IMLebanon

تجارة الفحم في لبنان: الأولوية للإستيراد

CoalProduction
ساندي الحايك

ارتبط اسم بعض القرى العكارية على مدى سنوات بانتاج الفحم الطبيعي. وبالرغم من التقلبات الحادة التي شهدتها سوق الفحم في لبنان، والتي دفعت بالكثير من أبناء القرى الجردية إلى التخلي عن هذه “الحرفة”، بقي العديد من أهالي قبعيت في عكار متمسكين بـ”مهنتهم الأم” هذه، وهم يفاخرون بأيام كان فيها فحم البلدة “مصدر التدفئة الأول لمعظم اللبنانيي”.
تحوّل عدد كبير من أبناء بلدة قبعيت العكارية من “صانعي فحم” إلى “تجار فحم” وفق رئيس بلديتها حمزة عبود، الذي يقول لـ”المدن” إنه “في الستينات كان نصف سكان البلدة يعملون في صناعة الفحم. أما الآن فقد تخلى جزء كبير عن هذه الصنعة لأنها لم تعد مربحة، وتحولوا إلى تجارتها فحسب. فضلاً عن أن العديد من أبنائها سافروا إلى الخارج، أو أكملوا دراستهم الجامعية أو اتجهوا إلى أعمال أخرى. بإختصار، إن ما يتم تداوله عن قبعيت عن أنها منتج كبير للفحم هو صيت ذائع أكثر مما هو واقع”.

تحت خيمة قش صغيرة بالقرب من نهر قبعيت، يجتمع الحاج عوض ورفاقه لإعداد “مشحرة” الفحم. ويوضح عوض أن “الحطب الموجود هنا تم نقله من جرود البترون، بعد تشحيل أحراج عائدة لوقف أحد الأديرة”، علماً بأنّ المساحة الحرجية الخضراء في البلدة تشكّل نحو 60% من مساحتها الإجمالية، وفيها الكثير من أشجار السنديان، اللزاب والشوح، المترامية على أطراف “نهر قبعيت”.
مسيرة اعداد المشحرة تبدأ من تقطيع الحطب “بحسب نوع الفحم الذي نريد الحصول عليه. فإذا كان فحم نراجيل نقطّعه بشكل رفيع وطويل، وإن كان فحماً للشواء نقطعه عريضاً وقصيراً. بعد التقطيع، نختار مكاناً بين الأحراج، نائياً وبعيداً عن المناطق المأهولة. نجمع في وسطه الأخشاب فوق بعضها البعض على شكل هرم، ونحيط أسفل الهرم بأحجار كبيرة الحجم، لمنع تسرب كميات كبيرة من الدخان. وفي رأس الهرم، نضع مجموعة من الأخشاب الصغيرة والحشائش اليابسة سريعة الإشتعال، نشعلها ونتركها حتى تحترق مع الحطب بشكل كامل، لنعود بعد يومين لسحب الحطب وقد تحول إلى فحم”. ويشير عوض إلى أنّ “تعبئة الفحم تتمّ في كراتين خاصة، ومعظمه يباع قبل نقله إلى الأسواق نتيجة الطلب المتزايد عليه”.
يلفت الرجل إلى أنّ “المشاحر تقام في بلدة قبعيت، ولكن الحطب كله يجلب من جرود البترون وجبيل، ومن يقطع من شجر البلدة يقوم بذلك بناءً على ترخيص من وزارة الزراعة يجيز له قطع الأشجار وتشحيل الأحراج والتفحيم”. بينما تشير زوجته أمينة، التي تعينه في إعداد “هرم المشحرة” إلى أن “صناعة الفحم من أصعب المهن ومردودها المادي ليس بكثير”. تضيف: “نعمل طيلة فصل الصيف لتأمين إنتاج كاف، ففي الشتاء من الصعب جداً إقامة مشاحر، ويتوقف العمل بشكل شبه كامل”.
في السنوات الأخيرة تضاعف الطلب محلياً على الفحم الطبيعي. ويعزو أحد تجار الفحم في عكار أحمد درويش السبب، إلى “زيادة الطلب الاستهلاكي الناجم عن عادة تدخين النراجيل من جهة، وقرار حصر انتاج الفحم بأوقات محددة، وفق القوانين التي أصدرها وزير الزراعة السابق حسين الحاج حسن”. ويوضح لـ”المدن” أن “الفحم اللبناني من أجود أنواع الفحم الموجودة في العالم، ولاسيما المصنوع من أشجار السنديان. ونظرا للقرارات القاضية بوقف قطع الأشجار حفاظا على الثروة الحرجية في لبنان، ارتفع سعر الفحم المحلي، ليصل حاليا إلى 3 آلاف ليرة لبنانية للكيلوغرام الواحد”. وبينما بقى الطلب على الفحم المخصص للإستخدامات المنزلية (الشواء والتدفئة وغيرها) على حاله، ارتفع الطلب على فحم النراجيل بشكل لافت”. ويشير أحد تجار الفحم في جبل لبنان (فضّل عدم الكشف عن اسمه) إلى أنه “منذ العام 2004 حتى اليوم تضاعف الطلب على فحم النراجيل نحو أربع مرات، مؤكدا أن “دخول أنواع جديدة من الفحم المخصص لتدخين النرجيلة إلى الأسواق، مثل الفحم المصنوع من عجوة جوز الهند، المعروف بالاسواق بفحم الكنارا ساهم في التخفيف من استخدام فحم السنديان”. ولا تزال “أسعار فحم السنديان اللبناني المخصص للنراجيل، الذي يباع للمستهلك، تتراوح بين 3000 و3500 ليرة للكيلوغرام الواحد. أما أسعار فحم السنديان المخصص للشواء تتراوح بين 2000 و2500 ليرة للكيلوغرام الواحد”.

