أعلن الأمين العام “للمجلس الإسلامي العربي” العلامة السيد محمد علي الحسيني، أن “حزب الله” يخوض في سوريا معركة دفاعية، ليس عن لبنان وإنما عن وجوده وعن النظام السوري، معتبراً أن هذه المعركة لا سند شرعياً أو أخلاقياً لها لأن الإسلام يحثنا على نصرة المظلوم، أي الشعب السوري، وليس مساعدة الحاكم الظالم.
وإذ حمّل “حزب الله” مسؤولية الوضع المأزوم في لبنان بسبب تعطيل الانتخابات الرئاسية، حذر الحسيني من أن تورط “الحزب” في سوريا سيجلب الجماعات المسلحة إلى الداخل اللبناني.
وأكد أن “عاصفة الحزم” العربية في اليمن شكلت بداية نهاية المشروع الإيراني الفارسي في المنطقة، معرباً عن تفاؤله بقدرة العرب على هزيمة هذا المشروع.
مواقف الحسيني جاءت في حوار أجرته معه صحيفة “السياسة” الكويتية، وهذا نصه:
* بعد عام على الشغور الرئاسي وفي ظل الوضع الأمني المتوتر، كيف تنظرون إلى الوضع اللبناني الآن؟
– لا شك في أن الوضع خطير للغاية، نظراً إلى تراكم الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. وما يعرفه اللبنانيون اليوم أن ثمة جهة واحدة تقف خلف مأساة لبنان حالياً، وهي “حزب الله، فالشغور الرئاسي سببه تعنت العماد ميشال عون الذي يريد الكرسي لنفسه، ولكن المعطل الحقيقي للانتخابات الرئاسية هو “حزب الله” الذي يدعم حليفه في عناده وذلك لغاية في نفس يعقوب. وبطبيعة الحال، فإن الفراغ الرئاسي أدى إلى كل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. أما على الصعيد الأمني، فإن التوتر معروف الأسباب أيضاً، وهو تورط “حزب الله” في الحرب السورية، وقد سبق أن حضر أعداء الحزب إلى لبنان بسياراتهم المفخخة، وهم اليوم يصدون هجماته على الحدود السورية ويهددون بنقل الحرب إلى لبنان.
* يقول “حزب الله” إنه يدافع عن لبنان كي لا يجتاحه مسلحو “النصرة” و”داعش”، ما رأيكم؟
– لا أحد يعرف بالتأكيد ما إذا كان لتلك الجماعات مخططات لاجتياح لبنان. ما نعرفه أنها تقاتل النظام السوري داخل أراضيه، ولم تحضر إلى لبنان إلا عندما أرسل “حزب الله” مقاتليه إلى القصير والزبداني وغيرهما. وكان الأجدى بـ”حزب الله” أن يدعم جهود الدولة اللبنانية لتسليح الجيش وتعزيز قواه ليتمكن من الذود عن الحدود إذا قرر المسلحون مهاجمتها. وفي أسوأ الأحوال، يمكن “حزب الله” المشاركة في القتال داخل لبنان إذا حصل هذا الهجوم، عندها نصدق أنه يدافع عن لبنان.
* ما هو الموقف الشرعي والأخلاقي من تدخل “حزب الله” في سوريا؟
– هذا التدخل مرفوض شرعاً وأخلاقياً، أولاً لأن الإسلام علمنا نصرة المظلوم أي الشعب السوري، وليس مساعدة الحاكم الظالم. وما يجري في سوريا هو ثورة المظلومين ضد دكتاتور كافر ومتوحش. ووقوف “حزب الله” إلى جانب هذا الديكتاتور يتناقض مع تعاليم الإسلام وينسف كل تعاليم المذهب الشيعي الداعية إلى نصرة الحق ونبذ الظلم. أما على المستوى الأخلاقي، فلا يمكن أياً كان أن يبرر مساعدة نظام يقصف شعبه بالأسلحة الكيماوية وبالبراميل المتفجرة وبأكثر أنواع الأسلحة فتكاً. تابع للولي الفقيه.
* لماذا يقاتل “حزب الله” إلى جانب النظام السوري وهو الذي يدعي تمثيل الشيعة؟
– “حزب الله” ليس حزباً لبنانياً ولا يمثل الشيعة اللبنانيين، إنه تابع كلياً للولي الفقيه الإيراني، فهو مصدر رزقه ووجوده. إنه يقاتل في سوريا دفاعاً عن نظام بشار الأسد الذي تعتبره إيران رأس حربة فارسية في الجسد العربي، كما أن سوريا ولبنان في المخطط التوسعي الإمبراطوري لبلاد فارس، هما مجرد قاعدتين إيرانيتين على البحر الأبيض المتوسط، وقد أعلن مسؤولون إيرانيون بارزون هذا الأمر من دون خجل. لقد خاض “حزب الله” حرب 2006 ضد إسرائيل لتثبيت النفوذ الإيراني على طاولة التفاوض الإقليمي الدولي، واليوم يخوض الحرب في سوريا للأسباب نفسها، ولكن مع فارق جوهري هو أن الحرب الأولى كانت هجومية لتعزيز الملف النووي الإيراني، أما الثانية فهي دفاعية بعد أن قامت الثورة السورية لإسقاط أحد المعاقل الإيرانية على المتوسط.
