رائد الخطيب
أطلقَ مؤتمر «النفط والغاز في لبنان الحلم والواقع»، في العاصمة الثانية، وثبة جديدة في مضمار السباق نحو هذا الملف العالق في الكواليس السياسية، هذا الوثبة تمثلتْ في إشراك طرابلس ولأول مرة في حق تقرير مصير الثروة المرتقبة، سيما وأنَّ الخط الأورو- متوسطي سيجعل من طرابلس تحديداً عاصمة للنفط في لبنان.
هذا الدورُ المرتقب للعاصمة الثانية، عكستهُ أولاً النسبة العالية للمؤتمرين والمشاركين والكلماتْ والنقاش المفتوح على مدى 6 ساعات متواصلة، وكانت كلمة راعي المؤتمر وزير الطاقة والمياه أرتور نظريان حاسمة في مسألة تأكيد هذا الدور، الذي أكد أنَّ «الوزارة قامت بتحضير كافة المشاريع اللازمة لحماية أمن البلد الطاقوي في المرحلة التي تسبق إنتاج النفط والغاز من مياهنا البحرية كما بعدها، لذلك أنجزت وزارة الطاقة دراسة وملف مناقصة خط الغاز الطبيعي الذي سيوصل كافة معامل إنتاج الكهرباء الساحلية بخط الغاز العربي سيؤمن وفرا على الخزينة بمجرد إستعمال الغاز الطبيعي بما يزيد عن مليار دولار سنويا. كما إنه سيصل منصات إنتاج الغاز في المستقبل بشبكة أنابيب الغاز الأوراسيوية عبر سوريا وتركيا. وإن مشروع قانون تمويل هذا الخط موجود في لجنة الطاقة والأشغال منذ آذار 2012. كما أنجزت الوزارة دراسة ومناقصة محطة تغوير الغاز السائل والتي لا تزال نتائجها موضع بحث في مجلس الوزراء». لافتاً الى أنَّ الوزارة أتمت «دراسة تأهيل وتوسيع منشآت النفط في طرابلس والزهراني ولاقت اهتماما واسعا من كبريات شركات النفط وذلك بالنسبة للموقع الجيوإستراتيجي لهذه المنشآت كما لقدرتها التخزينية الواسعة. وهذا المشروع عند إتمامه سيشكل إضافة الى المردود المالي على منشآت النفط وبالتالي على المالية العامة مخزونا إستراتيجيا يقي لبنان من خضات المنطقة والحصار البحري كما حصل سنة 2006».
كما تناول نقيب مهندسي الشمال ماريوس بعيني، الأهمية التي تكتسبها العاصمة الثانية، فقال «يهمنا كنقابة مهندسين في الشمال أن نسلط الضوء على مصفاة طرابلس التي تقع على بعد 5 كيلومترات شمالي المدينة، والتي تبلغ مساحتها 55 هكتارا، والتي يهمنا أن نسلط الضوء هنا على أهمية إستثمار هذه المساحة الشاسعة لبناء وتوسيع المنشأة خصوصا وأن كل الأبحاث التي أجريت على البلوك «1» والبلوك «2» والبلوك «4» تشير الى أن النسبة الأكبر من أحواض الغاز والنفط موجودة مقابل شواطئ الشمال. وهذا الأمر يفتح الباب واسعا أمام إحياء الشمال إقتصاديا وأمام إيجاد فرص عمل لكثير من أبناء الشمال وبخاصة أبناء مدينة طرابلس».
