بات طريق البحث عن بنوك ومؤسسات خارجية تقبل بمنح قروض ضخمة مفتوحاً أمام حكومة إقليم كردستان العراق (شمال)، بعد إقرار البرلمان المحلي قانوناً يسمح لها بذلك، رغم اعتراضات وانتقادات حادة من الكتل البرلمانية الإسلامية لهذا التوجه.
وذكر برلمان كردستان العراق في بيان تلقت “العربي الجديد” نسخة منه، إن قانوناً جديداً لاستقطاب الأموال عن طريق الاقتراض في الإقليم، قدمته الحكومة، تمت المصادقة عليه بأغلبية الأصوات، في جلسة اعتيادية اختتمت عصر أول أمس.
وصادق البرلمان على مشروع القانون وسط جدل واعتراض من نواب ثلاث كتل إسلامية، هي الاتحاد الإسلامي، الجماعة الإسلامية، الحركة الإسلامية، وقد خرج نواب تلك الكتل، ولم يشاركوا في عملية التصويت على القانون التي انتهت بموافقة 53 نائبا مقابل رفض 25 للمشروع.
ويتضمن القانون السماح لحكومة الإقليم بالذهاب للاقتراض من المصادر الخارجية، وتم تحديد سقفه عند مبلغ 5 مليارات دولار أميركي، ويوضح كيفية توزيع المبلغ على المشاريع وطريقة الاقتراض وكيفية إعادة الأموال.
وحسب القانون، يتم تشكيل لجنة من رئيس مجلس الوزراء ونائبه ووزير المالية ووزراء آخرين، كما تم تحديد مسؤولياتهم في علمية الاقتراض والطريقة التي يتعامل بها لصالح المقترضين، ونص القانون على تشكيل قسم خاص في وزارة المالية لإدارة شؤون الملف الخاص بالافتراس، والمشاريع التي يجب منحها الأموال ومنها تجديد البنية التحتية للإقليم.
وفي نفس الوقت الذي تبرر فيه الحكومة أهمية الاقتراض لمواجهة الأزمة المالية التي تضربالإقليم، وجه أعضاء الكتل الإسلامية انتقادات حادة للتوجه نحو الاقتراض.
وقال النائب عن كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني، أبو بكر هلدني، عقب التصويت لصالح القرض، إن “إقليم كردستان سيواجه أزمة أخرى نتيجة الاقتراض”.
وتابع، “كانت عوائد إقليم كردستان منذ عام 2003 وحتى الآن نحو 100 مليار دولار، في وقت لا يمكن مقارنة وضع البنية التحتية في الإقليم بحجم تلك العائدات، النظام الإداري في الإقليم غير مكتمل، ولن يفيده اقتراض 5 مليارات دولار أو حتى عشرات المليارات حيث ستذهب سدى”.
وأضاف هلدني أن “ما تحدث به وزير مالية الإقليم، محمد حملان، أثناء الجلسة البرلمانية يجعلنا نقاطع القانون ولا نصوت عليه، حيث قال إن مبلغ الاقتراض سيذهب لإكمال المشاريع المتوقفة، ولم يوضح لنا أين ذهبت تخصيصات المشاريع للأعوام الماضية؟ برأينا إن الإقليم ليس بحاجة للاقتراض قدر حاجته إلى إيقاف الهدر الناجم عن الفساد الذي يودي بعائدات الإقليم”.
وقال “لا نريد أن يتضرر شعبنا نتيجة هذا القرض وإعادة سداده، ونرفض هذا القانون وتتحمل الكتل التي صادقت عليه المسؤولية التاريخية”.
ومن جانبه أكد المحلل الاقتصادي وسكرتير نقابة الاقتصاديين في كردستان، شمال نوري، لـ “العربي الجديد”، أن أحد دوافع الاقتراض يتمثل في تراكم الالتزامات المالية إزاء المقاولين، والشركات التي توفر بعض الخدمات الأساسية، مثل الكهرباء والمحروقات”.
وأوضح أن الشركات الخاصة هي التي تولد الكهرباء وتنتج المشتقات النفطية وتبيعها عن طريق الحكومة للمواطنين، وهنا تتحمل الحكومة التزامات مالية إزاءها، وهناك شركات نفطية تعمل في الإقليم لها مستحقات عن إنتاج النفط.
وقال “لكن السبب الرئيسي الذي يجبر حكومة الإقليم على الاقتراض هو قطع بغداد كل أشكال التمويل المالي عن الإقليم طيلة عام 2014 ثم تقليل المستحقات بنسبة كبيرة خلال العام الحالي؛ وهو ما أدى إلى تراكم الالتزامات المالية”.
وكانت خلافات حادة نشبت بين حكومة الإقليم ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي حول مستحقات كردستان المالية في الموازنة، إلا أنها خفت حدتها في عهد رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
وبدأ الإقليم بعد اتفاق ثنائي في ديسمبر/كانون الأول 2014 بتسليم كميات من إنتاجه النفطي لشركة تسويق النفط العراقي، وأخذت حكومة بغداد بسداد دفعات مالية خففت بشكل جزئي من ضائقة الإقليم المالية، لكن ما تدفعه بغداد لا يكفي حتى لسداد رواتب موظفي الإقليم، حسب حكومة كردستان.
ورأى نوري أن “الاقتراض يظل خياراً سلبياً، لأنه سيضعف مكانة الإقليم اقتصادياً، وسيدخله في دوامة الاقتراض الدائم لدفع تراكم الفائدة”.
وقال رئيس لجنة الصناعة والطاقة والثروات الطبيعية في برلمان كردستان، شيركو جودت، فيمداخلة أثناء مشاركته بالجلسة، إن “مبلغ الفائدة المتراكم سيضاعف مبلغ القرض خلال سنوات قليلة في الوقت الذي نحن ننتظر عائدات المشروع الذي سيموله القرض”.
وأضاف “أن هناك 4 أسس تدعم الاقتراض؛ وهي غير متوفرة حالياً في كردستان، وهي إجراء الإصلاحات الإدارية، ووضع نظام استثماري فعال وناجح، وتشديد الرقابة على الفساد، واستقلالية القضاء، وهي التي يجب أن تؤمن الجدوى من القروض”، مشيراً إلى أن حكومة كردستان سبق لها أن اقترضت حتى في ظل عدم وجود قانون من البرلمان.
في السياق ذاته، قال البرلمان عن كتلة الاتحاد الإسلامي، حاجي كاروان، في تصريح صحافي عقب المصادقة على القانون، إن الاقتراض الخارجي “حرام وسيخلف أضراراً كبيرة، ويجب رفض القانون لأنه يخالف التنمية الاقتصادية، وسيترك أعباءً كبيرة على الاقتصاد، وهو ضد مبادئ الإسلام”.
وسبق لحكومة كردستان أن تلقت قرضين بقيمة 500 مليون دولار لكل منهما من تركيا، إضافة إلى مبالغ اقترضتها من شركات محلية لتسديد العجز المالي الذي خلفه قيام حكومة بغداد ابتداء من مطلع 2014 بقطع ميزانية الإقليم.
وتباحثت حكومة كردستان العام الماضي مع بنوك من تركيا وبريطانيا بهدف إقناعها بمنح قروض للإقليم، ولم تصدر الحكومة توضيحات بشأن نتائج تلك المحادثات.