* وما تداعيات ذلك على لبنان وعلى الشيعة خصوصاً؟
التداعيات سلبية وخطيرة على لبنان، لأن “حزب الله” يعرض هذا البلد لخطر الجماعات المسلحة خصوصاً “داعش” و”النصرة”. والشيعة الذين هم جزء من الشعب اللبناني سيدفعون ثمن المغامرات العسكرية خارج الحدود، فحتى قبل أن تنتهي المعركة تسبب “حزب الله” بخسائر فادحة للطائفة الشيعية في الأرواح والأموال والمصالح. أصيب لبنان نتيجة تورط “حزب الله” في سوريا، بتعطيل مؤسساته الدستورية وتوقف الحياة السياسية فيه، وكذلك بشلل مرافقه الاقتصادية، وبات الناس يبحثون عما يسد رمقهم بدلاً من التفكير بمستقبل مزدهر.
* يُقال إن “حزب الله” بدأ يشعر بالوهن بعد أربع سنوات من القتال في سوريا، كيف قرأت الخطابين الأخيرين للسيد حسن نصرالله وتلويحه بإعلان التعبئة العامة؟
– من المؤكد أن “حزب الله” خسر الكثير من قدراته البشرية والعسكرية في هذه الحرب، فقد بدأ تورطه بأعداد غير كبيرة من المقاتلين في عدد محدود من المناطق السورية. ولكنه اليوم موجود على امتداد مساحة سوريا وبأعداد هائلة من المقاتلين، ورغم ذلك لم يمنع انهزام النظام السوري في الكثير من المحافظات السورية بحيث بات وجوده ينحصر في ربع مساحة سورية فقط.
كان “حزب الله” يتلقى هذه الهزائم بصمت، ولكن عندما سقطت جسر الشغور وبات الخطر قريباً من الحدود اللبنانية، بدأت التساؤلات الجدية داخل “حزب الله” نفسه، عن جدوى القتال إلى جانب نظام ينهار، وأصيبت الأوساط الداخلية في الحزب بالإحباط وبهبوط المعنويات، ونصرالله عبر عن ذلك بصراحة في خطاب يوم الجريح في 14 أيار حين تحدث عن خطر وجودي يداهم الحزب، ورفض أن يصاب أحد من جماعته بالإحباط، مستخدماً كل وسائل التحفيز الديني والمذهبي من خلال التشبه بأهل البيت، داعياً إلى القتال حتى النهاية حتى “لو أدى إلى مقتل ثلاثة أرباعنا”، وهو كلام أثار الذعر في قلوب أنصاره بدل الطمأنينة، لذلك سارع إلى تغيير لهجته بعد أيام قليلة في خطاب احتفال ذكرى التحرير في 24 أيار، حيث كان لافتاً توجهه إلى المسيحيين والسنة خصوصاً بالتهويل والتخويف من خطر التكفيريين، ولم يركز على الشيعة كما في الخطاب الأول، كأنه يحاول أن ينقل الخوف من طائفته إلى الطوائف الأخرى. الخلاصة أن الخطابين تعبويين يهدفان إلى رص الصفوف وشد الهمم، بعد أن وصل تورط “حزب الله” في الحرب السورية نقطة حرجة باتت تهدد فعلياً وجوده.
* كيف تنظرون إلى مواقف نصرالله من أحداث اليمن، وما سبب هجومه على المملكة العربية السعودية؟
– ما يجري في اليمن لا يختلف عما يجري في العراق وسورية ولبنان، إنها حرب إيرانية على الدول العربية للاستيلاء عليها وضمها إلى الإمبراطورية الفارسية الحديثة. في اليمن وجدت طهران في الحوثيين خير سند لمخططاتها، فدعمتهم ومولتهم للانقلاب على الرئيس الشرعي الذي حملته ثورة شعبية سلمية إلى سدة السلطة. والهدف الإيراني ليس اليمن بحد ذاته، وإنما أرادوا لهذا البلد أن يتحول رأس حربة فارسية في الجسد الخليجي, وتهديد أمن منطقة الخليج كلاً، خصوصاً من خلال استهداف المملكة العربية السعودية.
كانت “عاصفة الحزم” العربية نقطة تحول ستراتيجية في الصراع في المنطقة، لأنها شكلت شرارة الانطلاق لحملة عربية ناجحة تتصدى للزحف الإيراني المقنع وتلجمه وتدحره، من هنا جاء الغضب الإيراني الذي عبرت عنه أبواق طهران ومنها “حزب الله”. بالتأكيد لم يهاجم نصرالله المملكة العربية السعودية لأسباب لبنانية، فهي كانت ولا تزال في مقدم الداعمين للبنان سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، باستثناء أن “حزب الله” انزعج كثيراً من الهبة السعودية السخية للجيش اللبناني، فكانت سبباً إضافياً للتهجم عليها، فهو لا يريد للجيش اللبناني أن يقوى ويعزز قدراته بشكل يمكِّنه من تولي الأمن في لبنان داخلياً وعلى الحدود لأن هذا يضيق على الحزب ويحد من مخططاته العسكرية.
