فضل بن سعد البوعينين
أسقط مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية «سيب بلاتر» ودفعه إلى الاستقالة بعد أن ضيق عليه دائرة الاتهام بفساد مالي في «الفيفا»؛ وعمليات غسل أموال؛ ورشا تم دفعها للفوز بتنظيم بطولات كأس العالم. وجهت الاتهامات أولا إلى مجموعة من مسؤولي فيفا في سويسرا، ثم ألقي القبض عليهم بتهم تلقي رشاوى فاقت 150 مليون دولار أميركي؛ وعمليات غسيل الاموال.
«ديفيد كاميرون»؛ رئيس الوزراء البريطاني؛ طالب بلاتر بمغادرة منصبه قبل التصويت على إعادة انتخابه؛ إلا أن الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» دافع عنه، واتهم أميركا بالعمل على منع إعادة انتخابه رئيسا للفيفا. الفساد المالي في فيفا ليس وليد اللحظة بل ربما كان عملا منظما ومستشريا في المنظمة الدولية التي تسيطر على موارد مالية بمليارات الدولارات. وزيرة العدل الأمريكية «لوريتا لينش»، وصفت الفيفا بأنه «بؤرة للفساد المستشري في العالم».
قبيل الإنتخابات؛ طالبت الدول العربية بالاصطفاف خلف الأمير علي بن الحسين؛ وإعلان ترشيحهم رسميا؛ دعما له في المقام الأول؛ وتبرأ من إتهامات الفساد التي تحيط بـ «بلاتر» من كل جانب. كتبت مغردا عشية الاقتراع؛ « حتى لو فاز بلاتر. ملف الفساد سيقصيه خلال أشهر. تدخل أمريكا وفتحها ملف الفساد لن يتوقف عند المقبوض عليهم بل سيطال بلاتر وغيره». وهذا ما حدث بالفعل.
وسائل إعلام أمريكية أفادت يوم أمس بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي بدأ في التحقيق مع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم حول قضايا فساد طالت مسؤولين بارزين في الفيفا؛ وهو ما يبدو السبب الرئيس للإستقالة. السيد بلاتر كالزعيم العربي الفاسد الذي لا يكتفي بمكاسبه الضخمة ويرحل آمنا مطمئنا؛ بل يصر على الاستمرار والمقامرة حتى يفقد كل شيء؛ ويدمر إمبراطوريته.
رئيس اتحاد كرة القدم الإنجليزي «جريج دايك» وصف استقالة بلاتر بأنها «خدمة كبيرة لكرة القدم» وأكد على أنها جاءت بعد «إدراكه أن فضيحة الفساد التي تلف الفيفا قد بدأت تقترب منه». أعتقد أن ملف الفساد لن يتوقف عند الاتحاد الدولي لكرة القادم بل سيطال الاتحادات الأخرى؛ ومنها الاتحاد الآسيوي؛ وشخصيات سياسية.
قد تُعيد التحقيقات الجارية نبش ملفات استضافة كأس العالم لعامي 2018 و 2022 فالمؤشرات الأولية ترجح إمكانية سحب حق الاستضافة؛ وهو أمر وارد إن لم تحدث المقايضات. منذ اليوم الأول لإعلان الدول الفائزة باستضافة كأس العالم؛ لم يدخر «بلاتر» جهدا في استغلال أي شائعات حول سلامة ملف الاستضافة لتحقيق مكاسب خاصة. وكذلك فعلت الاستخبارات الأميركية التي استغلت ملف الاستضافة لأهداف محددة؛ وبعد أن حققتها؛ قلبت للفاسدين ظهر المجن.
كل ما يثار من معلومات حول عمليات فساد وغسل أموال في «فيفا»؛ كانت متاحة للاستخبارات الأميركية التي تحتفظ بملفات متكاملة عن غالبية القضايا المالية المتعارضة مع القانون الدولي؛ غير أنها تستمر في إخفائها؛ لتحقيق أهدافها؛ وبعد انتفاء الحاجة؛ تقوم بتحويلها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالية.
عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب جزء من منظومة الضغط التي تمارسها الاستخبارات الأميركية ضد الدول العربية على وجه الخصوص؛ وكل من تجرأ على تهديد مصالحها عالميا. قد لا تتردد في تمرير عمليات الفساد المالي؛ غير أنها تحتفظ بتلك العمليات كدليل إدانة للخصوم؛ تستخدمه متى شاءت. ما يحدث اليوم في الرياضة؛ يحدث أيضا في السياسة. فالدول الضليعة في تمويل الإرهاب؛ برضى الاستخبارات الأميركية ستكون تحت مقصلة القانون الدولي قريبا؛ متى انتهى دورهم المحدد في الخطط الإستراتيجية الأميركية.
مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية أشبه بالأخطبوط الذي تصل أطرافه جميع دول العالم. لا يمكن اتقاء شره إلا من خلال النزاهة التامة؛ وعدم الانقياد إلى صوت الشيطان المتلبس أجهزته الاستخباراتية؛ والذي يتحول بعد تحقيق الأهداف؛ إلى صوت القانون المطالب بتحقيق النزاهة ومعاقبة الفاسدين. من السخرية أن يتبوأ الفاسد مقعد القاضي المسؤول عن تحقيق العدالة وتكريس النزاهة العالمية.