هل يعود لبنان بلداً سياحياً؟ وهل أن عودته إلى ما كان عليه تكفي، في ظل التطور السياحي الذي طرأ عالمياً، والتراجع الاقتصادي البنيوي الذي أصابه؟ وإلى أي حدّ يمكن أن يعود القطاع السياحي أحد مصادر الدخل الرئيسية في لبنان؟
الظاهر حتى الآن أن هذه العودة المطلوبة للسياحة إلى الربوع اللبنانية بعيدة المنال، فالشد السياسي، والاضطراب الأمني المتنقل من منطقة إلى منطقة، بالإضافة إلى الاستحقاقات الداهمة كانتخاب رئيس للجمهورية، وتعيين القادة الأمنيين، والتشنج القائم بين جميع الفرقاء على الساحة اللبنانية، من جرّاء الاختلاف بوجهات النظر حول مختلف القضايا المطروحة على الساحة الداخلية، ناهيك بتمسك دول الخليج، حتى الآن، بقرارها لرعاياها تجنّب السفر إلى لبنان. كل هذه النقاط تدفع إلى الاعتقاد بأن السياحة في لبنان متوقفة.
غير أن المراقبين يرون أن هذه الأزمة، على حدتها، قد شارفت على نهايتها، ومردّ تفاؤلهم يعود إلى أنه على الرغم مما يعيشه لبنان اليوم، فإن الوضع الأمني ممسوك، وأن الحكومة مستمرة في أداء مهامها، مما يؤدي إلى انفراج على الساحة الداخلية تساعد على نجاح الحركة السياحية وعدم فشلها.
هذه النقطة يتوقف عندها القيّمون على المرافق السياحية كالفنادق والمطاعم وشركات السياحة والسفر في بعض تصريحاتهم الصحفية، عند الوقائع الآتية:
1- إن لبنان، كان ولا يزال، بلداً لسياحة الدرجة الأولى وليس لسياحة العدد.. من هنا فإن أي مؤشر إيجابي على الساحة المحلية يحرك القطاع السياحي ويساعده على الاستمرار.
2 – ضآلة وجود الفنادق من فئة الثلاثة نجوم اللائقة بسائح دون الطبقة المتوسطة يريد أن يزور لبنان، فيقع أمام خيارين، فنادق فخمة وباهظة أو فنادق دون المستوى المطلوب.
وتوضيحاً لهذه الصورة، لا بدّ من مقارنة أسعار الفنادق في لبنان بأسعارها في بعض الدول السياحية، بحسب ما أوردته وحدة الأبحاث الاقتصادية في بنك الاعتماد اللبناني نقلاً عن «أرنست أند يونغ»، وذلك لشهر نيسان من عام 2015:
– البحرين: 193 دولاراً للغرفة الواحدة.
– مصر: 102 دولار للغرفة الواحدة.
– الأردن: 154 دولاراً.
– قطر: 262 دولاراً.
– السعودية: 218 دولاراً.
– الإمارات – أبو ظبي: 227 دولاراً.
أما لبنان فبلغ سعر الغرفة الواحدة 173 دولاراً بزيادة 6.2٪ عمّا كانت عليه في نيسان من عام 2014 والتي كانت 163 دولاراً.
تبين هذه اللائحة أن أسعار الفنادق اللبنانية توازي أسعار الفنادق في معظم الدول السياحية.
3 – هل يمكن تبرير مستوى الغلاء في لبنان بمقولة نحن بلد للسياحة الفخمة عندما تكون الأسعار هي وحدها من هذه الفئة؟
إن حركة السياحة في البلاد تعكس الصورة الحقيقية للواقع، لبنان لا يجتذب الطبقة المتوسطة من السيّاح الذين يجولون في العالم في إجازاتهم السنوية، كذلك لا يجتذب الأجانب طالبي السياحة الباهظة كون هؤلاء يفضلون «كان» و«ريفييرا»، و«موناكو».. فمن يجتذب لبنان إذاً؟
وفقاً لتقرير «أرنست أند يونغ» حول أداء الفنادق ذات فئة الأربعة والخمسة نجوم في منطقة الشرق الأوسط، ارتفع معدل إشغال الفنادق في مدينة بيروت بـ5 نقاط مئوية على أساس سنوي إلى 56٪ في شهر نيسان 2015 من 51٪ في نيسان عام 2014. كذلك ارتفع متوسط تعرفة الغرفة بنسبة 2.5٪ على صعيد سنوي إلى 175 دولاراً أميركياً في الشهر الرابع من العام 2015، كما زادت الإيرادات المحققة عن كل غرفة متوافرة بنسبة 12.3٪ سنوياً إلى 99 دولاراً.
