ماذا سيحدث لليونان؟ لا أحد يعرف. هذا لا يعني أن لا أحد يهتم بالموضوع. بل على العكس، يهتم الناس بحماس، في اتجاهات متعارضة تماما.
على كلا الجانبين، هنالك مشاركون مصممون على عدم التنازل. هذا المأزق يوضح مدى حماقة إيجاد اتحاد للعملة بين دول ذات سيادة، وتفتقر إلى مؤسسات سياسية مشتركة، أو روابط عاطفية قوية، أو أوجه شبه اقتصادية قوية. إن الزواج أمر مروع، لكن الانفصال أمر مخيف.
تقف اليونان الآن على شفا الإعسار، فهي مدينة بمبلغ 1.5 مليار يورو لصندوق النقد الدولي هذا الشهر، ومبلغ آخر مقداره 452 مليون يورو لصندوق النقد الدولي و3.5 مليار يورو للبنك المركزي الأوروبي الشهر المقبل، ومبلغ 176 مليون يورو لصندوق النقد الدولي و3.2 مليار يورو للبنك المركزي الأوروبي في آب (أغسطس) المقبل.
من دون التوصل إلى اتفاق مع بقية منطقة اليورو للإفراج عن 7.2 مليار يورو من الأموال المتبقية من اتفاقية الإنقاذ الخاصة بها، ستكون أثينا مضطرة للوصول إلى حالة الإعسار. لا يوجد لها أي مصدر آخر للحصول على المال. حيث إن قدرتها على الوصول إلى الأسواق باتت مغلقة.
في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق مع منطقة اليورو، ستكون اليونان في حالة إعسار. عندها قد يعيد البنك المركزي الأوروبي النظر في مقبولية المطالبات على الحكومة (سواء أكانت مطلوبات مباشرة أم ضمانات) كضمان لقروضها من المصارف.
من المؤكد أنه سيتم رفع مبالغ الخصميات بشكل حاد. قد يجد البنك المركزي الأوروبي الأمر صعبا بشكل خاص، بأن يقرض مقابل ضمانات قدمتها الحكومة التي وصلت إلى حالة إعسار بحد ذاتها.
إن معرفة أن الإعسار بات أمرا وشيكا عمل منذ الآن على تسريع تدافع العملاء لسحب أرصدتهم من المصارف اليونانية. لذلك، من دون التوصل إلى اتفاق، ستكون المصارف مضطرة قريبا إلى وقف عمليات السحب.
إن الموسيقى المزاجية الآتية من أؤلئك المنخرطين في تلك المناقشات هي عبارة عن موسيقى متنافرة للغاية. اتهم رئيس وزراء اليونان، أليكسيز تسيبراس، مراقبي الإنقاذ بتقديم مطالب سخيفة. على الجانب الآخر هنالك الأشخاص المصممون أيضا على عدم منح الامتيازات، في مقدمتهم حكومات الدول الأعضاء العالقة في التزامات قاسية أو أنها في وضع أسوأ من اليونان. في الوقت نفسه، على الهامش، هنالك جاك ليو، وزير الخزانة الأمريكي، الذي يلتمس المرونة، خوفا من عواقب اضطراب آخر.
ليس من الصعب أن نرى لماذا كان التوصل إلى اتفاق أمرا صعبا إلى حد كبير. كما يلاحظ بنك جولدمان ساكس، تتفاوض السلطات الأوروبية على أساس مبادئ ثلاثة: أولها، أن البقاء في منطقة اليورو يتطلب مزيدا من التكيف الاقتصادي من قبل اليونان، وثانيا، أن الدعم الإضافي يجب أن يكون مشروطا، وثالثا، أن الرقابة الخارجية مطلوبة لضمان الامتثال لتلك الشروط.
مع ذلك، تم انتخاب الحكومة اليونانية على وعد بالبقاء في منطقة اليورو، لكن دون تقشف أو تكيف أو رقابة خارجية. إلا أنه لا يمكن التوفيق بين تلك المواقف.
إما أن يستسلم واحد من الأطراف أو تصل اليونان لحالة الإعسار. فيما لو وصلت، ستكون لديها جولة ثانية من القرارات التي عليها التوصل إليها: وهي فيما إذا كانت ستحاول البقاء داخل منطقة اليورو، حتى من دون وجود مصارف عاملة بشكل طبيعي.
إن التوصل إلى اتفاق ليس أمرا مستحيلا من حيث المبدأ. في حين ستصر منطقة اليورو على وجود شروط مراقبة، ستكون لديها بعض المرونة بشأن الشروط التي ستصر عليها، لكن اليونان تعتبر متراجعا بشكل تسلسلي.