وما آفاق الصراعات في المنطقة وتأثيراتها على لبنان؟
– رغم مأسوية الأوضاع الراهنة أميل إلى التفاؤل بالمستقبل، وأعتقد أننا في بداية نهاية المأساة العربية المتمثلة بحروب هنا وهناك، فالنظام السوري يوشك على السقوط وسيسقط معه حليفه الإيراني المتحكم بلبنان. وفي اليمن، فإن الموقف العربي الحازم لجَمَ التدخل الإيراني، وهو قادر على إعادة الأمور إلى نصابها. أما العراق، فقد شكل سقوط نوري المالكي رجل طهران,بداية جديدة، ويمكن التخلص من خطر “داعش” في العراق إذا استمر الموقف العربي على ثباته وأجبر المجتمع الدولي على تكثيف حملته. بطبيعة الحال، المعركة طويلة وتتطلب جهوداً استثنائية، لكن الشرط الأول لكسبها توافر القرار العربي الموحد بشأن اليمن ولا بد أن يستكمل بقرار إنشاء القوة العربية المشتركة لمكافحة الإرهاب، فإذا استمر هذا الحزم العربي سيتمكن من فرض إرادته على مجلس الأمن ليتبنى هذه المعركة وفقاً للشروط والمصالح العربية.
أما لبنان، فيعيش انعكاسات ما يجري في هذه الدول، ورهاننا هو على أن يتمكن العرب من هزيمة المشروع الإيراني في المنطقة وتصفية ذيوله وأتباعه وعندها يعود لبنان إلى عافيته باحتضان من أشقائه العرب.
* تزعم الدعاية الإيرانية أن تدخل طهران في الدول العربية هدفه حماية الشيعة العرب وأنتم تقولون إن النظام العربي قادر على هزيمة المشروع الإيراني، فما وضع الشيعة وما مصيرهم؟
– بداية، المشروع الإيراني لا يحمي الشيعة العرب بل يستخدمهم وقوداً لحروبه، وطهران تدعم الأحزاب والجماعات التي تتمرد على دولها العربية من أجل اختراقها وإسقاطها. ومن ناحية ثانية، لا يمكن الحديث عن فئة شيعية عربية ككتلة موحدة تنصاع إلى المشروع الفارسي، فالشيعة العرب هم مواطنون في دول عدة ويشكلون جزءاً من شعوبها ويتبعون أنظمتها ويشاركون في مؤسساتها الدستورية، كما في الكويت مثلاًن كما أنهم لا يشكلون حالة خاصة استقلالية أو انفصالية. ربما هذا ما تريده طهران منهم، ولكن لم نسمع أي جهة شيعية ذات وزن تسعى لذلك. ونحن إذ نؤكد عروبة الشيعة في هذه الدول، ونجزم أن أكثريتهم الساحقة تدين بالولاء لأوطانها ولأنظمتها، ندعو المغرر بهم من أبناء الطائفة الشيعية إلى التنبه لمخاطر الانجراف وراء الدعاية الإيرانية الكاذبة، فنظرية الولي الفقيه مجرد بدعة إيرانية ألبسوها لبوس الإسلام والتشيع لأهداف سياسية تتمثل في المشروع الإمبراطوري الفارسي.
في الوقت نفسه، نحن نعمل على تنوير جماعتنا المذهبية إلى أن مصلحتها في استقرار دولهم ورخائها وازدهارها، ودليلنا على ذلك أنه حيث تتدخل طهران, إن في العراق أو سوريا أو لبنان، فإن الشيعة هم الذين يدفعون الثمن غالياً ولم ينالوا من “الرعاية” الإيرانية سوى الموت والخراب.
* ما تقييمكم للدور الكويتي في أحداث المنطقة؟
– تلعب الكويت بقيادة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح دوراً محورياً، من خلال سياستها الهادئة في مقاربة الأزمات في المنطقة. والكويت بحكمة أميرها منخرطة في الموقف الخليجي والعربي العام، وتشكل سنداً ستراتيجياً مهماً، وهذا ما عبرت عنه مشاركتها في عاصفة الحزم العربية. بالإضافة إلى ذلك، فإن دورها الإنساني خصوصاً في دعم الشعب السوري، أهَّلها لتكون إمارة الخير بامتياز، ويكون الشيخ الصباح أمير الإنسانية بشهادة الأمم المتحدة. ونحن في لبنان نعرف حجم معاناة الشعب السوري الشقيق، ونعرف كم استطاعت دولة الكويت من خلال تنظيم ثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين، من تخفيف معاناة هذا الشعب الجريح وبلسمة جراحه.