أما المدير العام لمنشآت النفط في لبنان سركيس حليس، فتناول مسألة بغاية الدقة، والتي تتعلق بواقع المنشآت الآن، وكيفية الدور الذي ستكون عليهِ مستقبلاً، فقال «إنَّ منشآت النفط أعدت دراسة مع مشروع قانون موجود الآن لدى اللجان النيابية لاستكمال بناء خط الغاز جنوباً أي من طرابلس حتى صور، وذلك بهدف ربط كل معامل إنتاج الكهرباء على الساحل بالإضافة الى المناطق الصناعية الساحلية بشبكة الغاز الطبيعي حيث وضعت الدراسات ودفاتر الشروط من قبل كبرى الشركات المتخصصة، وإن هذا المشروع سوف يشكل العمود الفقري لشبكة الغاز الطبيعي اللبنانية مستقبلاً وإن وجوده في مجلس النواب هو بهدف إصداره بقانون للحصول على التمويل اللازم«، لافتاً الى أنه في السنوات القريبة الماضية أعدت منشآت النفط مشروعاً نموذجياً كبيراً لإنشاء مجمع نفطي عالمي في طرابلس بقدرة تزيد عن مليون ونصف مليون طن من المشتقات النفطية«، وتناول حليس نقطة مهمة تتعلق بمدى التفاعل مع عمليات التنقيب عن النفط والغاز في لبنان، فقال «إن الحلقة الكاملة لقطاع النفط والغاز تمر بمراحل عديدة بدءاً من مرحلة الدراسات والاستكشاف وصولاً الى المستخدم النهائي. وهذه المراحل التي تعرف بالـUpsteam والـDownstream وبعض الدول تقسمها الى ثلاث مراحل لتصبح Upstream و Midstream و Downstream، الـUpstream تقتصر على أعمال الدراسات والاستكشافات والحفر والإنتاج وهي المرحلة الأم التي تؤمن استخراج النفط والغاز من باطن الأرض لينتهي دورها هنا وتبدأ المراحل التالية، أي عمليات النقل والتكرير والمعالجة والتخزين والتوزيع وصولاً الى End Users. وفي هذه المراحل يأتي الدور الذي يمكن أن تلعبه المنشآت النفطية عموماً، ويتوقف الأمر طبعاً على ما سينتج عن المرحلة الأولى أي نوع المواد التي ستنتجها عمليات التنقيب، هل هي غاز طبيعي أم نفط خام لأن عمل ال Downstream هنا يختلف، ففي حال استخراج النفط الخام ستكون الدولة مع الشركات المنقبة أمام خيارين: إما نقل هذا الخام الى البواخر أو شبكات النقل وتصديره كنفط خام، أو بناء مصافي نفط في لبنان وتكريره تمهيداً لبيعه كمشتقات نفطية، سواء في السوق اللبناني أو في الخارج. وعندها تطرح مسألة إعادة تأهيل المصافي في لبنان بعد إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية عليها نظراً للتكلفة العالية لهذه العملية. وعليه فإن منشآت النفط ستكون المرجع الصالح الذي يتمتع بالجهوزية في حال اعتمدت الدولة خيار تكرير النفط في لبنان، وهو أمر سيكون له أثر اقتصادي كبير بالإضافة الى توفير فرص العمل الهائلة لا سيما في مرحلة إعادة التأهيل. أما في حال إستخراج الغاز الطبيعي فإن الأمر يختلف، فالغاز الطبيعي لا يحتاج طبعاً وكما تعلمون الى مصافي نفط لتكريره، وعليه ستكون الحكومة في هذه الحال أمام الخيارات التالية: إما الى نقله الى الأسواق اللبنانية مباشرة عبر الأنابيب بعد تنقيته لاستعماله مباشرة في محطات الكهرباء والصناعات أو حتى في المدن فيكون بديلاً عن المشتقات النفطية الأخرى. أو تصديره وبيعه الى الخارج بحالته الطبيعية عبر الأنابيب أو تحويله الى غاز سائل LNG وتصديره عبر البواخر الى الخارج. ففي الحالة الأولى نعود ونذكر بوجود خط غاز يشكل فرعاً من خط الغاز العربي بالإضافة الى مشروع استكماله حتى مدينة صور الأمر الذي يسهل عملية توزيع هذا الغاز في لبنان، أو تصديره عبر شبكة خط الغاز العربي؛ وفي هذه الحال فإن منشآت النفط تكون جاهزة للتعامل مع هذا الخيار كونها تملك خط الغاز في لبنان وتملك ممرات عقارية كبيرة لتمرير الخطوط وهي صاحبة خبرة عريقة في مجال النقل بالأنابيب حيث كانت تدير عمليات نقل النفط من العراق وتصديره عبر ما كان يعرف قديماً بشركة أنابيب البحر المتوسط التي كانت فرعاً من شركة الـIPC. أما في حال كانت عمليات إنتاج الغاز الطبيعي تتطلب تصديره عبر تحويله الى غاز سائل LNG فالامر يعود كذلك للحكومة بالتحالف مع الشركات المنقبة لبناء محطة تحويل كبيرة لهذا الغاز«.
