اعتبرت صحيفة “الأخبار” ان “حزب الله” ثبّت أمس أولى خطوات معركة تحرير جرود عرسال بسيطرته السريعة على أكثر من 50 كلم مربعاً منها بهجوم سريع وخاطف أجبر الجماعات التكفيرية على الفرار شمالاً وغرباً. وأكدت أن قرار المقاومة واضح في متابعة المعركة، بينما لا تحسد «النصرة» على خياراتها المتاحة.
وقالت: “في وقت كان وزير الدفاع سمير مقبل يصرّح فيه من السعودية بأن لا صحّة للمعلومات عن اشتباكات في عرسال، كانت مجموعات المقاومة تتسلّل من جرود نحلة ويونين في جنوب وجنوب شرق جرود عرسال إلى عمق الجرود، تحت غطاء مدفعي وناري كثيف، وسط فرار سريع للمسلحين إلى شمال الجرود. وأكّدت مصادر ميدانية أن “العملية ستستمر بكثافة خلال الأيام المقبلة لتحرير كامل الجرود، والوصول إلى المداخل الشرقية للمساحات الموصولة ببلدة عرسال”.
من جهتها، ذكرت صحيفة “الجمهورية” أنه على رغم تداول وسائل الاعلام بأنّ معركة جرود عرسال بدأت، إلّا أنّ المراقبين الغربيّين لا يعتقدون ذلك، مرجّحين أن يأخذ “حزب الله” وَقته قبل الشروع جدياً في هذه المعركة، خصوصاً بعد السيطرة النهائية على تلال القلمون كلها وإقفال المنطقة عسكرياً لضمان معركة جرود عرسال.
لكنّ “حزب الله” أراد توجيه رسالة واضحة وحازمة بأنّه جدّي جداً في إنهاء حضور المجموعات المسلحة في جرود المنطقة، وأنه يرفض أيّ تسوية أو مخرج لا يؤديان الى هذه النتيجة الحاسمة، وذلك بعدما صدر كلام عن وزير الدفاع سمير مقبل حول إمكانية التوصّل الى تسوية تُرضي الجميع.
وبحسب مصادر مطلعة فإنّ “حزب الله” يضع خطة من ثلاثة بنود تشكّل وحدها المخرج الممكن لتلافي العملية العسكرية في جرود عرسال:
– الفصل بين بلدة عرسال وبين جرودها وأنّ الدولة وحدها مسؤولة أوّلاً وأخيراً عن أمن البلدة.
– تفكيك مخيمات النازحين في محيط البلدة وتوزيعها بنحو مدروس على مناطق اخرى، خصوصاً بعدما استعملت التنظيمات الارهابية هذا الواقع للمَزج بين الجرود وداخل البلدة، وهو ما وَرّط المنطقة في أحداث كثيرة وخطيرة أبرزها على الاطلاق الهجوم الذي تعرّض له الجيش اللبناني في آب الماضي، والذي أدّت فيه مخيمات النازحين دوراً أساسياً لجَعل الوضع متداخلاً.
– أن يسيطر الجيش وينتشر في جرود عرسال كلها داخل الحدود اللبنانية وتفكيك البنية التحتية لهذه التنظيمات، ولا سيما منها مصانع تفخيخ السيارات وتصنيع المتفجرات وتحضير الانتحاريّين.
وسط كل ذلك، تمكن “حزب الله” بحسب “السفير” حتى مساء أمس من الإمساك ميدانياً، بما تسمى “عصا” جرود عرسال التي تسيطر عليها “جبهة النصرة” من وسطها. ومع هذا التطور الميداني المتمثل بالسيطرة المباشرة أو بالنار، على نحو 80 كيلومتراً مربعاً من أصل 200 كلم2 تسيطر عليها “النصرة” من جرد عرسال (200 كلم2 تسيطر عليها «داعش» ولم تشملها المعارك)، يصبح الإمساك بكامل الجرد الممتد من حدود مرتفعات الأمهزية (مقراق) ويونين ونحلة ورأس المعرة (السورية)، إلى خربة يونين في وسط الجرود العرسالية، وخط التماس بين «النصرة» و «داعش»، «مسألة وقت ليس إلا» بحسب مصدر أمني معني في منطقة البقاع الشمالي…
وفيما تعلو أصوات الصواريخ وطائرات الرصد والمدافع والمواجهات الميدانية في الجرد العرسالي، على وقع إعلان «حزب الله» تقدمه على أكثر من محور، حاولت “جبهة النصرة” إقحام أبناء عرسال في واجهة المشهد، لصرف الأنظار عن المواجهة الميدانية المحتدمة بينها وبين “حزب الله”.
