Site icon IMLebanon

مصر وألمانيا – تجارة مزدهرة وفرص يضّيعها الفساد

Sisi-Merkel
ابراهيم محمد

على عكس التجارة المزدهرة بين مصر وألمانيا، لا تزال الاستثمارات بين البلدين ضعيفة. هل تنجح مشاريع الطاقة والنقل المطروحة للاستثمار في مصر بتجاوز هذا الضعف رغم تعقيدات البيروقراطية والفساد المستشري في الإدارات الحكومية؟

رغم الانتقادات الشديدة لنهج الرئيس السيسي في مجال الحريات من قبل وسائل إعلام ومنظمات وشخصيات مدافعة عن حقوق الإنسان، استقبلت المستشارة انغيلا ميركل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على رأس وقد ضخم ضم العشرات من رجال الأعمال وصناع القرار الاقتصادي. وخلال المؤتمر الصحفي المشترك اكتفت ميركل بانتقاد أحكام الإعدام ضد معارضين في مصر، لكنها أكدت على “الدور الاستراتيجي لمصر في استقرار منطقة الشرق الأوسط وتعزيز الأمن في أوروبا”. كما أكدت على استعداد ألمانيا للعمل على تحقيق انتعاش اقتصادي وتحسين الظروف المعيشية للمصريين من خلال تعزيز علاقات البلدين. وبدوره خصص الرئيس الرئيس السيسي وقتا كبيرا من زيارته إلى برلين للمشاركة في لقاءات وفعاليات اقتصادية مصرية- ألمانية شملت ممثلين عن شركات كبيرة في مقدمتها دايملر وايرباص وتيسن كروب وشركة سيمنز الألمانية العملاقة للهندسة الكهربائية والإلكترونيات.

مشاريع كبيرة وقوة دفع جديدة

شهدت زيارة السيسي إلى برلين إبرام أكبر صفقة في تاريخ سيمنز بقيمة 8 مليارات يور لإنشاء محطات توليد كهربائية تعمل بالغاز والرياح. وتعد هذه الصفقة مساهمة هامة في دعم الاقتصاد المصري حسب جو كايزر رئيس سيمنز. ويتوقع أن تكون حصيلتها الأولية توفير حوالي 1000 فرصة تدريب وعمل محلية للشباب المصري. ومنذ مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس الفائت 2015 تثير السوق المصرية الشركات الألمانية الكبيرة بشكل متزايد على ضوء المشاريع العملاقة التي تم الاتفاق على تمويلها خلال المؤتمر بقيمة 60 مليار دولار.
وتشكل مشاريع الطاقة والنقل أبرزها، لاسيما وأن مصر تعاني من عجز متزايد في سد حاجاتها من الكهرباء والغاز ومشتقات النفط. وحسب عصام خليل، القائم بأعمال رئيس حزب المصريين الأحرار والأمين العام للحزب فإن صفقة سيمنز تشكل بداية لصفقات ألمانية أخرى على ضوء حجم السوق المصرية الكبير الذي يضم نحو 90 مليون مستهلك وحاجة هذه السوق إلى استثمارات في مختلف القطاعات. ويرى علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن محطات الطاقة التي ستبنيها سيمنز في غاية الأهمية كونها ستساهم في حل مشكلة الطاقة ودفع المزيد من الشركات الألمانية والاجنبية للاستثمار في مصر.