أمّا عن الفحم المستورد، فيقول إن “لبنان يستورد كميات كبيرة من الفحم لاسيما من البلدان الأفريقية، وفي مقدمتها السودان، فضلاً عن مصر وأندونيسيا. وقد منحت الدولة اللبنانية مؤخرا لتجار الفحم تسهيلات كثيرة لسببين: الأول، لعدم قدرة الإنتاج المحلي على سد الحاجة، والثاني، سعياً لمنع الإعتداءات على غابات وأحراج لبنان، والكف عن قطع أشجار السنديان. إذ تسعى الوزارات المعينة لتشجيع الناس على تجارة الفحم بدلاً من صنعه”. ويضيف أن “الفحم المستورد ينقسم إلى نوعين: “هارد وود” hardwood وهو المصنوع من شجر الطلح في السودان، ويعد ذات نوعية جيدة، والـ “سوفت وود” softwood المنتج من شجر الليمون والغازوارين والغوافا في مصر”.
من جهته يشير درويش إلى أن “سوق الفحم تفتقر إلى المراقبة، ومن الضروري أن تضع الوزارات المعنية تسعيرة موحدة للفحم تراعي أنواعه ومصادره، بطريقة تضبط السوق المحلية وتمنع الإحتكار”.

من جهة أخرى، للناشطين البيئيين في عكار وجهة نظر حيال عملية تشحيل الأشجار وتحويلها الى فحم، حيث يرى الناشط في “مجلس البيئة” في القبيات ألفونس جورج أن “ما وضعته وزارة الزراعة من قوانين ضروري لتحديد كيفية الإستثمار الرشيد للغابات، إذ ان التراخيص في المبدأ تمنع التعديات، وتضع حداً لعشوائية الاستثمار، وتضمن في حال فعّلت المراقبة، حماية الغابات والأحراج والنظم الايكولوجية والتنوع البيولوجي في المنطقة. لكن القوانين بمعظمها لم تترجم على أرض الواقع بفعل الغطاء التي يحظى به المعتدون على الأحراج من زعماء المنطقة”. ويتابع “القانون خفف إلى حد ما التجاوزات وقطع الأشجار، ولكن ذلك غير كاف. وكما يرد في المثل الشعبي “الديك بيصيح بس ما بيجيب الفجر”، فإننا نرفع صوتنا لحماية الثروة الحرجية في عكار. فمن الضروري تفعيل دور مأموري الأحراج، ودوريات المراقبة، بالإضافة إلى ورشات توعية للعاملين في مجال صناعة الفحم حول كيفية تشحيل الأحراج بشكل صحيح”.