عزة الحاج حسن
“مستشفيات الدولة تُحارَب من قبل الدولة”، قد تكون هذه العبارة من أصدق الحقائق وأخطرها في تاريخ المستشفيات والقطاع الصحي في لبنان، وقد وردت على لسان وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور أمس. فالمستشفيات الحكومية لم تخلُ يوماً من الأزمات والمشاكل المتوارثة التي ترتكبها الدولة في ظل غياب سياسات صحية سليمة.
خطة ابو فاعور “الإصلاحية” وإن لامست ملف التوظيفات السياسية بشكل خجول، غير أنها وضعت إصبعها على جرح المستشفيات الحكومية في لبنان من جهة، وعلى العلاقة “المشوّهة” التي تربط المريض اللبناني بالمستشفيات الخاصة من جهة أخرى.
وفي قراءة سريعة لواقع المستشفيات الحكومية تبدو الحاجة ملحّة الى إعادة هيكلتها إدارياً ومالياً، والأهم إعادتها الى خريطة القطاع الصحي في لبنان وتفعيل دورها الى جانب المستشفيات الخاصة. فالمستشفيات الحكومية الـ22 المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية تشترك بالمعاناة والأزمات، ولا تعمل سوى بنحو 10 في المئة فقط من قدراتها التشغيلية، ناهيك عن توقّف بعضها عن العمل بشكل كلي في فترة من الفترات لعجزه عن تأمين الخدمات الأولية التي أُنشئ من أجلها. وينسحب العجز المالي الى كل من المستشفيات الحكومية في صيدا، سبلين، حلبا، وجزين، حاصبيا وراشيا وبعلبك، وقانا، وتبنين وصور ومستشفى الياس الهراوي في زحلة، ومستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي الحكومي الذي يشهد احتجاجات مستمرة من قبل العاملين والأطباء بسبب التأخر الدائم في دفع الرواتب والمستحقات.
ولا تقتصر أزمات المستشفيات الحكومية على العجز المالي إنما تنسحب الى عجز إداري ناتج أساساً عن سوء التوظيفات، لاسيما السياسية منها، ولا يخفى على أحد وجود فائض من العاملين والموظفين في غالبية المستشفيات الحكومية يعود سببه الى التدخلات السياسية والتوصيات من هنا وهناك. ونتيجة للعجز المالي والإداري يصبح العجز في التجهيزات والمعدات الطبية في المستشفيات الحكومية أمراً طبيعياً.
أمام هذه الأزمات التي تعاني منها المستشفيات الحكومية، يرى المدير العام لمستشفى رفيق الحريري الحكومي الدكتور فراس الأبيض في حديث إلى “المدن” أن “مبادرة وزير الصحة تبشّر ببداية جيدة، لاسيما لجهة العمل على المحافظة على حقوق العاملين في المستشفى بغض النظر عن الفائض البشري، ورفع السقف المالي للمستشفيات في سبيل إعادة أكبر عدد ممكن من المرضى اليها”.
وإذ طمأن الأبيض الى معالجة الوضع المالي لمستشفى الحريري الحكومي مؤقتاً، وأكد التوجّه الى دفع الرواتب والمستحقات للموظفين والعاملين بالمستشفى خلال اليومين المقبلين، أشار إلى أنه من غير الممكن معالجة المشكلات كلها دفعة واحدة، “ولا بد من إعادة هيكلة المستشفى إدارياً، لما لذلك من أهمية كبرى في ضبط ماليته، ولجهة أداء دوره الإستشفائي بشكل سليم”.
وبحسب الأبيض فإن “إعادة الهيكلة الإدارية لن تتم عبر صرف أي من العاملين الفائضين في المستشفى إنما عبر اعادة تشغيلهم، كل في مكانه الأنسب في سبيل الإستفادة من قدراتهم. وبالنسبة الى الإداريين والعاملين الذين ترتبط أسماؤهم بقضايا فساد فالتحقيقات مستمرة معهم ولا مجال للتهاون في حق من أسهم بترسيخ عجز المستشفى، فلا نجاح لخطط إصلاحية في ظل إدارة سيئة أو فاسدة”.
أما عن التدخلات السياسية التي تتحكم بغالبية المستشفيات الحكومية، فقد رأى أحد المدراء العاملين في مستشفى حكومي، والذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنه “لا يمكن معالجة التدخلات السياسية في المستشفيات الحكومية وهي أمر واقع، فلا بد من تشجيع السياسيين القيّمين على المناطق التابعة لكل مستشفى أن يتعاونوا على إنجاح هذه المرافق الصحية العامة”، إنطلاقاً من انعدام الخيارات الأخرى.