عثمان الخويطر
كنت قبل أيام أتصفح موضوعًا يتحدث عن مستقبل الطاقة الشمسية، ويصفها بأنها سوف تكون ثورة تشبه ثورة النفط الصخري. ومع اتفاقي مع الرأي الذي يتوقع حدوث ثورة “صناعة الطاقة الشمسية”، إلا أنني لا أرى أن ظهور إنتاج النفط الصخري كان يمثل أي نوع من الثورات. فقد كان حتى اليوم إنتاجًا أمريكيًّا أوجدَته ظروف اقتصادية معينة في مناطق تتوافر فيها جميع عوامل النجاح، من مئات أجهزة الحفر التي كانت دون عمل والكثير من شركات الخدمات والأيدي البشرية المدربة والقوانين الميسرة، إضافة إلى وفرة رأس المال وسهولة تأجير أراضي الإنتاج. أما عن التكنولوجيا المستخدَمَة فقد كانت معروفة لدى شركات النفط قبل ذلك بعقود. وإذا عرفنا أن إنتاج النفط الصخري هو، حتى هذا اليوم، خصوصية أمريكية لأسباب اقتصادية وجيولوجية ولوجستية، أدركنا أنه أمر عادي ومجرد استجابة لظروف أملتها حاجة السوق النفطية وارتفاع أسعار مصادر الطاقة.
ولكن ما ذا عن “ثورة الطاقة الشمسية”؟ هناك فيما يخص الطاقة الشمسية أمور بديهية. فهي متوافرة في جميع بقاع الأرض، دون اعتبار للحدود والممتلكات، وفي متناول الجميع بلا استثناء. وأسعار إنشاء منشآتها كانت تسير في اتجاه واحد منذ أكثر من 30 عامًا، وهو الاتجاه التنازلي، سنة بعد سنة. ومن النادر في هذا العصر أن تجد سلعة أو خدمة تتناقص قيمتها أو تكلفتها دون توقف مع مرور الوقت. بل الذي عهدناه ونشاهده كل يوم هو ميل الأسعار إلى الارتفاع نتيجة للتضخم المالي وزيادة الطلب على المعروض. أما في حالة الطاقة الشمسية، فالطاقة نفسها نستمدها من معين لا ينضب وأجزاء منشآتها تخضع لتطور تكنولوجيا صناعتها التي أسهمت إلى حد كبير في رفع كفاءتها، وانعكاس ذلك على تدني تكلفة إنتاجها.ومن المؤكد أن الطلب على إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم سوف ينمو بسرعة هائلة خلال السنوات المقبلة، فيشكل ما يمكن أن نطلق عليه بحق “ثورة الطاقة الشمسية”. وتشير تقارير وكالة الطاقة الدولية، لأول مرة، إلى ارتفاع كبير في نسبة الطاقة الشمسية من مجموع الاستهلاك العالمي من مصادر الطاقة خلال العقود المقبلة. فالعالم اليوم يقترب أكثر فأكثر من حالة نقص حاد في مصادر الطاقة التقليدية الرخيصة من نفط وغاز. واللجوء إلى المصادر النفطية غير التقليدية، مثل النفط الصخري والرمل النفطي وأنواع النفط الثقيل، لن يساعد كثيرًا على تعويض النقص المتوقع في مجال الإمدادات النفطية التقليدية. فالنفوط غير التقليدية تتميز بارتفاع التكلفة وضآلة كميات الإنتاج. فإنتاج النفط الصخري الأمريكي، الذي تتراوح تكلفة معظم إنتاجه ما بين 50 و80 دولارا للبرميل، كمياته محدودة ولا يُستبعَد أن يصل إنتاجه الذروة بعد بضع سنوات، حسب تقارير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، أي في حدود 2020. ونحن نؤكد أن إنتاج النفط الصخري خارج أمريكا الشمالية لن يكون مجديًا اقتصاديًّا بأقل من ضعف التكلفة المذكورة أعلاه. وهنا يأتي دور الروافد الجديدة من المصادر المتجددة، وأهمها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وربما الطاقة النووية في حالات خاصة تتعلق بوجود الإمكانات البشرية المدربة وتوطين التكنولوجيا النووية بالنسبة للدول التي ترغب في إنشاء مرافقها.
ولكن ما دورنا نحن في السعودية حيال التوجه نحو مشاريع توليد الطاقة الشمسية؟ في واقع الأمر، نحن تأخرنا كثيرًا في هذا المجال، وكنا في يوم ما نتطلع إلى أن نكون من الروَّاد. وبصرف النظر عن حجم ما تبقى من مخزوننا النفطي القابل للإنتاج، فالمنطق كان يحتم علينا البدء باستخدامها منذ زمن طويل. ووضعنا الحالي، هنا على أرض هذه الصحراء، أكثر حرجًا من أي موقع آخر على وجه البسيطة. وأغلب دول العالم، إن لم تكن كلها، لديها تنوع من الدخل الاقتصادي. أما نحن فدخلنا يكاد يكون مُجمَله من المصادر النفطية الفانية. وهنا تكمن خطورة وضعنا على مستقبلنا. فكلما تأجلت قراراتنا الاستراتيجية وتأخرنا في إنشاء مرافق توليد الطاقة الشمسية، كلما ارتفع استهلاكنا من السوائل النفطية التي من الأولى أن تكون مُعدِّة للتصدير. كنا في الماضي نسمع من يتذرع بارتفاع تكلفة الطاقة الشمسية، ممن كان يغلب عليهم قصر النظر، واليوم لا حجة لأصحاب هذه الرأي. فقد وصلت تكلفة توليد الطاقة الشمسية إلى مستوى ينافس تقريبًا جميع مصادر الطاقة على أرضنا، بما فيها المواد الهيدروكربونية. ولعل الكثيرين يتحدثون عن الطاقة الشمسية فقط كمصدر للطاقة الكهربائية. ولكن توطين صناعة الطاقة الشمسية في الواقع هو أيضا مصدر لعشرات الألوف من الوظائف، من تقنية وإنشائية وتشغيلية، وهو ما نحن بأشد الحاجة إليه. ومن حسن الطالع، أن أرضنا تحوي المواد الأولية التي تحتاج إليها صناعة الطاقة الشمسية، ومن السهولة بمكان توطينها وحصر العمل في مجالها على المواطنين. وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة، أن توطين هذه الصناعة سوف يكون من أفضل مجالات تنويع الدخل في البلاد الذي هو من أهم استراتيجيات برامجنا التنموية. ومع أننا لم نبدأ بعد فعليًّا في اتخاذ أي خطوات إيجابية نحو تحقيق هذا الهدف، إلا أن بعض المسؤولين تنبأ أخيرًا بأن المملكة سوف تصبح مصدرة لفائض الطاقة الشمسية، وهو أمر يتطلب الكثير من الجهد وحسن التخطيط.