إفتتح اليوم المؤتمر الدولي للتقنيات البيئية والتنمية المستدامة والطاقة النظيفة Ecorient 2015 في “البيال” بمشاركة وزير البيئة محمد المشنوق الذي ألقى كلمة قال فيها: “ان القيمين على هذا المؤتمر إعتادوا تنظيمه كل عام في مناسبة اليوم العالمي للبيئة في 5 حزيران”. وقال “اسمحوا لي أن أركز في كلمتي على الشق المتعلق بالتنمية المستدامة من هذا المؤتمر، نظرا الى اهميته الوطني من جهة والتطورات التي طاولت هذا الموضوع اخيرا من من جهة أخرى.
فاذا عدنا بالذاكرة إلى حزيران 2012، وجدنا أن هذا العام شهد تطورا لافتا في موضوع التنمية المستدامة، إذ جمع القصر الجمهوري، وللمرة الاولى في تاريخ لبنان، احتفاللا وطنيا لإطلاق تقرير “التنمية المستدامة في لبنان: الوضع الراهن والرؤية” تزامنا مع انعقاد قمة الامم المتحدة حول التنمية المستدامة (ريو+20)؛ فأتى هذا التقرير، وللمرة الاولى تقريرا جامعا بين توجهات مختلف لألفرقاء اللبنانيين، حكومة ومجتمعا مدنيا وقطاعا خاصا. عرض هذا التقرير للوضع الراهن (انجازات وإخفاقات، مواطن قوة ونقاط ضعف، فرص أخطار). كما أكد أهمية “الحوار البناء بين جميع الأطراف للتعمق في الخيارات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المتاحة وإدماجها في صلب العملية التنموية الحقوقية الشاملة”.
في آذار 2015، تم استكمال المسيرة من السراي برعاية دولة الرئيس لوضع الحجر الأساس للاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، سابقة أخرى في تاريخ لبنان. فالحديث عن أهمية التنمية ليس بالجديد، انما تصويب هذه التنمية باتجاه الاستدامة هو ما نبتغيه وذلك من خلال ورشة وطنية نتعاون جميعا في انجازها، وتكون حصيلتها “الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة”.
واضاف: “إننا نعول على مثل هذه الاستراتيجية نظرا الى اللسمات المتعددة لمفهوم التنمية المستدامة، والتي سأستعرض أهمها:
1 – التوازن/الانسجام Harmony :اذا قارنا مثلا معدل النمو الفعلي في الناتج المحلي العام (الذي هو أحد أهم مؤشرات التنمية: أقل من 2 في المئة في العام 2014؟) بكلفة التدهور البيئي السنوية (والتي تفوق ال800 مليون دولار بحسب دراسة أعدها البنك الدولي): هل نسمي ذلك تنمية؟ طبعاً لا. التنمية الاقتصادية لا يجوز أن تتم على حساب الحفاظ على البيئة أو على حساب التماسك الاجتماعي، فتماماً كما نحرص على خزينة الدولة، كذلك يجب أن نحرص على إرث لبنان الطبيعي، الذي إذا اضمحل، تدهورت صحة اللبنانيين واضمحلت ركائز عدة من الاقتصاد اللبناني. جميعنا يعول على الاقتصاد المزدهر كركيزة أساسية للتنمية في لبنان. إنما التنمية لا تكون مستدامة، والاقتصاد لا يزدهر فعلاً، إلا إذا ترافق مع تنمية اجتماعية من جهة، وحماية للبيئة من جهة أخرى. من هنا أهمية التوازن في الخيارات الاستراتيجية والتنموية التي نتخذها.
2 – التكامل Complementarity :إن المقاربة المجتزأة للتنمية – والتي تركز عادة على القطاعات الاقتصادية الفردية (الخدمات والسياحة والزراعة والصناعة، إلخ.) و/أو على الخدمات الأساسية (الصحة والتعليم والنقل، إلخ.) – غير منتجة ولا يمكنها أن تحقق أهداف التنمية المستدامة. عوضاً عن ذلك، يجدر بلبنان أن يعتمد مقاربة تنموية كاملة وشاملة ترتكز على كل القطاعات وعلاقاتها ببعضها البعض وعلى فهم تطلعات المجتمع وتعزيز الهوية الوطنية. ولعل البرهان الأحدث على ذلك أزمة سلامة الغذاء التي سلطت الضوء على ضرورة التكامل في التخطيط والتضامن في التنفيذ.
