Site icon IMLebanon

النزوح السوري.. هل تضغط الحكومة على الدول المانحة؟

حنان حمدان

لا أرقام رسمية لدى الدولة اللبنانية تفيد بعدد النازحين السوريين الموجودين على أراضيها، في حين تشير إحصاءات “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” التابعة للأمم المتحدة، إلى أن عدد النازحين المسجلين لديها بلغ مليون و180 ألف نازح، لكن تقديرات بعض الوزارات تشير إلى أن عدد النازحين السوريين في لبنان تخطى المليون والستمئة ألف نازح. وإذا ما تم إحتساب أعداد النازحين السوريين في لبنان يتبين أن هؤلاء يشكلون نحو 30 في المئة من عدد سكانه البالغ نحو 4000 نسمة، ما ينعكس سلباً على خريطة لبنان الديموغرافية. وقد كان لبنان أكثر بلدان المنطقة تأثراً بالنزوح السوري من حيث مساحته وعدد سكانه، وجاهزية بناه التحتية.
تقديرات وزارة المالية
لقد تخطت الخسارة الإقتصادية للنزوح السوري وفقاً لتقديرات وزارة المالية الأخيرة الـ20 مليار دولار، بخلاف ما أظهرته دراسة البنك الدولي في 2013 والتي قدرت بأن خسارة لبنان الإقتصادية نتيجة لأزمة النزوح السوري حتى نهاية عام 2014، ستبلغ 7.5 مليار دولار، إلا أن تلك الدراسة غاب عنها عنصر الشمولية في بناء التقديرات، فهي دراسة متسرعة وغير معمقة، إذ لم تلحظ مثلاً تراجع عدد السياح عبر الحدود، وكذلك الحركة التجارية، وهذا ما دفع وزارة المالية لوضع دراسة جديدة في هذا الشأن لا تزال في مراحلها الأولى.
لا فرج قريباً
ولأننا أصبحنا على مشارف العام الخامس للأزمة السورية، في وقت لا حلول مرتقبة لهذه الأزمة، كان لا بد من تغيير منهجية التعاطي مع ملف النازحين السوريين والدول المضيفة لهم، فكان التوجه الإقليمي الجديد بالإنتقال من التعاطي مع النزوح السوري بوصفه حالة إنسانية طارئة، إلى النظر إليه بوصفه “أزمة عامة” يعاني منها المجتمع المضيف كما النازحون السوريون على السواء.
تعديل المقاربة للنزوح السوري وإخراجها من الشق الإنساني إلى “الشق المتكامل”، عبَر عنه سابقاً رئيس الحكومة تمام سلام خلال المؤتمر الدولي للمانحين في الكويت العام 2014، بعد أن تخطى عدد النازحين السوريين عدد اللبنانيين في بعض قرى لبنان، وفقاً لإحصاءات وزارة الشؤون الإجتماعية.
من هنا ولدت خطة لبنان الإستراتيجية للإستجابة للأزمات، المشتركة بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة، والتي أطلقها سلام، في مؤتمر الكويت الثالث للمانحين هذا العام، وهي جزء من خطة إقليمية تشمل مختلف الدول المضيفة. إلا أن الخطة اللبنانية أخذت منحى آخر لجهة تقديم المساعدات للنازحين والمجتمعات المضيفة على السواء. والخطة تقوم أساساً على مبدأ أن المساعدات أصبحت حقاً لجميع الحالات الإنسانية الأكثر فقراً على اختلاف جنسياتها، وليس حصراً تلك المتصلة بالنازحين السوريين، واليوم نحن أمام مجتمعات مضيفة لا تقل فقراً وحاجة عن النازحين السوريين. وقد أشارت الإحصاءات أخيراً، إلى أن 330 ألف لبناني يعيشون بأقل من 2.4 دولار يومياً، ما يعني أن هؤلاء أيضاً يحتاجون إلى الدعم الإنساني.
وعليه فقد حددت الحكومة اللبنانية أولوياتها، في خطة لبنانية متكاملة، تقوم على الإهتمام الإنساني بمختلف المجتمعات “الضعيفة” في لبنان، وبناء قدرات المؤسسات والخدمات المحلية والوطنية (أي الوزارات)، إضافة الى الإستثمار في الإقتصاد اللبناني ودعم البنى التحتية الأساسية، خصوصاً أن التوقعات تتحدث عن إنخفاض حجم التمويل وانقطاعه في الوقت القريب، وعليه ستضطر الدولة اللبنانية للتكيف مع ما يزيد عن 6 ملايين نسمة، بموازنة بالكاد تكفي اللبنانيين أصلاً.

