فتك العطش والجفاف بآلاف الأفدنة الزراعية في الأرياف والمدن الصغيرة في وسط وشرق موريتانيا، وسط تجاهل السلطات معاناة المزارعين ومستثمري القطاع الحيواني.
وبينما تحاول الجمعيات الخيرية وبعض الهيئات الأممية التخفيف من حدة الوضع بحفر آبار وتأمين خطوط إمداد بالشاحنات المزودة بصهاريج المياه لإنقاذ سكان هذه المناطق من العطش، لجأ مستثمرو الإنتاج الحيواني إلى الفرار بمواشيهم وراء الكلأ والماء في مالي والسينغال المجاورتين لموريتانيا، لتبقى الزراعة الأكثر تضرراً من موجة الجفاف التي تضرب مناطق واسعة من البلاد.
وبينما تعيش المناطق الزراعية في الوسط والشرق، حالة جفاف صعبة أثرت على إنتاجية آلاف الهكتارات، لم تنج من الكارثة سوى الأراضي الزراعية المحاذية لنهر السينغال الذي يفصل موريتانيا عن السينغال، حيث يستغل الفلاحون النهر للري، إضافة إلى مزارع مناطق الواحات التي تعتبر أقل استهلاكاً للماء وتعتمد على المياه الجوفية لري أراضيها.
محاصيل ضئيلة
ويقول الخبير الزراعي سيد أحمد ولد الطالب: إن مشكلة نقص الماء، هي أكبر التحديات التي تواجه الموريتانيين في هذا البلد الصحراوي الذي يعاني منذ سنوات نقصاً حاداً في الأمطار ونضوب الموارد المائية الجوفية وتدهور الواحات والمساحات المزروعة وارتفاع درجات الحرارة وزيادة نسبة التصحر.
وأضاف أن “شح المياه يقضي على النشاط الزراعي وتربية الماشية، وهي الأنشطة التي يعتمد عليها أكثر من نصف سكان موريتانيا، مما يؤثر سلبا على معيشة السكان، كما أنه يؤثر على الاستقرار بسبب الصراعات والخلافات التي تحدث بين القبائل على منابع المياه.
ويشير إلى أن موسم الخريف المنصرم عرف نقصاً حاداً في التساقطات المطرية انعكس سلباً على المحاصيل الزراعية وعلى المراعي، في وقت كانت الحكومة تشجع المزارعين على التوسع في استصلاح الكثير من أراضي الجنوب والوسط. ويضيف “هناك خصاص كبير في محاصيل الخضروات والفواكه والحبوب، أما محاصيل الأرز فهي الأقل تضرراً لأن مناطق زراعتها محاذية لنهر السينغال ويعتمد في سقيها على فيضانات النهر”.
وانتقد ولد الطالب، الخطة العاجلة التي وضعتها وزارة الزراعة بالتعاون مع الشركة الوطنية للتنمية الريفية والشركة الموريتانية للاستصلاح الزراعي، واعتبرها ليست ناجعة كفاية للحد من التأثيرات السلبية لنقص التساقطات المطرية هذه السنة، فغالبية مربي المواشي لم يحصلوا على الأعلاف بأسعار مدعومة، ولا يزال المزارعون ينتظرون حفر آبار ارتوازية لإنقاذ بعض المحاصيل.
وطالب الخبير الحكومة بالوفاء بوعدها والإسراع بمشروعي “اظهر” و”آفطوط الشرقي” اللذين سيحدان من ندرة التساقطات بالمناطق الزراعية، كما طالب بإسقاط ديون الفلاحين التي تطالبهم بها مؤسسات القروض التابعة للدولة في هذا الوقت الحرج.
معاناة
ويقول المزارع محمد سعدنا ولد بمبا (44 عاماً) الذي يعيش في منطقة “هيري امبار” وسط البلاد “نعاني هذا العام من جفاف غير مسبوق بسبب النقص الحاد في الأمطار وتجاهل السلطات لهذا المشكل، فمنذ 11 عاماً لم تعان منطقة هيري امبار من جفاف مماثل”. ويضيف المزارع “هذا الوضع أثر على جودة ومردودية المنتوج الزراعي وعلى نفسية الفلاحين الذين فقدوا محاصيل مهمة وأغلبهم زرع ولم يحصد”.
ويشير إلى أن المزارعين متشبثون بأراضيهم ويرغبون في البقاء بالبوادي ومواصلة أنشطتهم الزراعية التي توارثوها، أبا عن جد، لكن توالي سنوات الجفاف، وخصوصاً ما عانوه هذا العام تسبب في خسائر كبيرة لهم حيث فقدوا مواشيهم وأصبحت أراضيهم غير صالحة للزراعة.
وتؤكد دراسات محلية، أن أعداد القرويين الذين هاجروا إلى المدن ارتفعت مع توالي سنوات الجفاف، بعد أن فقدوا الأمل في مردودية أنشطتهم الزراعية، كما أن الارتفاعات الكبيرة في أسعار الأعلاف والحبوب دفعت كثيراً من المزارعين ومستثمري الإنتاج الحيواني إلى التخلي عن أعمالهم.
تجاهل رسمي
وتجاهلت الحكومة تحذيرات المنظمات الدولية من تفاقم أزمة الجفاف حتى تحولت في مناطق الشرق والوسط إلى أزمة عطش شديدة، خرج على أثرها الآلاف من القرويين وسكان المدن الصغيرة حاملين قنينات المياه الفارغة في استقبالهم الرئيس، محمد ولد عبدالعزيز، كلما قام بجولة في مناطق الداخل.
ويقول الرئيس الموريتاني، إن تأخر مشروعي “أظهر” و”أفطوط” الشرقي اللذين تعول عليهما ساكنة الشرق والوسط لحل مشكلة العطش في هذه المناطق، يرجع إلى نقص التمويلات وتعدد الجهات المنفذة للمشروع.
غير أن الرئيس والحكومة الحالية، لم يقدما ما يشفي غليل المزارعين باستثناء توجيه حفارات إلى المناطق الأكثر معاناة من العطش من أجل تعميق بعض الآبار وتخفيض سعر الأعلاف، وفتح دكاكين “أمل” التي تبيع المواد المدعمة بأسعار مخفضة.
مخاوف دولية
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير حديث، إن موسم الجفاف وقلة المراعي أثّرا على فرص العمل وخفّضا فرص الحصول على الغذاء للأسر الفقيرة في المناطق الرعوية في موريتانيا والسنغال، وأضاف أنه في ظل الظروف الحالية، من المتوقع أن يتعرض حوالى 1.25 مليون شخص لمواجهة أزمة غذائية.
وأشار إلى أن المناطق التي شهدت شح الأمطار، العام الماضي في موريتانيا والسنغال، عرفت انخفاضاً في إنتاج محاصيلها ما بين 30 و80%، مما تسبب في استهلاك واستنزاف المخزون الغذائي للأسر، في وقت سابق عن المعتاد، حيث أصبحت الأسر تعتمد على مشتريات السوق لتلبية احتياجاتها من الطعام. ومع انخفاض مستوى الدخل وإيرادات مبيعات المحاصيل وانخفاض توافر الحليب أصبح الحصول على الغذاء صعباً.