسكها.
وأبلغ الوزير محمد فنيش «السفير» ان المطلوب من الحكومة في جلستها اليوم ان تتخذ قرارا واضحا بتكليف الجيش بإخراج المسلحين التكفيريين من عرسال وجرودها، وإذا لم تتحمل الدولة هذه المسؤولية فاننا لن نتسبب بمشكلة في مجلس الوزراء، لكن تكون المواقف قد تكشفت على حقيقتها وعندها يبنى على الشيء مقتضاه، والامين العام للحزب كان قد أكد انه من غير المقبول بقاء الاحتلال التكفيري لجرود عرسال.
ولفت فنيش الانتباه الى ان هناك محاولة للتغطية على الحقائق من خلال تعمد البعض إثارة مسائل مفتعلة لا علاقة لها بأصل المشكلة، مشددا على ان أهالي عرسال ليسوا في موضع الاستهداف بل هم سيكونون من أكبر المستفيدين من إنهاء وجود المسلحين التكفيريين في بلدتهم وجرودها.
من جهتها، لفتت مصادر واسعة الإطلاع لصحيفة “الجمهورية” الى انّ البحث سيستأنف في ملف عرسال وجرودها على خلفية المقترحات التي استعرضها الوزراء في الجلسة الأخيرة، في محاولة لتوحيد الرؤية والقراءة بشأن المخاطر الناجمة عن الوضع في هذه المنطقة.
وعلى رغم المواقف المتباعدة والمتناقضة، اوضحت مصادر وزارية إنه “ليس مستبعداً ان يتوصّل المجلس الى رؤية واحدة بشأن الوضع في عرسال على أن يُترك للجيش وحده تقدير الموقف بما لديه من معطيات إستخبارية على الأرض، مع الإشارة الى انّ فريقاً وزارياً يريد تجنيب أيّ تداعيات لهذا الملف على مصير العسكريين المخطوفين والمفاوضات الجارية لتحريرهم.
واكدت مصادر مطلعة انه “إذا بقي النقاش هادئاً في الجلسة، هناك مشروع حلّ سيقترحه أحد الوزراء يقضي بالسماح لفتح ممر الى القصير وريف حمص ليعود اليهما المسلحون والنازحون المتواجدون في مخيمات عرسال، ولكن ما يحول دون هذا المشروع، انّ النظام يرفض الى اليوم إعادة ايّ من النازحين الى تلك القرى، لأنهم من المعارضين الذين لا يمكن القبول بعودتهم الى القرى المحررة، خصوصاً انّ مسلّحي القلمون الشمالي هم من أبناء العائلات التي تقطن المخيمات في عرسال ومحيطها، وانّ نقلهم كمدنيين ربما سيسمح لهم بالعودة الى حمل السلاح، وعندها ستذهب “جهود التحرير” هَباء.
وفي إطار التصعيد، بدأ “حزب الله” يترجم كلام أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي ركّز على تحرك “اهالي بعلبك – الهرمل” في منطقة جرود عرسال. وبعد اللافتات التي رفعت باسم “الاهالي”، أعلنت “عشائر وعائلات بعلبكية” عن قيام “لواء القلعة” المشابه لـ”الحشد الشعبي” في العراق، وأكد “أنه لن يسمح بوجود أي تكفيري في الجرود”، وانه ملتزم أي قرار يصدر عن السيد حسن نصرالله، مشدداً على ان معادلة الجيش والشعب والمقاومة هي معادلة ذهبية تحكم تحركنا وخطواتنا اللاحقة ونعتبرها الوسيلة الوحيدة للمواجهة.
وشرحت أوساط عشائريّة لصحيفة “الجمهورية” خلفية هذا القرار، وأكدت أنّ العشائر ملتزمة بأيّ قرار يصدر عن السيّد حسن نصرالله، مُوضحة انّ قرار تشكيل لواء مقاتل أتى بعد ارتفاع تهديد الخطر التكفيري.
لكنها اوضحت أنّ تأليف لواء مقاتل، إضافة الى اللقاءات التي تحصل في بعلبك والهرمل، تأتي في سياق ضغط شعبيّ يمارس على الحكومة عشيّة جلساتها التي تبحث وضع عرسال، ومن أجل أن تأخذ الحكومة قراراً حازماً وحاسماً بتطهير عرسال وجرودها من المسلحين.
واكدت المصادر انّ هذه الخطوة أتت بالتفاهم بين العشائر و”حزب الله”، فللعشائر كيان مستقلّ لكنه في الوقت نفسه هناك أفراد منها يقاتلون في “حزب الله” ويقودون معارك، وإنّ الطرفين متفقان على الخطر الذي يأتي من المسلحين في الجرود، كذلك فإنّ هذه الخطوة تخدم استراتيجية “حزب الله”، لذلك فإنه لم يرفض مثل هذه الخطوة.
إلى ذلك، نقلت صحيفة “الحياة” عن مصادر ديبلوماسية أوروبية في لبنان، ومن باب تحليلها للواقع العسكري في سورية، قولها إن إصرار «حزب الله» على خوض المعركة في جرود عرسال وضغطه على الجيش اللبناني ليكون طرفاً فيها يمكن أن ينم عن رغبته في الإعداد لخطة يريد من خلالها تأمين الانسحاب التدريجي لقواته التي تقاتل في سوريا.
وفي هذا السياق، تسأل المصادر هل أن “حزب الله” في حاجة إلى تحقيق إنجاز عسكري سريع وبأقل كلفة كما يعتقد في جرود عرسال لتبريره بدء انسحابه التدريجي وإلا أين يمكنه توظيف هذا الإنجاز مع أن لا شيء محسوماً ميدانياً في ظل تراجع الجيش النظامي في سوريا من إدلب وحلب ودير الزور وجسر الشغور وحوران ودرعا وجبل العرب، وفي ضوء إخلاء مدينة السويداء من قبل هذا الجيش.