Site icon IMLebanon

خفض معدلات الجوع.. نجاح لبناني وفشل دولي

FAOLebanon
خضر حسان
لم تستطع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اللحاق بدول “أمريكا اللاتينية وغرب أفريقيا وجزء كبير من بلدان آسيا”، لجهة خفض معدل انتشار نقص التغذية. فتلك الدول سجلت تراجعاً في معدل انتشار نقص التغذية، منذ العام 1990 حتى العام الحالي، من 23.4% الى 12.9%، وذلك بحسب أحدث تقرير “حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم 2015” الذي أصدرته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبرنامج الأغذية العالمي الأسبوع الماضي.
ووفق ما جاء في التقرير الإقليمي عن حالة الانعدام الامن الغذائي في الشرق الادنى وشمال افريقيا، والذي أطلقه ممثل الفاو في لبنان موريس سعادة، ونائب مدير مكتب برنامج الاغذية العالمي في لبنان، عيسى سانوغو، صباح اليوم، خلال مؤتمر صحافي عقد في بيروت، يعود سبب الفشل الى “الأزمات والصراعات طويلة الأمد”. ونقل التقرير عن المدير العام المساعد للفاو والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا، عبد السلام ولد أحمد، قوله انه “خلال الاعوام القليلة الماضية، شهد 12 بلداً في المنطقة شكلاً واحداً من عدم الاستقرار على الأقل، بما في ذلك الاضطرابات المدنية، الحروب والازمات طويلة الامد”.
غير أنّ الفاو دعت الى عدم التوقف عند الفشل، والتطلّع الى “التقدم الذي أحرزته معظم البلدان”. فإستناداً الى التقرير، هناك “15 بلداً من أصل 19 بلداً حققت الهدف الانمائي للألفية، الخاص بالجوع، والقاضي بتقليص نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية الى النصف او أدنى من 5%”.
الإيجابيات التي تضمّنها التقرير، لا يمكن إعتبارها خطوة الى الأمام على طريق مكافحة الجوع في البلدان التي شملتها الأرقام، وهي الجزائر، البحرين، مصر، الجمهورية الاسلامية الايرانية، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، موريتانيا، المغرب، سلطنة عمان، قطر، السعودية، تونس، الامارات العربية المتحدة، بل هي في أحسن الأحوال، تجميل للصورة، لأن المعطيات الأخرى الصادرة عن الفاو نفسها، إضافة الى صوت الشارع والمشاهدات العيانية في تلك الدول، لا تشي بأي إيجابيات فعلية، ذات تأثير على حياة المواطنين.
فتقرير الفاو أكّد أنّ “عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية المزمن في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا قد تضاعف منذ عام 1990 ليبلغ حوالي 33 مليون نسمة في يومنا هذا. وأعلنت الفاو أن معدل انتشار نقص التغذية قد ارتفع من 6.6% الى 7.5% بحسب التقرير الاقليمي للمنظمة حول انعدام الأمن الغذائي”. وسجّل التقرير ان 6 ملايين شخص كانوا يعانون نقص التغذية في افريقيا الشمالية، بين العامين 1990-1992، وقد إرتفع العدد الى 7 ملايين شخص بين العامين 2005-2007، لينخفض الى 4.3 مليون بين العامين 2014-2016. أما في آسيا الغربية، فقد بلغ العدد 8.2 مليون شخص بين العامين 1990-1992، ليرتفع الى 18.9 مليون شخص بين العامين 2014-2016″، وأوضح التقرير ان “بيانات الفترة بين 2014-2016 تشير الى تقديرات مؤقتة قابلة للتعديل”.
لبنانياً، وبرغم الإنتكاسات التي توثقها الأرقام، تقول الفاو ان لبنان قد حقق نصيبه من “هدف الألفية الإنمائي”، بتقليص نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية الى 0.5% او أدنى من 5%، وهو المعدل الذي تعتمده الفاو في إحصاءاتها. ونجاح لبنان اعتمد على جملة من المعايير، منها انخفاض نسبة انتشار فقر الدم بين الأطفال دون سن الخامسة، من حوالي 40% في العام 1990 الى 24.2% في العام 2011. لكن التحديات اليومية التي يواجهها لبنان، قد تؤثر سلباً على المكتسبات التي حققها، ومن أهم التحديات، هي الأزمة السورية وتداعياتها. وبالاستناد الى التقرير، فإن “إجمالي الناتج المحلي الحقيقي إنخفض بنسبة 2.9% من النقاط في كل سنة من سنوات النزاع منذ العام 2012، ونتج عن ذلك خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات وآلاف فرص العمل الضائعة”.
