IMLebanon

مناقصات النفايات: الالتزام بالاستدامة لا بالمواعيد

Wastes4
حبيب معلوف
ماذا بعد فشل مناقصات النفايات كما كان متوقعاً؟ من يتحمّل مسؤولية ما وصلنا إليه؟ الإدارة التي وضعت الخطط أو مجلس الوزراء الذي عدّلها وأقرّها؟ مَن وضع دفتر الشروط أو مَن أجرى المناقصات؟ مَن اقترح أمكنة المعالجة او مَن اعترض عليها؟ مَن فكر بعقل «المحاصص» أو مَن فكر بعقل المستثمر؟ وأين كان عقل الدولة؟
كما لا نعرف على ماذا استند وزير البيئة محمد المشنوق حين جدّد وعوده الأسبوع الماضي بإقفال مطمر الناعمة في منتصف تموز المقبل؟ فالمناقصات – الناقصات لإدارة النفايات، لاسيما في مناطق بيروت وجبل لبنان فشلت اصلاً، لأنها لم تستطع أن تؤمن مواقع بديلة. والكل كان يعلم انها حتى لو نجحت في إيجاد أماكن للمعالجة ومطمر واحد بديل على الأقل من دون ان تلقى اعتراضات اكبر من الاعتراضات التي واجهت مطمر الناعمة، كانت بحاجة الى ما لا يقلّ عن 9 أشهر لتجهيز المطمر الجديد. وقد كان مشروع الاقتراح المقدّم الى مجلس الوزراء للاستعانة بموقع «الكوستا برافا» واستخدامه بعد تأهيله لتغطية فترة إقفال مطمر الناعمة وإيجاد مواقع جديدة مع المتعهدين الجدد، يحتاج الى فترة أطول كونه يحتاج إلى إعادة تأهيل قبل تجهيزه.
لقد كان مقدّراً أيضاً أن أحداً لن يستطيع أن يضمن الموافقة الشعبية على مواقع جديدة ولو مؤقتة، لظنّ الناس (على الاقل) أنه في حال القبول بتمرير هذا الموقع او ذاك، بحجة الإجراء المؤقت، فسيصبح دائماً… ما لم ولن يتم القبول به. وبالرغم من حماس البعض لفكرة تصدير النفايات لمعالجتها في الخارج التي كشفنا عنها منذ أسابيع، لا نزال نجد صعوبة كبيرة في كيفية ادارة هذه العملية التي ستكون خيالية ومكلفة جداً ولها آثار جانبية سلبية من الصعب جداً معالجتها.
انطلاقاً من ذلك، لم نعد نفهم لماذا الإصرار على حشر النفس بمواعيد لا يمكن الالتزام بها! لطالما طالبنا بضرورة تغيير هذه المقاربة والخروج من العمل تحت الضغط وإنتاج خطط طوارئ او اللجوء الى خيارات وحلول عشوائية وغير مدروسة. فعلى وزارة البيئة التي يفترض ان تمثل عقل الدولة في إدارة الشؤون البيئية، ان تطرح أولاً الحلول المعقولة من الناحية الاستراتيجية والمؤمنة للعدالة البيئية. وإذ يعرف المتعمّقون في دراسة هذا الملف، ان لا حلول سحرية ولا خيارات من دون عواقب، يمكن إنتاج حلول بعيدة ومتوسطة وقريبة المدى على قاعدة الضرر الأقل والكلفة المقبولة. والاستفادة من فرصة فشل المناقصات، بعدم التفكير في تمديد الفترة مجدداً كما يروّج البعض، بل لوضع خطط ومناقصات مختلفة تماماً.
اما في العودة الى الخيار المراهن على تصدير النفايات الى الخارج، فلا بد من طرح بعض الاسئلة المساهمة في تبديد الاوهام. فحتى هذا الإجراء الخيالي، يحتاج الى خطط مدروسة وقرارات في مجلس الوزراء وإعداد دفاتر شروط ومناقصات… الخ وكل هذه الإجراءات الضرورية تحتاج الى وقت يتخطى بالتأكيد المواعيد المضروبة.
كما أن فكرة التصدير لا يمكن أن تكون في الهواء. فيجب السؤال الى اين وكيف ومن أجل ماذا؟ وبأية شروط؟
ان اول ما يتبادر الى الذهن حين تطرح فكرة التصدير الى الخارج، ان الموضوع يحتاج الى اماكن للتجميع والى آلات ضغط ضخمة لكبس النفايات وتوضيبها تمهيداً لتصديرها. مع ما تتركه هذه العملية من عصارة سامة تفترض المعالجة، لكون نسبة المواد العضوية في نفاياتنا عالية جداً وتتجاوز الـ50%. ولا نعتقد اننا نستطيع جمع وكبس وتصدير كل النفايات، ولا نعرف ماذا نفعل بما يبقى منها وما إذا هناك عمليات فرز بالإضافة الى الكبس؟ واذ يمكن ان نستنتج من التجارب الدولية ان النفايات المصدرة تذهب الى المحارق لإنتاج الطاقة، وان هناك صعوبة كبيرة في إعادة فرز هذه النفايات بعد التصدير بعد ان يكون تم كبسها، يمكن التقدير أنها ستذهب الى الحرق، مع التقدير أيضاً ان قيمتها الحرارية متدنية جداً، وان علينا ان ندفع الكثير لهذه العملية. ففي بعض الدول التي تدير محارق ضخمة في الدول الغربية، تتمتع النفايات بطاقة حرارية عالية نسبياً، وذلك لكون نوعية النفايات المنزلية الغربية تختلف عن نفاياتنا لاسيما لناحية نسبة العضوية منها التي لا تتجاوز الـ 14 %. لذلك يمكن ان تحصل عمليات استيراد من بلد أوروبي الى آخر يتمتع بالمواصفات نفسها. واذ يمكن ان نضيف الكثير من الملاحظات الإضافية على هذا الخيار، لا نعتقد ان من يتقدّم به درس الخصائص وكل الاحتمالات ومن الجوانب المختلفة كافة.
فلنعد من الخيال إلى الواقع ولنبحث عن خطط استراتيجية تتصف بالاستدامة، نتحمّل فيها مسؤولية معالجة نفاياتنا. ونخرج من مقـولة الالتزام بالمواعيد غير المحترمة وغير المجدية، إلى مقولة الالتزام بالحلول المدروسة والمستدامة والبعيدة المدى.