3 – التلاقي Dialogue :وهو فرصة للحوار حول الأولويات الوطنية، خاصة في ظل التحديات الجمة التي نواجهها، والتي تفرض أكثر من أي وقت مضى الوحدة والتماسك والتضامن لمواجهتها وتخطيها نحوالنهوض الوطني”.
واضاف وزير البيئة “التنمية المستدامة ليست إذا تخليا عن التنمية الإقتصادية، انما إعادة تصويب هذه التنمية بطريقة تضمن التكافؤ في الفرص، من جهة، والحماية البيئية من جهة أخرى- حماية بيئية على صعيدين: وتيرة استخدام للموارد الطبيعية لا تفوق وتيرة اعادة انتاجها، ووتيرة تصريف للملوثات لا تفوق قدرة استيعابها في الهواء والمياه والأرض. بذلك، نضمن أن تنعم الاجيال المستقبلية بهواء طبيعي ومياه نظيفة، بذلك أيضا نبتكر الحلول للتحديات اليومية التي نواجهها من خلال استخدام أفضل للموارد، وبذلك تصبح التنمية المستدامة مفهوما يؤسس للعلاقات بين الناس، وللعلاقات بين الناس والطبيعة”.
وتابع: كما سبق ان أشرنا، لقد بدأنا منذ آذار 2015 الاعداد للاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة عبر جدولة الاولويات الوطنية انطلاقا من سائر التحديات التنموية وغيرها، معتمدين في ذلك على منهجية تشرك جميع الوزارات فضلا عن المجتمع المدني والقطاع الخاص حيث من شأن مثل تلك المداولات إنتاج حزمة من الإصلاحات الحقيقية والمتكاملة والفاعلة، وحيث يكون دور وزارة البيئة التنسيق، استنادا إلى القوانين والانظمة المرعيةالتي نصت على أن وزير البيئة هو “منسق شؤون التنمية المستدامة في الإدارة اللبنانية. ما يعني أن لوزارة البيئة دورا أساسا في التنسيق، أما مسؤولية مفهوم التنمية المستدامة فموزعةعلى سائر الوزارات ومختلف الهيئات عامة كانت أم خاصة. فتماما كما أن المسؤولية مشتركة ولكن متفاوتة بين الدول على الصعيد العالمي، كذلك هي على الصعيد المحلي، مسؤولية مشتركة بين أفرقاء سبعة: المجلس النيابي، الإدارات والمؤسسات العامة، البلديات واتحادات البلديات، الهيئات الاقتصادية والنقابية، المجتمع المدني والمؤسسات التي لا تتوخى الربح، القطاع الأكاديمي، والإعلاميين”.
وقال: “ستتناول الجلسة الأولى من هذا المؤتمر عرضا خريطة الطريق نحو التنمية المستدامة يقدمه ممثل وزارة البيئة، وسيليه نقاش أدعوكم إلى الإفساح عن رأيكم بالمبادرة المطروحة ومنهجيتها. دعونا نتذكر أن المستند الذي نبغي الوصول إليه “الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة” سيرسم مسيرتنا للأعوام المقبلة، فلنتعاون جميعا في اعداده، وفي تقويم تنفيذه في ما بعد، وتطويره تدريجيا. لذلك، أشدد على نقاط ثلاث للتعامل مع هذه المبادرة:
– تبنيها عبر مشاركة فاعلة Ownership.
– الشفافية في التعامل في كل مرحلة من مراحلهاTransparency.
– النظرة الايجابية، وهذا طبعا لا يعني عدم الانتقاد، انما الانتقاد البناءPositivism.
قد تختلف آراء اللبنانيين في مواضيع كثيرة، وفي هذا التنوع غنى ولا شك، دعونا نفيد من هذا الغنى للابتكار، الابتكار اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا فننتج نموذجا للتنمية المستدامة، يعيد إلى لبنان دوره وعلة وجوده”.