أوليفر رالف
انها حتما خطوة شجاعة. يميل محللو الأسهم الى عدم الاعتراف بأي شيء سوى الادعاء بمعرفتهم الشاملة بالشركات التي يغطونها. لكن هذا الشهر، كتب مات سبيك، المحلل المصرفي في «دويتشه بنك»، والذي يتمتع بخبرة في هذا المجال تتجاوز 20 عاما، مقالا يقول فيه ان تقارير البنوك «أصبحت معقدة جدا لدرجة خرجت فيها عن السيطرة وعن أي معنى»، وأن محللي الأسهم يعانون من أجل فهم جميع الافصاحات.
هي خطوة جريئة، لكنها ضرورية ومثيرة للقلق أيضا. فاذا كان الناس الذين يدفع لهم مقابل تحليل البنوك يعانون من أجل استيعاب جميع المعلومات التي يتم الافصاح عنها، فماذا اذن عن باقي الناس؟
التقارير المتعلقة بإفصاحات البنوك أصبحت حتما أثقل وزنا. فقبل عقد من الزمن، جاء التقرير السنوي لمصرف اتش اس بي سي في 378 صفحة. أما العام الماضي، فبلغ عدد صفحات تقرير البنك 603 صفحات، تشمل ما يعرف باسم بيلار 3 المتعلق بالافصاحات عن رأس المال وادراة المخاطر. وهو ليس بالأمر غير المألوف بالنسبة لبنوك كبيرة وعالمية. فجميع المصارف والمؤسسات المالية تضيف المزيد من الصفحات على تقاريرها لتواكب المتطلبات الجديدة.
تطورت تلك المتطلبات بطريقة عشوائية، فبعضها جاء من قواعد سلامة البنوك التي طرحت في مرحلة ما بعد الأزمة المالية والمعروفة باسم بازل III، في حين جاء البعض الآخر من معايير المحاسبة آي اف آر اس، بينما نتجت متطلبات أخرى من تحقيقات سوء السلوك وبعضها نابع من الرغبة في مزيد من التوحيد أو استجابة لمخاوف محددة في أوقات محددة. لكن التوجه يسير في اتجاه واحد: افصاحات أكثر، وليس أقل. وتقارير أثقل وليس أخف.
هناك حجة ترى أن الافصاحات المفرطة والزائدة تعكس التعقيد المفرط لنماذج العمل في البنوك، وأنه عندما تصبح البنوك أكثر بساطة سينطبق الأمر ذاته على متطلبات التقارير.
ربما. لكن الشركات الأخرى التي تتسم أعمالها بالتعقيد أيضا تقاريرها أخف من البنوك. فشركات النفط، على سبيل المثال، ليس مطلوبا منها أن تبلغ وأن تورد في تقاريرها الطريقة التي تحفر فيها كل بئر. وانظروا الى شركة «أوربيتال ساينسيز» الأميركية والمتخصصة، حرفيا في علم الصواريخ. اذ لم يتجاوز عدد صفحات تقريرها الأخير الـ 88 صفحة.
ما تعكسه كل تلك الصفحات في الواقع هو غياب الثقة بقدر ما تعكس أيضا تعقيدات المصارف. وهو أمر بالكاد مستغرب بعد الأزمة المالية. فالهدف من متطلبات بيلار 3 (وهي جزء من قوانين بازل III) هو أن تخضع البنوك لانضباط السوق من خلال اجبارها على الافصاح عن معلومات اضافية تتعلق برأس المال والسيولة. لكن جميع المعلومات الجديدة لن تؤدي الى انضباط السوق اذا لم يتمكن المستثمرون من فهم أي شيء فيها. اذ قد يتم فعلا عرض جميع المخاطر وبشكل كامل، لكن اذا لم يكن أحد قادرا على العثور عليها أو فهمها وتفسيرها جيدا، عندها ستكون مخفية أيضا. أو كما وصفها سبيك: «اذا اعتبر كل شيء عامل خطر، فانه في الحقيقة لا شيء سيشكل خطرا عندها».
هناك بعض الأمل في الخلاص يأتي على شكل فريق العمل لتعزيز الافصاح التابع لمجلس الاستقرار المالي. وهو مجموعة مكونة من المصارف والمستثمرين والمحللين تأسست عام 2012 لوضع مقترحات لتمكين البنوك من الابلاغ واعداد التقارير بصورة أفضل. وخرج فريق العمل بـ 32 توصية، تغطي كل شيء من كفاية رأس المال والأصول المرجحة بالمخاطر وتفاصيل عن مخاطر السوق ومخاطر الائتمان. والهدف هو جعل البنوك أسهل على الفهم وأسهل للمقارنة. الامتثال بتوصيات فريق العمل لتعزيز الافصاح ليس الزاميا، لكن الجهاز يقيم في كل عام مدى جودة أداء البنوك (ويطلب من البنوك أن تقيم جهودها الخاصة). عملية الاعداد لتقارير عام 2014 لا تزال جارية، لكن تحليلات تقارير عام 2013 كشفت عن بعض الاختلافات الكبيرة في وجهات النظر.
فلنأخذ مثلا التوصية رقم 7 التي تطالب البنوك بوصف المخاطر في نماذج عملها. هذا النوع من المعلومات يعتبر أمرا حيويا ومهما اذا ما أراد شخص ما أن يجعل من مئات الصفحات من البيانات المقدمة في مكان آخر أمرا منطقيا. لكن أقل من ثلثي البنوك التي تم تقييمها طبقت هذه التوصية عمليا بشكل كامل.
أو لننظر الى التوصية رقم 21، التي تطالب البنوك بوصف استراتيجية التمويل الخاصة بها. مرة أخرى، تعتبر هذه المعلومات مهمة جدا. ويعتقد ثلثا المصارف أنها تقوم بعمل جيد هنا. لكن مجموعة مكونة من المحللين والمستثمرين لا تتفق مع هذا الأمر، وترى أن أقل من نصف البنوك نفذ ما جاء بالتوصية بشكل كامل.
لهذا يحتاج فريق العمل لتعزيز الافصاح ومعه الجهات التنظيمية والمحللين والمستثمرين، لأن يستمروا بالدفع من أجل تقديم واعداد التقارير بطريقة أفضل، خصوصا التقارير التي تجعل من السهل اجراء مقارنة بين البنوك. وعلى المدى القصير، قد يجعل ذلك التقارير طويلة، لكن اذا كان ذلك سيساعد في تحسين الثقة بالصناعة، فهو اذن ليس بالأمر السيئ. ربما يأتي يوم تصبح فيه البنوك جديرة بالثقة بما فيه الكفاية لدرجة لا تتطلب نشر تقارير سنوية مكومة من مئات الصفحات.