وتناول المؤتمر الشق البيئي، والشق الضريبي والمالي والقانوني، وأعاد رئيس وحدة التخطيط الاستراتيجي في هيئة إدارة قطاع البترول، التذكير بواقع وآفاق القطاع، فتحدث عن «الخطوات التي تم إتخاذها إلى اليوم لجهة الإطار القانوني الذي أصبح مستكملا ومرسوم تأهيل الشركات صدر عام 2013 وتقدمت 58 شركة أهلنا منها 64 شركة ومن بينها 6 شركات هي الأكبر عالميا والذين يعملون في عمق البحار، وكذلك صدرت المراسيم التطبيقية وتم التحضير لقانون خاص بالضريبة على الأنشطة البترولية الذي من المتوقع أن يبت به المجلس النيابي بأسرع وقت لأن القانون الضريبي الحالي لا يأخذ في الاعتبار القطاع البترولي الذي لم يكن موجودا في لبنان»، وأكد «إجراء المسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد على 80 في المئة والثنائي الأبعاد على كامل المنطقة البحرية فلبنان من الدول القليلة التي أجرت مسحا زلزاليا حتى قبل إجراء التنقيب وهذه المساحات اعطت نتائج إيجابية ومشجعة والشركات اشترت هذه المعلومات من وزارة الطاقة وتقدمت إلى المناقصات، كما جرى العمل على البر اللبناني وكذلك المسح الجوي، إضافة إلى إجراء تحليل دائم لنتائج هذه المسوحات وكلما تقدمنا نحصل على معلومات أكثر، الأمر الذي يساعدنا في تحضير التلزيمات». وأشار إلى أن «المسوحات البحرية شملت ما مساحته ضعف مساحة الأراضي اللبنانية وكل البلوكات العشرة لديها إمكانية الإستثمار فيها والشركات مهتمة بكل هذه البلوكات»، ونوه «بإطلاق المناقصات مدة ستة اشهر ولكن دورة التراخيص لم تغلق بسبب عدم إستكمال مرسومين ما يزالان يخضعان للبحث لذلك لم يتم التلزيم لليوم».
أما المحامية سهير خليفة، فتناولت موضوع الشق الضريبي والعقود، وقالت إذا كان النظام الضريبي واجباً لكي يطمئن المستثمرون غير أنه أبدا لا يجب أن يكون على حساب حق المواطن والوطن. ولفتت الى أنه إذا كان هدف أي نظام ضريببي يتعلق بثروة الدولة النفطية هو نحقيق أكبر عائدات ممكنة للدولة مع الحفاظ على مصلحة الشركات المستثمرة لجذبها، غير أن هذا النظام يجب أن لا يكون سببا في تشويه الاقتصاد الوطني والهدف المعول عليه منه، في بلد يرزح تحت وطأة الدين العام المتزايد يوما بعد يوم. وقالت «لا يمكن الا التعجب ممن وضعوا مراسيم النفط العائدة للعام 2010 الذين فضلوا وبشكل استثنائي بما يتعلق بالبترول، تثبيتها بمعدل متغير يبدأ 5 في المئة ويعلو تدريجيا بحسب الانتاجية الى أن يصل الى المعدل الأعلى وهو 12,5 في المئة وذلك ابتاء من إنتاج 100000 برميل يوميا. هذه النسبة المنصوص عنها في مراسيم النفط تشكل فارقا كبيرا بينها وبين ما هو متبع دوليا عبر العالم، فالحد الأعلى المنصوص عنه لا يزال يعتبر حدا أدنى في سائر الدول، وفي هذا نتائج كارثية لناحية ربح الدولة». وكانت كلمة للمهندسة رنا الزعبي فتال تناولت فيها، أهمية المؤتمر كونه يعقد لأول مرة في الشمال وفي نقابة المهندسين، متناولةَ انعكاس هذا الموضوع على دور المجتمع المدني ووسائل الاعلام.
ويشار الى أن المؤتمر الذي رعاه الوزير نظريان، حضره باسم خياط ممثلا الرئيس نجيب ميقاتي، وزير العدل اللواء أشرف ريفي، السفير اليمني علي الدليمي، فؤاد حسيني ممثلا النائب محمد الصفدي، ربيع سابا ممثلا النائب فادي كرم، المحامي عادل حلو ممثلا الوزير السابق فيصل كرامي، رئيس بلدية طرابلس عامر الرافعي، رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة توفيق دبوسي، المونسنيور إلياس بستاني ممثلا رئيس أساقفة طرابلس للروم الملكيين المطران إدوار ضاهر، المديرة العامة للنفط أورور فغالي وحشد من المهتمين.
وتخللت المؤتمر ثلاث جلسات، جلسة الافتتاح، بعدها انعقدت جلسة أولى برئاسة المهندسة فتال بعنوان «مدخل إلى فهم حاضر ومستقبل القطاع النفطي» تحدث فيها وائل حمد عن «من النفط الخام إلى الصناعات البتروكيميائية»، وخبيرة الحوكمة في قطاع النفط والغاز لوري هايتيان عن التحديات والفرص، ومدير عام منشآت النفط سركيس حليس عن واقع منشآت النفط والبيئي ريكاردو خوري عن «التأثير البيئي والإجتماعي للصناعات الإستخراجية».
ورأس المهندس فادي عبيد الجلسة الثانية بعنوان «حوكمة قطاع النفط والغاز»، تحدثت فيها المحامية سهير خليفة عن النظام الضريبي والعقود ومنسقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا والعراق في منظمة pwyp «إنشر ما تدفع» ديانا قيسي عن «الشفافية وأهميتها في قطاع النفط والغاز»، والزميل رائد الخطيب من جريدة «المستقبل« عن «دور الإعلام في ترشيد إدارة ملف النفط». كما كانت كلمة للمديرة العامة أورور فغالي.