الخطوات المقبلة
لقد تم تحديد المبلغ المالي المطلوب لتنفيذ خطة لبنان في شأن النازحين السوريين، ويبلغ مليارين و140 مليون دولار، بالتعاون مع المنظمات والجمعيات الدولية الموجودة في لبنان، إلا اننا أصبحنا في الشهر الخامس من العام 2015، ولبنان ما زال ينتظر تلك الأموال!
وفي حين تقدر حاجة لبنان من تلك الأموال بالمليارين، وبالرغم من أن تقديرات المجتمعات المضيفة في المنطقة لحاجاتها المالية لايواء النازحين بلغت نحو 8.4 مليار دولار، إلا أن مؤتمر الكويت لهذا العام إستطاع أن يجمع 3.8 مليار دولار فحسب!
ومع ذلك فإن جمع الأموال لا يقصد به أن الدول المانحة قد انفقت الأموال الموعودة، لا بل إنها وعدت بتقديمها، ولا تصريحات رسمية في شأن دفعها حتى الأن. وقد علمت “المدن” أن بعض الدول والمنظمات الدولية قد أعلمت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، عن تخصيص مبلغ 370 مليون دولار سيتم تحويله الى لبنان، من دون أن يتم إعلان ذلك رسمياً. “الرقم مؤكد إلا أنه قابل للإرتفاع”، بحسب ما قاله مصدر في وزارة الشؤون الإجتماعية.
المبلغ المذكور قابل للإرتفاع ولكن لا بد أن تتحرك الوزارات المعنية من أجل الضغط على الدول المانحة لزيادة دعمها للبنان بما يتناسب وعدد السوريين الموجودين على أراضيه، لاسيما وأن إقناع المانحين يحتاج الى المتابعة والتنسيق بين مختلف إدارات الدولة، ولا يمكن لأحد تخمين حجم الأموال التي ستخصص في المرحلة المقبلة.
ليس إقناع الدول المانحة بالأمر السهل، فمنذ بدء الأزمة ومعظم الدول المانحة تتردد في دفع الأموال للحكومة اللبنانية نظراً لتزعزع الثقة بها، وتوتر الوضع الأمني والسياسي في البلاد، إضافة الى تأخر الإجراءات الروتينية في الدوائر، وهذه جميعها أسباب جعلت الدول المانحة تفضل التواصل مباشرة مع المنظمات الموجودة على الأراضي اللبنانية وقد خصصت مبالغ طائلة لتلك المنظمات، في حين أن الموازنة التي خصصت لوزارة الشؤون خلال أربع سنوات الأزمة لم تتعدَ 13 مليون دولار،على سبيل المثال. في حين يوجد في الصندوق الإئتماني وتحت إدارة البنك الدولي 100 مليون دولار منذ العام 2013، ولم يسمح للبنان التصرف بها.
ما يطرح التساؤلات أولاً، عن أسباب إستبقاء المئة مليون دولار في صندوق الإئتمان من جهة، وعن حجم الأموال التي عملت بها بعض المنظمات في لبنان من دون أن تترك أثراً على واقع النازحين السوريين الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم من جهة أخرى. لنجد أن الدولة اللبنانية، ومن وجهة نظرها، تسعى من خلال خطتها المستحدثة إلى تحسين واقع السوريين والمجتمعات المضيفة في آن معاً، ولكن هل ستستطيع كسب ثقة المجتمع الدولي؟ ومن ثم في حال إلتزمت الدول المانحة العمل في إطار أولويات الدولة اللبنانية، هل ستستطيع الحكومة الحالية تحسين واقع النازحين في لبنان، أم أن الأموال التي سيخصصها المانحون سيكون مصيرها مجهولاً؟