مشت الحكومة الخميس على حبل مشدود فتمكنت من اجتياز مأزق عرسال وجرودها بقرار “الثقة بالجيش وقيادته” من خلال تكليفه اتخاذ الاجراءات اللازمة لإعادة سيطرته على عرسال وحمايتها، فيما ظل مأزق التعيينات الامنية والعسكرية عالقاً على رغم بت التمديد للمدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء ابرهيم بصبوص سنتين. وفي كلا الملفين بقي وزراء “التيار الوطني الحر” مغرّدين خارج السرب الحكومي فتحفظوا عن قرار عرسال الذي حظي بموافقة سائر الوزراء وهددوا بمنع مجلس الوزراء من مناقشة أو بت أي قرار آخر قبل تعيين مرشح العماد ميشال عون العميد شامل روكز قائداً جديداً للجيش في أي جلسة مقبلة لمجلس الوزراء.
وأبرزت الجلسة دلالات مهمة من حيث عدم حصول تعليق للجلسات أو شلها تماماً كما كان يخشى قبل انعقادها، الامر الذي أظهر بوضوح ان معظم القوى السياسية بما فيها “حزب الله” الذي اتسعت معركته الميدانية أمس في جرود عرسال لا ترغب فعلاً في الوصول بالمأزق الحكومي الى حدود الشلل التام مع ان موقف حليف الحزب “التيار الوطني الحر” الذي مضى في التصعيد سيعيد وضع الحزب أمام اختبار جديد في جلسة الخميس المقبل في ملف التعيينات.
وأفادت مصادر وزارية “النهار” ان الحكومة عمدت الى تجزئة المأزق بالفصل بين ملفي عرسال والتعيينات ومع انها لم تصب أمس بالتعطيل وستعود الخميس المقبل الى الاجتماع، فإنها دخلت في آلية معقدة يتوقف معها مسارها على كل جلسة في موعدها.
وأوضحت ان رئيس الوزراء تمام سلام اصر على التوافق على قرار تكليف الجيش في عرسال وجرودها وعرض مشروع بيان كان أعدّه سابقاً وعمل وزير المال علي حسن خليل على تعديله ثلاث مرات الى ان وافق عليه وزيرا “حزب الله” محمد فنيش وحسين الحاج حسن والوزراء الآخرون. لكن وزيري “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والياس بو صعب تحفظا عنه وخصوصاً لجهة ايراد عبارة “تجديد الثقة بالجيش وبقيادته” لئلا تستعمل مسوغاً اضافياً لعدم بت التعيينات الامنية والعسكرية. كما تحفظ من جانب مختلف وزير العدل اشرف ريفي لعدم الاخذ بمطلبه أن تشمل تدابير الجيش كل منطقة البقاع الشمالي وأن يلحظ البيان تدابير الحماية من كل سلاح غير شرعي.
صحيفة “الجمهورية” كتبت أن التجاذب السياسي الذي تتخبّط فيه البلاد كرّسَ الشغورَ الرئاسي، ونَقلَ عدوى الشَلل النيابي إلى الحكومة وباتَ إنقاذُها معلّقاً على حبالِ حلّ ملفّ التعيينات العسكرية والأمنية سلّةً واحدة، كما يَشترط التيار الوطني الحر ويَدعمه «حزب الله»، وأعلنَ وزير الخارجية جبران باسيل أنّه «لن يمرّ أيّ قرار في مجلس الوزراء قبل بَتّ التعيينات»، محَذّراً من أنّ «أيّ صِدام داخل المجلس سيكون له تداعياتٌ خارجَ المجلس»، في حين قال وزير التربية الياس بوصعب لـ«الجمهورية»: “لقد دخلنا في أزمةٍ سياسية كبيرة، والخروجُ منها قد يتطلّب تسويةً شاملة من تشريعٍ في المجلس النيابي إلى العمل الحكومي إلى التعيينات الأمنية، ويمكن أن تصل إلى رئاسة الجمهورية”.
وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية”: “إنه بعد قرار التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص، وإعلان «التيار الوطني الحر» عَلناً عدمَ السَماح بمناقشة أيّ بَند داخل مجلس الوزراء قبل حلّ مسألة التعيينات، لا أحد يملك سيناريو عن مصير الجلسات”.
لكنّها توقّعَت في المقابل أن لا يستمرّ الشَلل طويلاً. ورأت أنّ سلام سيذهب إلى مراعاة وزراء «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» داخلَ المجلس حفاظاً على حكومة الـ 24 الائتلافية والتي حرصَ على الدوام أن يكون لكلّ وزير من وزرائها رأيٌ مسموع.
لكن بعد جلستين أو ثلاث جلسات نتوقّع أن تتبدّل الأمور، لأنّ هناك بنوداً لا تتحمّل أبداً التجميدَ أو التأجيل، وتتحوّل تلقائياً ضاغطةً على الجميع، ما سيَدفع سلام إلى اتّخاذ قرار بتمرير بنود ملِحّة، وهو سيُجري اتصالات مع جميع القوى السياسية لتسهيل هذا الأمر.
وحَذّرت المصادر من إنتقال عدوَى مجلس النواب إلى مجلس الوزراء، فهناك نتحدّث عن “تشريع الضرورة” وهنا نطالب بـ”بنود الضرورة”، فيما الاهتراء والشَلل يصيبان المجلسَين. وأكّدت أنّ سلام ليس في وارد تعليق الجلسات، وهو سيستمرّ في الدعوة إليها حتى ولو كانت للنقاش السياسي وغير منتِجة.
صحيفة “الأخبار” من جهتها، قالت: “رغم أن الحكومة نجحت أمس في الوصول الى ما يشبه «التسوية» في البند المتعلق بعرسال وجرودها، إلا أنها أصبحت فعلياً «خارج الخدمة» بسبب الخلاف على بند التعيينات. وبالتالي، لا قرارات حكومية بعد اليوم، وربما لا جلسات أيضاً”.
وأضافت الصحيفة: “الحكومة باتت فعلياً خارج الخدمة… طالما لم يدرج بند التعيينات الأمنية والعسكرية في جدول الأعمال ويُبتّ، من دون أن يعني ذلك اعتكافاً أو استقالة أو تحوّل مجلس الوزراء الى تصريف الأعمال «في الوقت الراهن»، على ما تشدد مصادر في التيار الوطني الحر. وتقول مصادر لـ”الأخبار” إن “مشاركتنا في الحكومة نابعة من حرصنا على الاستقرار. أما إذا كانت الحكومة نفسها غير حريصة على هذا الاستقرار عبر تجاوزنا، فهذا يعني أن أحداً لا يضمن عدم انتقال الخلاف الى خارج الحكومة”.
وأكدت أن لا مجلس وزراء يعقد صحيحاً في ظل تجاوز مطلب أربعة مكوّنات وازنة في الحكومة، لافتة الى أن الاتفاق منذ تأليف الحكومة كان على التوافق بين مكوّناتها، وحتى عندما اعتكف رئيسها احتجاجاً على شرط موافقة الـ 24 وزيراً على قراراتها، اتفقنا يومها على عدم ضرورة ذلك في المسائل العادية، وليس في المسائل الجوهرية التي تنشئ مواقع في الدولة».
واعتبرت أن إقدام الوزير نهاد المشنوق على تأجيل تسريح المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص لسنتين قدّم الدليل القاطع على صحة تشخيصنا حول استهدافنا وحصارنا وإقصائنا عن مواقعنا، مشيرة الى أن المشنوق لم يلجأ الى التعيين أو إلى خيار تولي الضابط الأعلى رتبة منصب بصبوص حتى لا تكون سابقة ويضطروا الى تعيين قائد جديد للجيش في أيلول المقبل، وهذا لا يبشّر بالخير ويشير الى أن وراء الأكمة ما وراءها.