بغضّ النظر عمّا سيُقرّره مجلس الوزراء اليوم في شأن ملفَّي عرسال وجرودها والتعيينات العسكريّة والأمنيّة، فإنَّ ثمّة انطباعٌ بأنَّ الوضع في الجرود العرساليّة بدأت تشهد تطوُّرات يُتوَقَّع أن تغير الواقع على الارض.
بدا من الاتّصالات والمواقف أنَّ ثمّة فصلاً قد حصَل بينَ الوضع في بلدة عرسال وجُرودها، وتُنتظَر ترجمة هذا الفصل عمَليّاً في قابل الأيّام، فما تشهدُه الجرود من معارك بينَ “حزب الله” ومُسلّحي التنظيمات المُتطرّفة، دلَّ في ما برَزَ من وقائع أمس، إلى أنَّ القضمَ التدريجيّ لتلال هذه الجرود ووديانها، والذي يُمارسه مُقاتلو “الحزب”، قد بلَغَ مراحله النهائيّة، ما سيُقفِل الجبهة المفتوحة هناك منذ نحو سنتين، والتي هدَّدت أمن المدن والقرى والبلدات اللبنانيّة مراراً.
وفي هذا السياق، يقول مصدرٌ سياسيّ لصحيفة “الجمهورية” إنَّ “حزب الله” لم يَكُن يُفكِّر يوماً، ولا يُفكّر حاليّاً، في خوض معركة في عرسال، حتّى إذا لجأ مُسلّحو “جبهة النُصرة” و”داعش” إليها. فـ”الحزب” يعتبر أنَّ الجيش قادرٌ على ضبط أمنها، أمّا الجرود فهيَ شأنٌ آخَر، إذ إنَّ المُسلّحين احتلّوها وجعلوها منصّةً لتهديد المناطق اللبنانيّة، بما فيها عرسال، مُستغلّين وجود الكَمّ الكبير من النازحين لممارسة هذا التهديد، ولذلكَ يُركّز “الحزب” على إعادة هذه الجرود إلى السيادة اللبنانيّة، في جُهدٍ يتكامل وجهودَ الجيش.
ويستغرب المصدر نفسه، كيفَ أنَّ البعض يُحاول الربط بينَ جرود عرسال والبلدة، موحياً وكأنَّ الحزب ذاهبٌ إلى خوض مواجهة مذهبيّة في عرسال، وهوَ أمرٌ لطالما تحاشاه، ليسَ في هذه المنطقة فحسب، بل في كُلّ المناطق اللبنانيّة، لأنّه يعتبر أنَّ معركته هيَ مع القوى التكفيريّة، وليسَ مع أبناء الطائفة السُنّية في أيّ مكانٍ من لبنان أو خارجه.
علماً أنّ البعض يستثمر هذا الربط سياسيّاً، في موقفٍ يُظهره، من حيثُ يدري أو لا يدري، في موقع المُدافع عن المُسلّحين المتطرّفين، الذين يُهدّدون أمن جميع اللبنانيّين وليسَ طائفة في حَدّ ذاتها.
لذلكَ، لا يستبعد المصدر اتّخاذَ مجلس الوزراء موقفاً مَرِناً، بحيث يُشدّد على التفويض المُعطى للجيش بضمان أمن عرسال وجوارها، ويدعو إلى تحرير جرودها من المسلّحين في اعتبارها أراضٍ لبنانيّة مُحتلّة، باعتراف وزير الداخليّة نهاد المشنوق وجميع القوى السياسيّة.
أمّا مسألة الربط بينَ عرسال وملفّ التعيينات الأمنيّة والعسكريّة، فإنَّ البعض يجده غير منطقيّ، أوّلاً لأنّ أوانَ البحث في تعيين قائدٍ جديد للجيش، فيما هذا الجيش يُواجه الإرهاب في منطقة عرسال وسواها من المناطق اللبنانيّة، ليسَ في أوانه بعد، إذ إنَّ مُجرَّد طرح هذا الموضوع في هذا التوقيت من شأنه التأثير في معنويّات المؤسّسة العسكريّة التي هي أحوج أكثرَ من أي وقت مضى إلى مزيد من الالتفاف الشعبيّ والدعم بكُلّ الوسائل لكي تنجح في مهمّتها.
ولذلكَ، فإنَّ هذا الملفّ سيُرحَّل إلى أوانه في أيلول المقبل، بدليل ما قاله الرئيس سعد الحريري من جدّة، من أنَّ الأولويّة حاليّاً هي لانتخاب رئيس للجمهوريّة، وليسَ لتعيين قائدٍ للجيش.
وربّما لن يَروق هذا التدبير لتكتّل “التغيير والإصلاح”، خصوصاً إذا مُدِّدَت ولاية المُدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، لكنَّ أقصى ما يُمكن التكتُّل فِعله في هذه الحال، هو المُشاكسة، وفي أحسَن الحالات مُقاطعة بعض جلسات مجلس الوزراء، ما قد يدفع رئيس الحكومة تمّام سلام إلى التقليل من عقد هذه الجلسات، بحيثُ لا يدعو إلى جلسة، إلّا بعض ضمان انعقادها شكلاً ومضموناً، الأمر الذي يحولُ دونَ الفراغ الحكوميّ وتحوُّل الحكومة “حكومةَ تصريف أعمال”، علماً أنَّ حديث الحريري عن أولويّة انتخاب رئيس وَلّدت في الأوساط السياسيّة تفاؤلاً بأن يحصل هذا الانتخاب في أيلول المقبل أو قبيله، موعد انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي المُمَدّدة.