تجارة مزدهرة واستثمارات ضعيفة

تعد ألمانيا أهم شريك تجاري لمصر على مستوى أوروبا. فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 4.4 مليار يورو في عام 2014، منها حوالي 2.9 مليار يورو صادرات ألمانية أبرزها الآلات والمنتجات الكيميائية ووسائل النقل. أما الصادرات المصرية إلى ألمانيا فيشكل النفط ومنتجاته حوالي 60 بالمائة منها، تليها الأنسجة والألبسة بنسبة 11 بالمائة والمواد الغذائية بنسبة 7 بالمائة.
وفي الوقت الذي تشهد فيه التجارة انتعاشا متواصلا منذ عقود، فإن الاستثمارات الألمانية في مصر تراجعت مؤخرا بسبب غياب الاستقرار الأمني والسياسي، مع أنها بالأساس متواضعة. وقدر مكتب التجارة والاستثمار الألماني حجمها بحدود 1.1 مليار يورو، أي أقل من 1.5 بالمائة من مجمل الاستثمارات الأجنبية المتراكمة في مصر والمقدرة بحدود 85 مليار دولار أمريكي في عام 2013.
أما المساعدات الألمانية لمصر في مجال تأهيل رجال الأعمال الشباب وتأسيس المشاريع الصغيرة وإصلاح الإدارات الحكومية فقد تراجعت بحدة على ضوء زعزعة الثقة بمناخ الاستثمار المصري خلال السنوات الثلاث الماضية. وخلال هذه السنوات ضعفت الثقة بالإطار القانوني للاستثمار وواجهت الشركات الألمانية أيضا صعوبات في الحصول على التصاريح اللازمة للعمل في مصر حسب كريستيان- هانز مانجلسدورف المستشار الاقتصادي بالسفارة الألمانية في القاهرة.

فرص كبيرة يعطلها الفساد

يتفق العارفون بالعلاقات الاقتصادية المصرية الألمانية على أن مستوى العلاقات بين البلدين باستثناء الجانب التجاري منها لا يرقى إلى مستوى الفرص المتوفرة لرجال الأعمال في كلا البلدين، لاسيما وأن مصر تتمتع بأحد أكبر الأسواق في منطقة الشرق الأوسط، في حين تتمتع ألمانيا بأقوى اقتصاد أوروبي ورابع أقوى اقتصاد عالمي. يُضاف إلى ذلك فرص النمو الجيدة للاقتصاد المصري والتي يتوقع أن أن تتراوح بين 4.2 و 4.6 خلال العامين الجاري 2015 والقادم 2016. وإذا كان البعض أمثال عصام خليل يعول على زيارة السيسي في إعطائها دفعا قويا إلى الأمام، فإن آخرين يعولون على ضرورة اعتماد سياسات أخرى تكافح البيروقراطية المعقدة والفساد المستشري كشرط لهذا الدفع. في هذا السياق يرى محمد زارع، مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن السياسات الحالية تتسم بقصر النظر وأن البديل يتمثل في سياسات تركز على محاربة الفساد والمحسوبيات. وفيما عدا ذلك فإن “أية استثمارات لن يحس بها الموطن”. كما أن الاستثمارات لن تأتي إلى مصر في ظل “التوترات الأمنية والسياسية وغياب دولة القانون”.

وفيما يتعلق بخطورة البيروقراطية التي يشتكي منها رجال الأعمال العاملون في مصر بشكل متكرر، قامت الحكومة بخطوة تشير إلى إقرارها بهذه الخطورة عندما أقرت أوائل مارس/ آذار 2015 قانونا جديدا موحدا للاستثمار يتوقع صدوره قبل نهاية هذا العام. ويقدّم القانون الجديد ضمانات وتسهيلات إضافية للمستثمرين بهدف تعزيز ثقتهم بالاستثمار في مصر. وحسب محمد عادل نائب رئيس الجمعية المصرية للتمويل فإن دخول القانون حيز التنفيذ سيعني قيام الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة باستيفاء كافة التراخيص والموافقات الخاصة بالمشروع نيابة عن المستثمر في مجالات تحدد بقرار من رئيس الجمهورية. كما تقوم بتفعيل نظام “الشباك الموحد” الذي يعني إصدار كافة التراخيص من جهة إدارية واحدة. إضافة إلى ذلك يقدم القانون حوافز ضريبية مغرية للمشاريع التي تشغّل العمالة المحلية بشكل مكثّف وتعمل على زيادة نسبة المكون المحلي في الناتج النهائي. كما يوسع القانون المذكور نطاق الضمانات المقدمة للمستثمر على أصعدة الملكية والتمويل والتصفية والعقوبات الجنائية.