ناهد كلباسي
على الرغم من أن الاقتصاد الإيراني يعاني من الآثار السلبية للعقوبات الدولية المكثفة منذ عام 2007، إلا أن القطاعات المختلفة أظهرت مستويات متفاوتة من الهشاشة. ففي حين تلقّى القطاع النقدي ضربة قوية، كان قطاع انتاج السلع والخدمات أكثر مرونة بسبب سياسة الحماية الاقتصادية والشركاء التجاريين الجدد، الأمر الذي ساعد البلاد على تجنب النتائج الأسوأ. وبما أن صناعة السيارات هي ثاني أكبر صناعة في إيران، فإنها توفر نافذة هامة على الآثار الفعلية للعقوبات الجارية. والأسئلة التي تُطرح هنا: هل حمت هذه الصناعة نفسها بشكل فعال من العزلة الإجبارية؟ وما هو الدور الذي لعبته مبادئ الاقتصاد الكلي بالنسبة إلى مستويات الانتاج والأسعار منذ أن تم تنفيذ العقوبات؟
الخلفية
تشكل صناعة السيارات 10 في المائة من “الناتج المحلي الإجمالي” الإيراني و 4 في المائة من القوى العاملة في البلاد، وتحتل المرتبة الثانية بعد صناعة النفط والغاز. وفي الواقع، إن مجموعة “إيران خودرو” هي أكبر مصنع للسيارات في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من انخفاض مرتبة إنتاج السيارات في إيران من 17 إلى 20 على مستوى العالم منذ عام 2008 – عندما جرى تعزيز العقوبات – إلا أن البلاد لا تزال تنتج السيارات بنسبة أعلى من إنتاج دول مثل إيطاليا والنمسا وأستراليا وهولندا.
لقد كان الإيرانيون يتوقعون فرض عقوبات [من قبل المجتمع الدولي] منذ فترة طويلة، لذلك كانوا مستعدين بشكل أفضل مما قد يكون عليه غيرهم. إذ كانت الشركات والمؤسسات التجارية الإيرانية قادرة على العمل مع شركات في الخليج العربي وأوروبا الشرقية من أجل التغلب على بعض التحديات الناتجة عن العقوبات المفروضة.
اتجاه الإنتاج منذ عام 2011
منذ عام 2011 وحتى 2013، انخفض إنتاج إيران من السيارات بشكل كبير بسبب العقوبات، وتمثّل ذلك من 1,420,000 إلى 624,750 سيارة. (وعلى الرغم من عدم توفر الأرقام الرسمية لإجمالي إنتاج السيارات في عام 2011، إلا أن 85 في المائة من حجم انتاج هذه الصناعة في عام 2013 تكوّن من السيارات، بالإضافة إلى سيارات الدفع الرباعي التي مثلت 14 في المائة والشاحنات/الحافلات حوالي 1 في المائة، وبالتالي فإن إحصاءات السيارات وحدهها تدل على انخفاض كبير بعد عام 2011). وفي الوقت نفسه، وصل عدد السيارات المستوردة 3.7 مليار دولار أمريكي في عام 2013، أي ما يقرب من 12.6 في المائة من الإنتاج المحلي.
إلا أن هذا الاتجاه انعكس في عام 2014، بعد أن انتقلت المفاوضات النووية إلى مرحلة جديدة، وبعد أن تم تخفيف العقوبات جزئياً في أواخر عام 2013. فقد ارتفع الإنتاج بنسبة 53 في المائة، من إجمالي736,948 سيارة في عام 2013 إلى 1,130,164 في عام 2014. كما وشهدت هذه الصناعة أيضاً نمواً بنسبة 41 في المائة في الشهر الأول بعد رأس السنة الإيرانية الجديدة (21 آذار/مارس – 20 نيسان/أبريل) مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
إلى جانب ذلك، أدّى الانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية – بأكثر من 200 في المائة منذ زيادة العقوبات – إلى ارتفاع حاد في أسعار السيارات المستوردة. ونتيجة لذلك، اتّجه العديد من المستهلكين نحو السيارات المحلية الصنع. وبغية زيادة دعم هذه الصناعة، تدرس السلطات الإيرانية أيضاً زيادة الرسوم الجمركية، من 40 في المائة – وهو معدل مرتفع بالفعل – إلى ربما 70 في المائة. ومع ذلك، لم يشهد الإنتاج المحلي زيادة كبيرة عند رفع الرسوم الجمركية. وفي هذا الإطار، تشير النماذج الاقتصادية في دراسة أخرى إلى أن العوامل الأساسية، مثل القروض المصرفية والدورات الاقتصادية، تلعب دوراً أكثر أهمية في تشكيل الإنتاج المحلي. وبالتالي، فإن الحصول على القروض المصرفية الدولية من خلال رفع العقوبات يمثل أولوية بالنسبة للحكومة الإيرانية، والأهم من ذلك، بالنسبة إلى استمرار صناعة السيارات. إن عدم التمكن من الحصول على مثل هذه القروض يمنع هذه الصناعة من تحقيق مسار نمو اقتصادي مستدام، على الأقل على المدى القصير.
