نظم “معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي” اليوم في مقره لقاء للاعلاميين عن “دور الصحافة في الإضاءة على أهمية الشراء العام (الصفقات العامة) في لبنان”.
وقالت رئيسة المعهد لمياء المبيض بساط في كلمة ألقتها إن “الادارة العامة الحديثة ترتكز على توفير الخدمات للمواطن بشكل أسرع وأفضل وبأقل كلفة ممكنة، بحيث تنفق أموال المكلفين، أي المواطنين، بحسب معايير صارمة للجودة والاستدامة”.
وشددت على أن “كل قرش ينفق في غير محله يعتبر ضائعا، في حين يمكن أن يكون ذا فائدة في قطاعات تحتاج إلى التمويل والدعم المستمر، وخصوصا في ظل عبء مديونية عالية، حيث تشكل خدمة الدين ثلث الانفاق العام، والرواتب والاجور الثلث الثاني”، مؤكدة أن “من شان الطرق التي تتبعها الدولة في شراء السلع والخدمات والاشغال أن تؤدي دورا أكيدا في تحقيق أهداف المحافظة على البيئة وتطبيق المواثيق الدولية في شأن عمالة الأطفال مثلا أو شروط عمل الموظفين”، لافتة إلى أن “للشراء العام آثارا عدة طويلة الامد على مستوى المالية العامة وعلى التنافسية الإقتصادية ككل وعلى محاربة التواطؤ والفساد”.
عرض
ثم قدم فريق المعهد عرضا، وضع الشراء العام في اطاره الماكرو اقتصادي والقانوني، وحدد الجهات المعنية به، وأضاء على الجهود التي تقوم بها الدولة لتحديث الشراء العام، متضمنا بعض الارقام عن واقع الشراء العام في لبنان، ومقارنة مع التجربة العالمية في هذا النطاق.
وأشار العرض إلى أن “الجهات المعنية بالشراء العام هي الدولة التي يفترض أن تسعى إلى تحقيق القيمة الفضلى من الانفاق، والمكلف الذي يشكل الطرف المموِل والمستفيد، والقطاع الخاص ممثلا بمقدمي الخدمات الذين يتيح لهم الشراء العام ولوج أسواق جديدة”.
وشدد على أن “كل عملية شراء تشكل فرصة لتحفيز صناعات جديدة ديناميكية نظيفة ومكيفة، تحد من الأضرار السلبية على البيئة وتساهم في تحقيق العدالة الإجتماعية والنمو المستدام”.
وأوضح أن “تجربة بعض الدول كتشيلي وإيطاليا وكوريا أظهرت أن الشراء العام يمكن أن يكون أداة محفزة لمشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على نحو عادل وشفاف، ورافعة للتنمية الاقتصادية المحلية”.
ولاحظ العرض أن “معظم دول العالم تولي الشراء العام اهتماما متزايدا”، واصفا الحكومات بأنها “الشاري الأكبر للسلع والخدمات والأشغال على المستويين المركزي والمحلي، إذ يشكل حجم الشراء العام 13% من الناتج المحلي الإجمالي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وثلث الإنفاق العام، وتتراوح حصته في الدول العربية ما بين 15 و20 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتصل في لبنان إلى نحو 4% بحسب دراسة لمعهد باسل فليحان”.
وبالنسبة إلى الواقع في لبنان، رأى ان “المؤسسات الحكومية تحتاج إلى قدرات وطنية عالية الكفاية لإدارة ملفات الشراء”، وأن “هذه المهنة غير مرتبطة فيها بالمستويات العليا للقرار”، وهذا ما يحول دون قيام حوار حقيقي حول الموضوع يكفل تطوير آليات الطلب على السلع والخدمات وآلية استجابة السوق لها. ومن ذلك، على سبيل المثال، الاستثمار في البنى التحتية المعلوماتية في الدولة، إذ أن لبنان هو الأضعف بين كافة دول العالم، إذ يحتل المركز 142 من بين 144 بلدا لجهة الشراء العام للسلع التكنولوجية الحديثة. تشير المعطيات إلى أنه، في حين يوفر السوق مؤسسات صغيرة ومتوسطة مرنة وعالية التقنية قادرة على تلبية الحاجة للتطور التكنولوجي، فإن الطلب غير مستدرج وآليات إدارة الصفقات في هذا المجال غير معروفة من قبل المسؤولين الحكوميين، فتبقى بالتالي الفرص معلقة والسوق غير ناضجة”.
وشرح العرض أن “القوانين والمراسيم المتعلقة بالشراء العام في لبنان قديمة العهد، ومنها قانون المحاسبة العمومية (1963) ونظام المناقصات (1959). وذكر بأن ثمة مشروع قانون جديد للشراء العام بانتظار الإقرار في مجلس النواب منذ العام 2012، علما أن الدول العربية بمعظمها سبقت لبنان في توفير أطر قانونية حديثة وفي تطبيق الممارسات الدولية المعتمدة. ففي اليمن قبل الحرب مثلا، كانت 90 في المئة من العقود تخضع للمناقصات التنافسية من دون استثناءات”.
وأبرز أن “السبيل إلى تحديث الشراء العام في لبنان يشمل التدريب وتطوير القدرات، وتوحيد الاجراءات، وتشجيع الحوار بين الجهات المعنية، وانتاج الأدوات المعرفية حول الشراء العام. وتناول الجهد المبذول من قبل الدولة اللبنانية وخصوصا في مجال الطلب على السلع والمنتجات التي تحفز خلال عملية تصنيعها وتوزيعها الابتكار والتكنولوجيا وتساهم في تخفيف الأثر البيئي، فضلا عن التوجه إلى القطاع الخاص من خلال تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة على المشاركة في المناقصات العامة، في إشارة إلى إطلاق وزارة المال أخيرا برنامجا تدريبيا في هذا الصدد”.
وبعد هذا العرض، جرى نقاش حول كيفية مقاربة الصحافة موضوع الشراء العام بطريقة علمية وموضوعية لزيادة درجة الوعي في شأنها والتشديد على أهميته للاقتصاد الوطني والعدالة الإجتماعية والتنمية المستدامة.