روعة الرفاعي
بالرغم من كل حملات القضاء على الفساد والتي تنظمها وزارة الصحة منذ فترة طويلة، إلا ان الجولة في سوق العطارين لا يمكنها أن تتكلل إلا بنظرات الاشمئزاز من مناظر اللحوم والأسماك التي كانت ولا تزال تنتشر على الأرصفة بطريقة عشوائية دون حسيب أو رقيب، مما يوحي وبما لا يقبل الشك بأن «حملات القضاء على الفساد» لم يتسنَّ لها المرور في هذا السوق.
هو سوق «الفقير» كما يُعرّف عنه المواطن، لذا فان الروائح تنتشر فيه، ومناظر اللحوم المبرّدة في بعض المحلات تقضي على كل مكامن الجوع، بالكاد يمكنك أن تقف أمام هذه المحلات والتي يهرع أصحابها إليك ليقفوا في وجه الكاميرا رافضين التصوير، وإذا ما سألتهم عن نوعية اللحوم المتواجودة في محلاتهم يقولون: المراقبة تتم بشكل مستمر وكل شيء قانوني في السوق، ولا يحق لكم التصوير أو تشويه الحقيقة، وهنا يتبادر للذهن إذا كانت وزارة الصحة قد مرَّت بالفعل أمام هذا المنظر وتركته بسلام؟ بالطبع التاجر يستفيد من حالة الفقر والتي تنهش بالغالبية العظمى من أبناء المدينة في الأحياء الشعبية، وكل الدلائل تشير الى أن بيع اللحوم المبرّدة يشهد إقبالاً كثيفاً بعكس اللحوم الطازجة، والتاجر فيها يحقق أرباحاً طائلة.
في الدول التي تهتم بشؤون المواطن فان لإدخال اللحوم المبرّدة طريقة معينة لجهة المراقبة وطريقة التبريد التي تخضع لها، وفي أسوأ الأحوال فان رميها في الشارع كما هو حاصل في سوق العطارين «أمر مرفوض» حيث تبقى عرضة لأشعة الشمس والذباب وشتى أنواع الأوساخ لحين يأتي المواطن فيشتريها، كل ذلك والهجمة على الفساد تبقى العنوان العريض للمرحلة الراهنة، ليبقى السؤال المطروح عن اي فساد يتحدثون؟ وان كانت الجدّية هي التي ترافق أعمال المعنيين في وزارة الصحة فما هو مصير سوق العطارين؟
هذا بالنسبة للحوم المبرّدة والتي يختارها المواطن بحرّية، فماذا عن الغش الذي يتبعه بعض التجار بحق الزبائن لجهة مزج اللحوم الطازجة مع المبرّدة دون دراية من المواطن والذي يظن خاطئاً بأنه يتناول اللحوم الطازجة، فمن الجهة المخوّلة بكشف هذا الموضوع؟!
أي جواب لا يمكنه أن ينهي التساؤلات كون مكتب الصحة في الشمال لا يمكنه الإدلاء بأي تصريح بناء لقرار نظام الموظفين الصادر بمرسوم 112/59 المادة 14 و15 والذي يمنعهم من الإدلاء بأي تصريح للإعلام، إلا ان مصدرا طبيا مطّلع أكد على أن هناك شوائب كبيرة في قضية الرقابة على اللحوم وكل المواد الغذائية بيد انه لا يمكن الإشارة لها خوفاً من الملاحقة، مشدداً المصدر على أن الرقابة الحقيقية لا تتم، وبرأيه أن المواطن هو المعني الأول والأخير في الحفاظ على سلامته من خلال الابتعاد عن كل ما يمكن أن يعرّض حياته للخطر.
إنطلاقاً من هذا الواقع يمكن التأكيد على أن من يجول في الأسواق الداخلية والتي كانت في السابق تستقطب العديد من الزبائن حتى من خارج المدينة اليوم وفي ظل الفوضى المستشرية لا يمكنه العودة إليها، وبهذه الطريقة فان التاجر الذي يجاهد في سبيل الحفاظ على النظافة داخل محله وبضائعه سيكون مصيره كما مصير غيره من التجار كون «الفوضى لا تجرّ إلا الفوضى» وهذا بالفعل ما يؤكد عليه الجميع ممن لم يعد بمقدورهم رفع الصوت عالياً، بعدما ملّوا من كل الاهمال الحاصل.
الرأي المسؤول
{ طبيب القضاء الدكتور نبيل زغلول أكد على أن حملات الرقابة تتم بشكل مستمر وتتخذ القرارات بحق المخالفين، بيد ان ما يجري غير كافٍ في ظل الازدياد الحاصل والفوضى المستشرية داخل الأسواق، مؤكداً على أنها مسؤولية مشتركة بين الوزارات المعنية والبلديات التي لا تولي هذا الجانب أي اهتمام.