وتمثلت هذه المحاولة بإعلان «النصرة»، في بيان، أمس، عن تشكيل مجموعة مسلحة حملت تسمية “كتيبة الفاروق عمر في عرسال”، لا يتجاوز عدد عناصرها أصابع اليدين وهدفها التصدي لـ”حزب الله”. واتهم البيان «حزب الله» بـ«التجييش الطائفي» و«بتسليح العشائر الشيعية»، وتعهدت «الكتيبة» بأن تكون «درعاً حصيناً لعرسال وجرودها»، ودعت «أهلنا في طرابلس وصيدا وبعلبك وبيروت وغيرهم أن ينصروا أهل السنة بعد أن خذلهم الجميع”.
لكن رئيس بلدية عرسال علي الحجيري أبلغ «السفير» أن الأمر “لا يتخطى الدعاية». وأكد أن أبناء عرسال سيدافعون عنها إذا مسها أي من الطرفين سواء حزب الله أو المسلحون، ونحن الآن نقف على الحياد ونتفرج عليهما يتقاتلان، لكن الدخول إلى عرسال ممنوع”.
وكان واضحاً من البيان المصور الذي بُثّ عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن تشكيل «الكتيبة» جرى من دون تحضير مسبق، كما شابته بعض الهفوات التي عكست بما لا يدع مجالاً للشك أن «جبهة النصرة» تقف وراء تشكيل «الكتيبة» وليس أهالي عرسال.
خريطة جرد عرسال
يمكن تقسيم الجرود العرسالية التي تمتد على مساحة 400 كيلومتر مربع تقريباً إلى ثلاثة أقسام: الجرد المنخفض، الجرد الأوسط والجرد المرتفع.
يمتد «المنخفض» من وادي الرعيان فوادي صَورة ومحيطهما على نحو 35 كيلومتراً مربعاً. يلتصق هذا الجزء بجرود الأمهزية (مقراق) ويونين، ولم يشهد أي معارك ميدانية كون «حزب الله» يسيطر عليه من مرتفعات قرى السهل في المناطق اللبنانية وأهمها «تل الجبعة» في جرود يونين، فيما يسيطر الجيش اللبناني عليها بالنيران أيضاً من نقطة تمركزه في سرج حسان جنوب غرب عرسال.
ويبعد هذا الجزء عن عرسال البلدة نحو 18 كيلومترا ويعتبر بحكم «الساقط عسكرياً» والمعزول جغرافياً، حسب خبراء عسكريين يرجحون أن تكون «النصرة» قد أخلته مع بدء معارك الجرد العرسالي تجنباً لحصار مسلحيها في داخله.
ويقع وادي الرعيان ومحيطه، وهو الجرد العرسالي الزراعي المروي، تحت سيطرة نيران «حزب الله» من التلال المرتفعة في جرد عرسال نفسه، وأهمها حقل الزعرور وحرف وادي الهوا ومنطقة عين سيق ووادي المزراب غربي سهل الرهوة، وتعرف هذه المناطق بالجرد الأوسط.
وتعتبر تلة شُرّق (أسماها الإعلام «شروق») صلة الوصل بين الجردين الأوسط والأعلى، وقد سيطر «حزب الله» عليها، أمس، من جهة جرود رأس المعرة، وهي شمال وادي الديب، وتقع جنوب غرب تلاجة البريج في جرد عرسال، وتطل على الرهوة. ومع تلة «شُرّق» سيطر الحزب أيضاً على جبل أو سرج الزروب، كما يسميه أهل عرسال، وهو مشرف على الرهوة أيضاً.
وبسيطرة «الحزب» على هذه التلال يصبح سهل الرهوة، وهو السهل الأكبر في جرد عرسال، والمليء ببساتين الكرز والمشمش، كما «الصحن» أمام نيران «عناصر الحزب». من هذا السهل، نفذت «النصرة» الفرار الكبير لعناصرها بعدما أحرقوا خيمهم متجهين نحو الشمال، إلى عمق الجرد الذي يسيطرون عليه. وتقدم «حزب الله» باتجاه هذه المرتفعات عن طريق ضهور وادي الهوا العرسالي على الحدود من ناحية الجنوب مع جرد نحلة، إحدى قرى السهل.