في الحقيقة، ليست الأزمة السورية سوى حدثٍ مستجدٍ، برغم كل الثقل الذي أرخته على الإقتصاد اللبناني، وعلى الحياة الإجتماعية والسياسية. لكن ما يثير الغرابة، هو سبب تحقيق لبنان لذلك الهدف في ظل تراكم الدين العام وإرتفاع نسب البطالة والهجرة، إضافة الى إرتفاع وتيرة فضائح الفساد الغذائي بشكل يومي. مما يستدعي التساؤل حول معنى تقليص نسبة الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية، فهل المطلوب هو تسجيل أرقامٍ لأشخاص يملكون ما يأكلونه، دون ملاحظة نوعية ما يأكلونه، ومراقبة حالات التسمم الغذائي التي لا تتوفر حولها أي إحصاءات دقيقة؟ وهل تعلم الفاو ان شريحة كبيرة من اللبنانيين لا تشمل قائمة غذائهم اللحوم والدجاج على سبيل المثال؟
وهل اجتياز لبنان للإختبار، أخذ في الحسبان الأرقام التي أوردها رئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان، نقلاً عن احصائيات للبنك الدولي، تشير الى ان 625 ألف لبناني تحت خط الفقر، ومنهم 377 ألفاً تحت خط الفقر المدقع، أي بمدخول 2 دولار يومياً؟، وهل لحظ التقرير ان 63% من الفلسطينيين في لبنان هم تحت خط الفقر، وفق آخر دراسة أجرتها “الجامعة الأميركية” في بيروت بالتعاون مع “اﻷونروا”؟ حيث لا يمكن فصل الوضع المعيشي للفلسطينيين عن اللبنانيين لأنهم يتشاركون الحياة الإقتصادية نفسها.
من جهة أخرى، تعتمد التقارير الدولية على أرقام صادرة عن المؤسسات الرسمية للدولة، وهي بالتالي عرضة للتشكيك. فمن أين للوزارات اللبنانية كل تلك الأرقام الدقيقة التي تفيد الأمم المتحدة في إحصاءاتها، وهي التي لا تملك إحصاءات حول أبسط الأمور المعيشية؟، أمّا في حال اعتماد الإحصاءات على أرقام الجمعيات والمؤسسات التي “تتعهّد” عمل الإحصاءات، فهنا تبرز معضلة أخرى، وهي الدخول في بازار الإحصاءات العشوائية، والمدفوعة بأغلبها.
وبالتالي، فإن ما تتضمنه التقارير، سواء الصادرة عن الأمم المتحدة، أو المنظمات المالية العالمية، وبخاصة البنك الدولي وصندوق النقد، لا تشتمل على أرقام صحيحة.
أسئلة كثيرة لا تجيب عنها التقارير الدولية، لكن ما يمكن الاستفادة منه هو العمل على تنفيذ التوصيات، لأنها – بعيداً عن الأرقام – ضرورية لتطوير مسيرة التنمية. ومن هذه التوصيات، النقاط العشر التي ذكرها تقرير الفاو: “تخفيف الضغط السكاني، تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة، تحسين انتاجية أصحاب الحيزات الصغيرة، إستخدام الميزات النسبية للإقليم في بعض المحاصيل عالية القيمة، حث النمو في قطاع الثروة السمكية، إطلاق كل امكانيات اقتصاد الثروة الحيوانية، إصلاح نظم الحماية الإجتماعية، وضع التغذية في مركز جدول أعمال الأمن الغذائي، تخفيض نسبة التعرض لتقلبات أسواق الغذاء الدولية وتشجيع الإستجابة الجماعية من أجل مجابهة الأزمات والصدمات”.