إلغاء الدعم يؤثر على أسعار السيارات
يصل مبلغ العملات الأجنبية المستخدم لإنتاج سيارة في إيران إلى حوالي 2,500 دولار، في حين أن متوسط تكاليف استيراد سيارة واحدة يبلغ 8,000 دولار تقريباً، مما يخلق ميزة نسبية للمنتجين المحليين. ومع إنتاج 1.1 مليون سيارة في عام 2014، تمكنت إيران من توفير حوالي 6 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، انخفض اعتماد إيران الاقتصادي على عائدات النفط خلال السنوات القليلة الماضية بسبب إلغاء الدعم على الخدمات العامة والغاز وغيرها من الضروريات. ومن المفارقات، يمكن أن تُعزى نسبة 25 في المائة من الزيادة في أسعار السيارات إلى العوامل الاقتصادية الأساسية مثل الزيادة في أسعار الكهرباء ورفع أنواع الدعم الأخرى.
ونظراً إلى استجابتها الأكثر مرونة تجاه الظروف الخارجية، نمت صناعة السيارات خمس مرات أسرع من متوسط الصناعة الإيراني ما بين العامين 2014 و2015 وأكثر من أربع مرات أسرع من “الناتج المحلي الإجمالي”. وقد ساهم ذلك أيضاً بشكل كبير في الإيرادات الحكومية، إذ يتم تخصيص حوالي 25 في المائة من عائدات بيع السيارات للحكومة (عبر الضرائب) وللمنظمات التابعة للحكومة (عن طريق الأرباح التي تحصل عليها). بالإضافة إلى ذلك، كانت الصناعة قادرة على استثمار 10 مليار دولار في عام 2014، أو 20 في المائة من قيمتها المضافة.
ومن الطرق الأخرى التي حمت فيها طهران هذه الصناعة من العاصفة الخارجية هي من خلال توسيع العلاقات التجارية مع أوروبا الشرقية والصين. فقد أصبحت شركة تصنيع السيارات الصينية الكبرى “شيري”، التي بدأت تصدّر السيارات إلى إيران في عام 2005، شريكة رئيسية لمجموعة “إيران خودرو” خلال سنوات فرض العقوبات. وفي غضون ذلك، دخلت أكثر من عشرين شركة صينية لصناعة السيارات وغيرها من الشركات المصنّعة السوق الإيرانية منذ عام 2007، بما فيها “ليفان” و “تشانجان” و “هيما” و “دونغ فانغ” و “فوتون” و “بريليانس” و “إم جي”. وحالياً، تمثل العلامات التجارية الصينية 6 في المائة فقط من حصة السوق الإيراني، ولكن من المتوقع أن تزيد هذه النسبة إلى حد كبير.
وفي الوقت نفسه، يشكل عدم تمكن إيران من الحصول على السيولة والتمويل الدولي عقبة حقيقية أمام تحقيق المزيد من النمو في صناعة السيارات. فكل منتج من المنتجين الرئيسيين يحتاج إلى قروض بقيمة لا تقل عن 500 مليون دولار لتوسيع منشآته وتحديثها.
الخلاصة
على الرغم من مختلف الصدمات التي شهدها الاقتصاد الإيراني من العقوبات الدولية، كان قطاع انتاج السلع والخدمات – لا سيما صناعة السيارات – أكثر مرونة بسبب سياسة الحماية الاقتصادية وتوسيع العلاقات التجارية مع الصين وأوروبا الشرقية وبعض دول الخليج. بيد، أن عدم الحصول على تسهيلات مالية لا يزال يشكل التحدي الأكثر حدة لصناعة السيارات الإيرانية. وبالتالي، ستحتاج الحكومة إلى التطلع نحو المجتمع الدولي إذا كانت تأمل بوضع هذه الصناعة على مسار يشهد حالة من النمو المطرد. وليس هناك شك في أن رفع العقوبات سيساعد في هذا الصدد. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان هذه الخطوة أن تعطي الغرب حصة من السوق في اقتصاد إقليمي رئيسي يشمل الملايين من المستهلكين الشباب، مع إمكانية تغيير المسار المستقبلي للشرق الأوسط.ِ