ورداً على سؤال يقول: نحن نقوم بما علينا وعلى المواطن أن يكون خفيراً على صحته، فيبتعد عن كل ما يمكن أن يتهدد سلامته لحين يقضي الله أمراً كان مفعولا.
.. والرأي الآخر
{ محمد علي برغل، صاحب ملحمة في سوق العطارين، قال: طبعاً المحلات منتشرة في كل مكان، واللحوم المبرّدة تباع للمواطن من دون أي حسيب أو رقيب، وليس صحيحاً ما يقال بأن هناك هجمة للقضاء على الفساد والذي لم يزل مستشرياً في كل مكان.
ورداً على سؤال يقول: هناك من يبيع كيلو اللحوم المبرّدة بـ 5000 ومنهم من يبيعها بـ 7000 وفي كل الأحوال المواطن الفقير يريد أن يأكل.
وعن اللحوم التي تدخل المحلات يقول: نحن نذبح في المسلخ المؤقت وهناك رقابة من قبل الحكيم والبلدية، واللحوم عندنا مدموغة من قبلهم وباستمرار هناك من يزور المحل من قبل وزارة الصحة.
وعن الغش الموجود يشير الى ان هناك الكثير ممن يلجأون الى خلط اللحوم المبرّدة مع اللحوم الطازجة ويبيعونها على هذا الأساس والمواطن يظن أنه يحافظ على صحته، بيد ان الحقيقة عكس ذلك في ظل الفوضى المستشرية.
{ خالد العبدالله، صاحب مسمكة، قال: كل اللحوم المبرّدة تخضع للرقابة اللازمة ونحن لا نسعى الى غش المواطن، قد يكون هناك لحوم مبرّدة لا تخضع للشروط المطلوبة لجهة التبريد وهنا فان المواطن معني بالمتابعة، والمحلات التي تبيع هذا النوع من اللحوم معروفة من الجميع لكننا لا نعرف لما لا يتم اقفالها من قبل وزارة الصحة؟!
وعن وضع الأسواق يقول: طبعاً سوق العطارين بالتحديد يختاج الى الرعاية من قبل البلدية بيد اننا لا نلمس اهتماماً أقلّه على صعيد رفع النفايات التي تتراكم أمام المحلات وفي النهاية فان المناظر تنعكس سلباً على السوق والذي لم يعد الناس ليزورونه كما في السابق.
المواطن بدوره يهرب من أسعار اللحوم الطازجة والتي لا يملك القدرة على شرائها ليشتري اللحوم المبرّدة كلما «هفَّت نفسه عليها» كما تقول الحاجة أم زياد: ماذا بمقدور المواطن الفقير أن يفعل؟ و5000 قد يكون بالإمكان تأمينها بغية شراء ما يمكن أن يسد جوع أبنائه.
ورداً على سؤال قالت: طبعاً إذا أقفلوا محلات اللحوم المبرّدة لا يعود بإمكاننا شراء اللحوم.
وعما إذا كانوا قد تعرّضوا لأي نوع من أنواع التسمم، تقول: الله الحامي (يا ابنتي) نحن نعيش بفضله وكرمه وهو الذي يتلطف بنا وبأولادنا.
{ من جهته، المواطن عامر يقول: طبعاً لا أشتري اللحوم المبرّدة لكن ان قام صاحب الملحمة بدمج اللحوم الطازجة مع المبرّدة وهذا بالفعل ما يحصل ماذا بمقدورنا أن نفعل؟
وأشار الى وضع سوق العطارين مؤكداً على أن الرقابة لم تمر به، ولوكان ذلك موجوداً لما شاهدنا السوق على هذا الوضع المزري، بالكاد يمكننا المرور به.
وتتساءل الحاجة أم محمود عن وضع الفقير في هذا البلد؟ وتقول: كيف سنتوقف عن أكل اللحوم المبرّدة؟ ونحن لا نملك ثمن اللحوم الظازجة!! وهل كُتب علينا أن ننحرم منها؟!
سوق العطارين هو سوق «الفقير» وهو يلبّي حاجتنا، برأيي ان الدولة هي المعنية بمتابعة أوضاعنا كمواطنين، لا مهرب لنا من شراء اللحوم المبرّدة.
{ المواطن جلال درويش أكد على أن الأسواق تظفر بالمواد الفاسدة فأين وزارة الصحة منها؟ وهل ان حملات القضاء على الفساد جدّية من قبلها؟ المواطن الفقير يأكل اللحوم الفاسدة يومياً، تارة يصاب وتارة ينجو وفي كل الأحوال يبقى المتضرر الأكبر من كل ما يتعرّض له من اهمال.
ورداً على سؤال يقول: إذا توقف المواطن الفقير عن شراء اللحم الفاسد والسمك المبرّد والخضار الملوثة فماذا سيأكل؟! الدولة معنية بالقضاء على «الفساد»، يعني معنية بالقضاء على «نفسها» كونها الفاسد الأكبر.