ويبدأ الجرد الأعلى من منطقة الخشعات، وهي منطقة حدودية مشتركة بين نحلة وعرسال ورأس المعرة، سيطر عليها الجيش السوري و «حزب الله» عندما سيطرا على تلة موسى في راس المعرة السورية، ومنها أحكما سيطرتهما على شميس الحمرا ومجر الحمرا ومرد غازي وضهور الكشك ووادي أبو ضاهر وصولاً إلى وادي الديب الذي يقع على أطراف سهل الرهوة (العرسالي) وهو من أعلى المناطق في جرد عرسال، ويقع على حدود تلة موسى والخشعات وجرد نحلة طبعا.
والجدير ذكره أن وادي الديب هو كناية عن واديين ملتصقين: الأول، يمتد باتجاه عين سيق التي يسيطر عليها «الحزب» في الجرد الأوسط، والثاني يمتد من مدخل وادي الديب من الأعلى حتى وادي أبو ضاهر ومشرع العبد (وهي مناطق عرسالية أيضاً).
وحتى يحكم «حزب الله» سيطرته الكاملة على سهل الرهوة من ناحية الجنوب يجب عليه السيطرة أيضاً على جوار النقار (ارتفاعه 1850 مترا عن سطح البحر وهو يعلو الرهوة بنحو 500 متر).
وتحكم منطقة جوار النقار مساحة واسعة جداً تشمل كامل سهل الرهوة مع تلة تلاجة البريج. ويقع جوار النقار بين وادي الديب، وهو من جهة الجرد الأعلى، وبين وادي الزروب الذي يقع غرب الرهوة، وقد أعلن «حزب الله»، أمس، تقدمه نحو الزروب.
وتمنح السيطرة على ثلاجة البريج، والتي لم تكن قد حسمت أمس، إشراف عناصر “حزب الله” مباشرة على الرهوة (جنوب شرق) من جهة، وعلى وادي الحقبان من ناحية الشرق وهي منطقة استراتيجية.
وتكمن أهمية السيطرة على وادي الحقبان في اتصاله المباشر بوادي الخيل الذي تتمركز فيه «النصرة» وقياداتها وأبرزها أميرها في القلمون ابو مالك التلي.. وتعتبر جغرافية تلة وادي الحقبان على الحدود مع فليطا السورية صعبة عسكرياً كونها غنية بالمغاور والصخور وتطل على رأس وادي الخيل مباشرة، وتكشفه وتسهل السيطرة عليه.
وينتهي سهل الرهوة الذي يتحكم به «حزب الله» بالنيران، عند شمال غرب عرسال حيث يسيطر عليه الجيش اللبناني بالنار أيضاً من نقاط تمركزه في حقاب الحيات في منطقة المجر جنوب عقبة الجرد في مرتفعات عرسال البلدة.
ويقدر أحد الخبراء العسكريين سقوط نحو 35 في المئة من المناطق التي تسيطر عليها «النصرة» في جرد عرسال بيد «حزب الله»، ونحو 45 في المئة منها إذا احتسبت سيطرته ايضاً بالنيران على كامل منطقة واديي الرعيان والصَورة التي يمسك الجيش بأطرافها من سرج حسان.
إلى ذلك، أكد رئيس بلدية عرسال علي الحجيري لصحيفة ”الشرق الأوسط” اندلاع مواجهات في جرود البلدة وعلى الحدود اللبنانية – السورية متحدثا عن سماع دوي المعارك في وسط بلدة عرسال نفسها، وصف الوضع بـ”غير المطمئن”.
وشدّد الحجيري على استحالة فصل عرسال عن جرودها، ولفت إلى أن “دخول حزب الله إلى الجرود يعني دخوله إلى البلدة… ونحن سننتظر حتى ساعات الصباح لتبيان مجرى الأمور كي يكون لنا الموقف المناسب بحينها”.
ونفى مدير “مكتب القلمون الإعلامي” ثائر القلموني تحقيق الحزب أي تقدّم في جرود عرسال، وأشار إلى أن “المنطقة شهدت معارك متقطعة صباح يوم الأربعاء استمرت حتى ساعات الظهر لكن الحزب لم ينجح بالسيطرة على أي نقاط”.
ولفت القلموني في حديث لـ”الشرق الأوسط” إلى أن “حزب الله يعلن سيطرته على تلال ونقاط ليست موجودة فعليا على الأرض في جرود القلمون، ويقول إنه سيطر على عدة تلال في جرود عرسال ليصنع انتصارًا إعلاميا بعد هجوم (جيش الفتح) أول من أمس على مواقعه ومقتل 15 عنصر من ميليشياته”. ثم أضاف: “الأوضاع بخير في جبال القلمون ولا يوجد أي تقدم لحزب الله”.