يبدو البعض – كحكومة إسبانيا، على سبيل المثال – في حالة من الهلع بأن التنازلات قد تعزز مصداقية المتطرفين المحليين. لذلك، فإن كلا من الثقة والتسامح قد استنفدا. في الوقت نفسه، قد تضطر الحكومة اليونانية الحالية للانهيار وتشكيل حكومة جديدة قبل أن يقدم البلد التنازلات.
لذا ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ على افتراض أن التوصل إلى اتفاق لن يتحقق قبل الثانية الأخيرة، إذا جاز التعبير، فإن الحكومة اليونانية ستصاب بالإعسار، على الأقل من الناحية الفنية، وبهذا ستزداد كثافة ضغط السيولة على الاقتصاد (وسيتعمق الركود).
الوضع المالي العام – الضعيف حاليا بسبب التزامات الإنفاق وانخفاض الإيرادات والضعف الذي يصيب الاقتصاد – قد يزداد تدهورا. هذا العام، قد تحوي الموازنة المالية الأولية (قبل الفائدة) عجزا بنحو 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أسوأ من توقعات صندوق النقد الدولي في نيسان (إبريل) الماضي.
وثمة سؤال مهم هنا ألا وهو كيفية استدامة الاقتصاد إلى حين التوصل إلى اتفاقيات جديدة أو تخلي اليونانيين عن اليورو. يشير آدم ليريك من معهد المشاريع الأمريكي إلى كيف أنه يمكن الحفاظ على السيولة حتى لو كانت المصارف مغلقة.
في إطار هذا المخطط، قد يكون الناس قادرين على استخدام المطالبات على الودائع، وأن يُطلَق عليها “إيصالات الإيداع”، مكان العملة الورقية والمعدنية لليورو التي لن يكونوا قادرين بعد ذلك على الحصول عليها من مصارفهم.
هذا قد يحافظ على الإنفاق في مثل هذا الاقتصاد المعتمد على النقدية. يمكن أن يتم تعيين إيصالات الإيداع تلك كعملة قانونية. لذلك، فإن تلك الإيصالات قد تكون داخل اليونان بمنزلة مال.
بموجب هذا المقترح، سيكون هنالك حد على الإصدار، ذلك لأن الإيصالات قد تكون مدعومة بالودائع الموجودة، واحدة بواحدة. لا يزال يتعين على اليونانيين إجراء مدفوعات خارجية باليورو. قد تطفو قيمة تلك الإيصالات – كنوع من اليورو الخاص باليونانيين – مقابل اليورو في الوقت الذي يرتفع فيه الطلب وينخفض على الأخيرة.
مثل هذا البرنامج قد يساعد في التخفيف عن الاقتصاد اليوناني ضد حدوث انهيار تام. كما يمكن أن يكون بمنزلة تمهيد لانسحاب كامل، فيما لو لم يتم التوصل إلى اتفاق قابل للنجاح. نظرا للمأزق السياسي الحالي، فإن مثل هذه الوسيلة قد تكون لازمة قريبا.
لقد كانت وجهة نظري منذ أمد بعيد هي أنه في حال تم التوصل إلى اتفاق، فإن ذلك سيستغرق وقتا. وسيتطلب أيضا تنازلات كبيرة من كلا الجانبين.
أعتقد أن التوصل إلى اتفاق ينبغي أن يكون أمرا ممكنا من حيث المبدأ. إنه من الصعب أيضا المبالغة في أهمية الخروج من اليورو- حتى لدولة صغيرة الحجم ومزعجة كاليونان- بالنسبة لمشروع اليورو (مهما كان مضللا) وكذلك مرحلة التكامل الأوروبي لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
بمجرد أن يظهر اليورو قابلا للعكس، فإن القوى الاقتصادية المحركة للتكامل ستنعكس. ومن المحتمل أن تصبح كل أزمة أمرا مميتا. الجهود التي يبذلها البنك المركزي الأوروبي للقضاء على مخاطر الخروج من اليورو، ستكون تقريبا بمنزلة الهباء المنثور.
ينبغي أن ينظر إلى هذا على أنه لعبة طويلة. وجميع المشاركين فيها يرتكبون أخطاء كبيرة خلال الفترة التي سبقت الأزمة اليونانية، ومرة أخرى منذ ذلك الحين.
إن احتمال الفشل الآن قد يكون في ارتكاب مزيد من الأخطاء، وإضافتها على الأخطاء السابقة. يحتاجون بدلا من ذلك إلى التعرف على أخطاء الماضي المذكورة والتعلم منها.