الأشقر
يقول رئيس نقابة أصحاب الفنادق بيار أشقر: «أكثر من 50٪ من السيّاح إلى لبنان هم من العرب.. لكن هل يجب الاكتفاء بهذا الرابط الطبيعي والركون إليه من دون التساؤل: هل يقدم لهؤلاء السيّاح العرب ما لا تقدمه فرنسا وإيطاليا؟.. ثم أن غالبية الطبقة العربية التي تزور لبنان ليست الأكثر ثراءً كالطبقة التي كانت تأتي سابقاً وتصرف مبالغ طائلة. القسم الأكبر اليوم من السياح يفضل استئجار بيوت في المناطق الجبلية البعيدة على أن ينزل في الفنادق الفخمة والقليلة في المناطق الجبلية».
وحجوزات الفنادق هذه السنة سجلت ارتفاعاً، فقد حظيت مدينة بيروت، على الصعيد الإقليمي، برابع أعلى نسبة إشغال فنادق 54٪ بين عواصم المنطقة عن الأشهر الأربعة الأولى من العام 2015، في حين تصدرت إمارة أبو ظبي لائحة عواصم المنطقة لجهة أعلى معدل إشغال بين الفنادق ذات فئة 4 و5 نجوم، تبعتها مدينة الدوحة (76٪) ومدينة الرياض 71٪.
هذه المؤشرات تدل على أن الكثير من السيّاح الذين يزورون لبنان وينزلون في هذه الفئة من الفنادق هم من طبقة رجال الأعمال الذين يأتون إلى بيروت في سياق انعقاد المؤتمرات والندوات والحفلات.
وعُلم أن لبنان يتحضر خلال فصل الصيف المقبل لاستقبال أكثر من 40 مؤتمرا محليا (محلي عربي، ومحلي عربي دولي). وأشارت هذه المصادر إلى أن الفنادق الكبرى في بيروت أخذت علماً بهذه المؤتمرات وباتت على استعداد لاستضافتها في المواعيد المقررة.
وذكرت أن المؤتمرات المقررة هي بمعظمها ذات صلة بالمواضيع الاقتصادية والمالية والمصرفية، وبعضها سيشهد حضوراً دولياً وعربياً لافتاً، لا سيما من الولايات المتحدة الأميركية ودول «مجلس التعاون الخليجي».
وفي الوقت عينه، سجلت هذه المصادر ملاحظات سلبية على موقف الدولة اللبنانية لناحية توفير الفرص والإمكانات لتنشيط حركة المؤتمرات في لبنان، وذلك بسبب أن الدولة اللبنانية كثيراً ما تتحصل على توفير أي دعم مالي لمؤتمرات عربية دولية تعقد في لبنان، في حين أن دول المنطقة بشكل خاص ودول العالم بشكل عام تتسابق لتأمين عقد المؤتمرات في بلدانها لما في ذلك من مؤشرات اقتصادية ومالية ووطنية إيجابية على الدول المستضيفة.
ويذكر، أن حركة انعقاد المؤتمرات في لبنان لم تتوقف منذ بداية الأزمة السياسية اللبنانية الداخلية وبداية الأحداث في المنطقة، وذلك بمبادرات خاصة من جهات محلية.
خبراء السياحة يتخوفون من استمرار الحال على ما هي عليه في لبنان، لأن ذلك ينعكس سلباً على القطاع السياحي، عدا عن كون لبنان يفتقد سياحة العدد وفنادق فئة الـ3 نجوم، فالسائح يفتقد كذلك الحد الأدنى من مستلزمات السياحة، وتبقى مشكلة التنقل مثلاً وعجقة السير وغلاء المواد الاستهلاكية، إضافة إلى العوامل الأساسية كالأمن والسياسة.