في اطار سعيه الى دعم الصناعة الوطنية، اتخذ وزير الصناعة حسين الحاج حسن سلسلة قرارات تحد من إغراق السوق اللبنانية بمنتجات تنافس الإنتاج المحلي وخصوصاً رقائق البطاطا المصنّعة أو نصف المصنّعة، ومنتجات الألومينيوم.
ولكن يبدو أن هذه الاجراءات على ايجابيتها أساءت للعلاقات التجارية مع السعودية. اجراءات وزير الصناعة ترجمت بوجوب استحصال المستورد على ترخيص لاستيراد البضائع يصدر عن الإدارة المختصة بعد الاضطلاع على المواصفات والكميّات ومنشأ البضاعة.
هذه الاجراءات كانت موضع ترحيب من جمعية الصناعيين التي اعتبرت أنها تصبّ في مصلحة الصناعة المحلية التي عانت مراراً من الاغراق في ظل عدم قدرتها على المنافسة لأسباب عدة، اهمها الكلفة المرتفعة التي تعاني منها. ولكن يبدو أن هذه الاجراءات الحقت ضرراً بعدد من مستوردي هذه المنتجات على نحو رئيسي من احدى الشركات العالمية التي تعمل في المملكة العربية السعودية.
ففي 25 شباط 2015، أصدر الحاج حسن قراراً نشر في الجريدة الرسمية في 5 آذار الماضي، فرض على مستوردي رقائق البطاطا المصنّعة أو نصف المصنّعة، الاستحصال على إجازات استيراد مسبقة من المديرية العامة للصناعة. وفي 27 آذار 2015 أصدر قراراً يلزم بموجبه استيراد القضبان والزوايا والأشكال الخاصة من الألومينيوم المعروفة باسم “بروفيل ألومينيوم” الحصول على إجازة إستيراد مسبقة من الوزارة، على أن يبدأ تطبيقه اعتباراً من أول تموز 2015.
هذان القراران اعتبرهما الجانب السعودي مخالفين لبنود “اتفاق التيسير العربي” الذي يحظّر على الدول العربية تطبيق أي إجراء يعرقل تدفق البضائع بينها. ولكن رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل الذي يحرص على تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول العربية والخليجية، أوضح لـ “النهار” أن الاجراءات التي اتخذها وزير الصناعة ليست موجَّهة ضد أحد بل تصبّ في مصلحة الصناعة الوطنية، مستنداً الى ما صرّح به الحاج حسن في يوم الصناعة الوطني عندما قال “لسنا في حرب تجارية مع أحد. لن نمنع دخول البضائع، بل سنمنع إغراق أسواقنا”.
وحتى لا تتأزم الأمور أكثر، تعقد اجتماعات مع الجانب السعودي، على أن يليها اجتماع آخر مع السفير السعودي علي عواض العسيري لمعالجة المسألة من دون ضجيج اعلامي، وفق ما أكد الجميل الذي رأى أن مشكلة الاغراق تكبّد المصانع اللبنانية خسائر كبيرة يدفع ببعضها الى الاقفال النهائي. وفي هذا الاطار، يتخوّف الجميل من أن يؤدي الاستيراد المكثف لأنواع “الشيبس” بإلحاق الضرر بنحو 4 مصانع لبنانية توظف مئات العائلات اللبنانية، علماً أن الشركة التي تغرق السوق المحلية بهذا المنتج هي شركة عالمية تعمل في السعودية وليست سعودية وفق ما يشاع. وهذه الشركة، وفق الجميل، ضاعفت صادراتها إلى لبنان بحيث أصبح استيراد “الشيبس” يصل أخيراً الى أكثر من 1500 طن في 2014، بعدما كان أقل من 400 طن في الأعوام السابقة، علماً أن سوق “الشيبس” في لبنان لا يتجاوز الـ 5 آلاف طن.
ولا تقتصر أضرار اغراق السوق اللبنانية بـ”الشيبس” على المصانع المحلية التي تتكلف على إنتاج طن “الشيبس” نحو 300 دولار، فيما تبلغ كلفته في السعودية 50 دولاراً، إذ أن هذه الصناعة مرتبطة بزراعة البطاطا بما يعني أن خسائر كبيرة ستصيب المزارعين. وهو أمر وفق ما يقول الجميل “لا يمكن للجانب السعودي أن يقبل به، خصوصاً وأن السعودية تساعد لبنان بمليارات الدولارات، وهي لن تتأخر في مساعدة صمود اللبنانيين للبقاء في ارضهم”.
الاستياء السعودي من إجراءات وزير الصناعة لحماية الانتاج المحلي، استغربه رئيس “مجموعة ضاهر الاقتصادية” ميشال ضاهر الذي ذكر بأن السعودية تمنع دخول بعض المنتجات اللبنانية الى اراضيها كالبيض، معتبراً انه يتم التعامل مع الوزير الحاج حسن انطلاقاً من موقعه الحزبي وليس من موقعه كوزير لبناني.
واجراءات الحماية أمر بديهي برأي الضاهر، مستنداً بذلك الى مقارنة يجريها بين كلفة انتاج طن البطاطا في لبنان وكلفته في السعودية. إذ تبلغ كلفته للمصانع في السعودية 160 دولاراً، فيما تبلغ كلفته في لبنان نحو 300 دولار، وذلك ناتج من الدعم الذي تحظى به زراعة البطاطا في المملكة التي توفر للمزارعين اعانات ودعماً مالياً من دون فوائد، عدا عن الفارق في اسعار المحروقات، وكلفة العمالة (105 دولارات في السعودية و660 دولارات في لبنان)، وهذا يعني ان كلفة إنتاج طن “الشيبس” في لبنان تبلغ 300 دولار فيما كلفته في السعودية 50 دولاراً.
ومع أن مصادر الهيئات الاقتصادية كانت نقلت عن الجانب السعودي أن الاصرار على تطبيق القرارين المتعلقين بإجازة الاستيراد سيدفع السلطات السعودية إلى اتخاذ إجراءات تحدّ من تدفق البضائع إلى السعودية، يؤكد الضاهر أن الوزير الحاج حسن تصرف انطلاقاً من حسّه الوطني بدليل أن أصحاب مصانع “الشيبس” من مختلف الطوائف، فيما تزدهر زراعة البطاطا في منطقة عكار.