المعامل الأهلية أو ما يُعرف في العراق بالمعامل المنزلية والتي تعمل في الخفاء، باتت رقماً صعباً في السوق العراقية وكابوساً يؤرق التجار وشركات الاستيراد الكبيرة بالبلاد.
تلك المعامل، التي تتخذ من الحارات والأزقة الشعبية أو المناطق البعيدة عن الرقابة محلاً آمناً لأعمالها، تبرع في تقليد المنتجات المستوردة في فترة قياسية من دخولها البلاد، لتقوم ببيعها بنصف السعر أو أقل في بعض الأحيان، مما تتسبب بأضرار كبيرة على المستورد أو التاجر وكذلك المستهلك المحلي.
وتعمل غالبية هذه المعامل على تقليد ماركات متنوعة وطبع شعار أو ماركة البضاعة ذات المناشئ الدولية، لتتحول من صناعتها الدولية إلى صناعة محلية قلما تجد من يفرقها عن المستوردة.
ويقول صاحب أحد المعامل المنزلية لصناعة منتجات الألبان والعصائر في حي الشعب الفقير شرقي بغداد، ويدعى واثق قاسم: “المعامل الأهلية للمنتجات الغذائية لم تكن معروفة بتاريخ العراق فكنا نأكل ونستهلك كل شيء أصلي كما يقال لكن الاحتلال الأميركي دمر البلاد والعباد ولجأ الجميع للتقليد والمواطن بات يفضل استهلاك أي شيء رخيص”.
ويضيف قاسم الذي حوّل الدور الأرضي لمنزله إلى معمل بينما تقيم أسرته في الدور العلوي، “في هذا المعمل عندي خطين لإنتاج الزبادي وآخر للعصائر نقوم بصناعها ثم نختار نوع الماركة التي نرصد أنها أكثر رواجاً من غيرها، ثم نبدأ بنقلها إلى العملاء الذين نتعامل معهم وهم أصحاب الدكاكين والمحال الصغيرة وبعض الموزعين”.
وتابع في حديثه لـ “العربي الجديد”: “نحن لا نغش أحداً، نقول للتجار أن هذه البضاعة ليست أصلية أو تقليد وهم يعرفون ذلك، بينما يُخفي عدد من الموزعين لمنتجات أخرى حقيقة أن بضائعهم مقلدة”. ويشير إلى عبوة لبن زنة 1 كغم، قائلاً: “نبيع هذه العبوة المقلدة بحدود 2500 دينار (دولارين) بينما مثيلتها الأصلية تُباع بـ 5 آلاف دينار”.
ومؤخراً، أعلنت وزارة الداخلية العراقية في بيان، أنها تلقت شكاوى من شركة أغذية عالمية معروف حول تقليد بضائعها والإساءة لمنتجها. وتعهد الوزارة بشن حملات لاعتقال أصحاب تلك المعامل، إلا أن ذلك لم يحدث في ظل انشغال 90% من جهاز الشرطة في العراق بالحرب على داعش، مما منح تلك المعامل حرية واسعة في الإنتاج والبيع.
وقال مدير دائرة حماية المستهلك بوزارة الصحة العراقية، العقيد محمد عبد الله: إن أكثر من 200 معمل في بغداد وحدها تمارس الإنتاج المقَلد وتزيّف الماركات، لكن لا قدرة لدى الشرطة على ضبطها.
ويضيف عبد الله، أن السبب في ذلك هو انعدام الجهد الأمني والفساد الإداري فضلاً عن اتقان تلك المعامل التخفي.
ويرى أن الحل بات بيد المواطن، كونه صاحب القرار في مقاطعة هذه المنتجات، خاصة أن ما لا يقل عن 80 ألف حالة تسمم بسبب تلك المنتجات تقع سنويا ببغداد، ورغم ذلك يقبل عليها المواطنون نتيجة تردي الأوضاع المعيشية وتمكن الفقر من طائفة كبيرة من الشعب.
ويقول المحلل الاقتصادي العراقي، أحمد عبد الحميد، في حديث لـ “العربي الجديد”: إن ظاهرة المعامل الأهلية في العاصمة بغداد، والتي تعمل بنظام البدائل والتقليد، تضر بالتاجر والسلعة والمستهلك.
وأضاف، أن الكثير من ذوي الدخل المحدود يلجؤون إلى شراء هذه المنتجات لرخص أسعارها، ما يعزز نفوذ تلك المعامل في السوق.
ويرى أن انتشار هذه المعامل، مرتبط بمدى تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد في ظل الحرب مع تنظيم داعش وتهاوي أسعار النفط عالمياً.
ويقول أحد المتعاملين في بيع هذه المنتجات ويدعى عبد الله عمر، في حديث لـ “العربي الجديد”: إن هامش الربح الذي يحققه التجار من بيع المنتجات المقلدة أعلى كثيراً مما يتم تحقيقه من وراء المنتجات الأصلية.
وقال المتحدث، باسم وزارة الصحة العراقية أحمد الرديني، في حديث لـ “العربي الجديد”: إن الوزارة تمكنت خلال العام الجاري من إغلاق نحو 75 معملاً يعمل في الخفاء وغير حائز على إجازة صحية لممارسة العمل.
وشدد الرديني، على أن تلك المعامل ومنتجاتها تساهم في تدمير اقتصاد البلد، فضلاً عن آثارها السلبية على صحة المواطن.
إلا أن صاحب معمل “كل حاجة لصناعة أي حاجة” في بغداد، ويدعي عبد الله يقول لـ “العربي الجديد” إن على وزارة الصحة أن تحترم الصناعة المحلية وتحاول تحسينها قبل أن تسارع بمحاربتها.