كتبت صحيفة “الأخبار”: منذ أشهر، انقطعت أخبار العسكريين التسعة المخطوفين لدى تنظيم “الدولة الإسلامية”، ولم يُسمع عنهم أي خبر. التكهنات راوحت بين نقلهم جميعاً إلى الرقة، ونقل قسم منهم مع بقاء القسم الاكبر في الجرود، لكن، لا شيء حاسماً بعد. الأمر نفسه ينطبق على الوسطاء الذين لم يعد يسمع لهم صوت أو يُعرف لهم نشاط، وفيما لا يزال ملف المخطوفين لدى أكثر التنظيمات تشدداً عالقاً عند النقطة الصفر، وفي ضوء احتدام المعركة في الجرود العرسالية، وردت أخيراً معلومات تفيد بأن التنظيم يفاوض على العسكريين، وأنّ هناك ما يُشبه البازار قد يفتحه الخاطفون للحصول على مكاسب لم تُحدّد بعد.
وذكرت مصادر مقرّبة من “داعش” إن القيادة الجديدة للتنظيم حاولت أخيراً فتح ملف المفاوضات، عبر الأمير العسكري الحالي “أبو بلقيس”، لكنها لم تلق أي تجاوب.
وأكّدت مصادر مقرّبة من «داعش» أن التنظيم عرض على الحكومة اللبنانية سابقاً تسليم جثة أحد العسكريين كبادرة حُسن نيّة مقابل حصوله على مواد إغاثية.
وتوضح مصادر مواكبة لـ”الأخبار” أن التنظيم طلب في وقت سابق 350 ألف دولار مقابل تسليم جثث عسكريين، ثم خفّض المبلغ الى ١٣٥ ألف دولار، وحمّل هذا المطلب للوسيط اللبناني الشيخ وسام المصري، قبل أن يتردد في ما بعد أن جثتي الشهيد علي البزال ومدني آخر سلّمتا في نيسان الماضي مقابل ٢٥٠ ألف دولار. وتفيد المعلومات بأن القيادي في “داعش” الذي كان يتولّى دفة المفاوضات يُدعى “أبو إسلام”، وهو نائب أمير التنظيم في القلمون حينها “أبو الوليد المقدسي” (انشقّ أخيراً) الذي حصر الوساطة بالشيخ المصري. وقد نجح الأخير في الحصول على تعهّد بوقف قتل العسكريين، قبل أن يُستبعد في وقت لاحق بقرار سياسي لمصلحة نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي، الذي تربطه علاقة بأحد قادة التنظيم المدعو “أبو عبد السلام”.
“داعش” حاول أخيراً فتح ملف المفاوضات لكنه لم يلق تجاوباً
أما في ما يتعلق بالمخطوفين، فذكرت المصادر أنّ المفاوضات قبيل وفاة مصطفى بحلق، الوسيط السرّي الذي توفي بأزمة قلبية إثر توقيفه على حاجز للجيش في عرسال في شباط الماضي، كانت قد قطعت شوطاً كبيراً على طريق الحل، إذ نجحت الوساطة في نقل الثمن من المقايضة إلى الإمدادات اللوجستية، أي تحرير العسكريين مقابل مساعدات غذائية ومبالغ مالية كبيرة، ولكن، لأسباب غير معروفة، رفضت خلية الأزمة الوزارية الأمر. ويومها، تواصل القيادي في “النصرة” أبو علي الشيشاني (انشقّ لاحقاً ليلتحق بـ «الدولة») مع المصري عارضاً تسليم أحد العسكريين الأسرى لدى “النصرة” مقابل تسلّمه زوجته علا العقيلي الموقوفة لدى الأمن العام.
وفي آخر محاولات تحريك عملية التفاوض، رفض التنظيم استقبال موفد زكّاه أحد الأجهزة الأمنية، كما تكشف مصادر عرسالية أن الأمن العام رفض أخيراً وساطة إحدى الشخصيات اللبنانية في ملف المخطوفين. وقد ترددت معلومات، لم تتمكن “الأخبار” من مقاطعتها، تفيد بأنّ إحدى الجهات حاولت التواصل مع أحد الأجهزة الأمنية عارضة تسليم جثّة العسكري الشهيد محمد حمية، الذي أعدمته «جبهة النصرة»، مقابل ضمان فتح طريق إلى الداخل السوري، على أن تُتبعها بخطوة لاحقة عبر تسليم أحد الجنود المخطوفين. وتجدر الإشارة إلى أن «النصرة» كانت قد طلبت من وفد اتحاد العشائر العربية الذي زارها للتوسط، ٣٠٠ ألف دولار مقابل تسليم جثة الشهيد حمية، قبل أن يُخفّض أمير «النصرة» المبلغ إلى مئتي ألف دولار، فيما تفيد المعلومات بأن الجثة اليوم باتت مع أحد فصائل «الجيش الحر».
وفي ما يتعلق بالمخطوفين لدى «النصرة»، وبرغم تأكيدات المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم أن صفقة إطلاقهم باتت ناجزة، تواصل مصادر «النصرة» التأكيد أن لا شيء في الأفق من ذلك. وقالت إن قيادة التنظيم ارتأت أصلاً فصل ملف الأسرى عن مسار المعركة الحالية مهما كان الثمن. مصادر أمنية وصفت إصرار «النصرة» على نفي التوصل الى اتفاق بأنها «محاولة لابتزاز القطريين للحصول على مبالغ مالية». وبصرف النظر عما إذا كانت الصفقة قد اكتملت أم لا، يبقى مؤكداً أن طبخة إطلاق المخطوفين لا تزال «على النار»، بدليل نجاح «المفاوض الخفي» في وقف إعدام العسكريين وابتزاز الأهالي كما كان يحصل سابقاً، فيما تقول مصادر عسكرية لبنانية إن احتفاظ «النصرة» بالأسرى هو بمثابة طوق النجاة الوحيد الباقي لها.