كانا أناجاكي
في عام 2010، كان أكيو تويودا يبدو جاهزا ليُخلع من منصب رئيس “تويوتا”، أكبر مجموعة سيارات في اليابان والشركة التي أسسها جده. بعد مرور ثمانية أشهر فقط على توليه المنصب، لم يعتقد تويودا أنه كان سينجو من الانتقاد على يد لجنة من الكونجرس الأمريكي بعد عملية سحب ضخمة لسيارات تويوتا. في ذلك الوقت، كانت الشركة تكافح من أجل التخلص من خسائر سنوية تبلغ 437 مليار ين (3.5 مليار دولار)، في حين إن المبيعات انخفضت بنسبة 28 في المائة منذ الأزمة المالية، لتُصبح 19 تريليون ين.
بعد مرور سريع لخمسة أعوام، منصب تويودا يبدو الآن لا يمكن تعويضه. شركة صناعة السيارات اليابانية تجلس مرة أخرى على قمة الصناعة العالمية، بصافي أرباح قياسية يبلغ 17 مليار دولار على خلفية مبيعات سنوية تزيد على عشرة ملايين سيارة في كافة أنحاء العالم. في حين إن منافستها الرئيسية، شركة فولكسفاجن، تبدو منشغلة بخلاف على القيادة.
لكن هناك شعورا قليلا بالنشوة في مقر الشركة الرئيسي. يقول أحد العاملين في شركة تويوتا “مع تحركات العملة غير المؤكّدة، لسنا في موقع يؤهلنا للاحتفال بتحقيق أرباح قياسية”. كذلك رئيسه يُردد الحذر نفسه ويقول “لا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به”.
لقد كانت شركة صناعة السيارات واحدة من أكبر المستفيدين من سياسة رئيس الوزراء، شينزو آبي، المتمثلة في التسهيل النقدي الشديد الذي أضعف الين. وشكّلت تحركات العملة 23 في المائة من إجمالي أرباحها التشغيلية البالغة 41 مليار دولار خلال العامين الماليين الماضيين.
لكن فوائد العملة بدأت تختفي مع ارتفاع تكاليف الدولار جراء الانخفاض في اليورو وغيره من عملات الأسواق الناشئة. كما تأتي سياسة آبي الاقتصادية مع قيود في ضوء مواجهة شركة تويوتا ضغطا من أجل مكافأة موظيفها بأجور أعلى. كما قامت أيضاً بتخفيض الطلب على الأسعار الأقل من شبكة المورّدين التي تتعامل معها، لتشجيع تدفّق ارتفاع الأجور إلى قطاع السيارات ككل.
ضغط الكوابح
في عهد تويودا خضعت شركة صناعة السيارات لتحويل جذري. النمو الهائل – الذي كان مبدأ توجيهيا فيما مضى – يُعتبر الآن أمراً خطيراً ولم يعُد الموظفون يجرؤون على استخدام “أعلى مستوى على الإطلاق” أو “الأولى” أمام الرئيس. وقد قام بإيقاف بناء مصانع جديدة لمدة ثلاثة أعوام، مع اكتشاف شركة تويوتا طرقا تجعل عملها أكثر فعالية. وباعتباره سائق سيارة سباق، قام تويودا بالضغط على مهندسيه لبناء سيارات أفضل، الأمر الذي يؤثر سلباً في كبريائهم أثناء ذلك.
لكن مع “توقف” شركة تويوتا، توسّعت شركة فولكسفاجن بقوة، حيث وضعت هدفاً لتجاوز منافستها اليابانية بحلول عام 2018. ويتوقع محللون على نطاق واسع أن تتصدر “فولكسفاجن” قمة مبيعات السيارات في هذا العام كأقرب وقت.
ضعف تويوتا يبدو أكثر وضوحاً في الصين، أكبر سوق سيارات في العالم، حيث تتخلّف عن ركب الشركات الأوروبية والأمريكية المنافسة بحصة تبلغ 5 في المائة فقط من السوق. المبيعات في الصين من قِبل شركات صناعة السيارات اليابانية تعقدت بسبب اندلاع نزاع إقليمي في عام 2012 أدى إلى رد فعل عنيف من المستهلك ضد السلع اليابانية.
هوارد سميث، العضو المنتدب في شركة إندوس كابيتال أدفايزرز، التي تستثمر في “تويوتا”، يقول “لقد تمت إعادة تأهيل “تويوتا” بالكامل وتملك تجارة مُربحة إلى جانب ميزانية عمومية غنية بالسيولة. الآن لقد حان الوقت للبدء في اتخاذ مزيد من المخاطر وإنفاق المال مرة أخرى”.
ويؤكد مسؤولون تنفيذيون أن فترة البحث عن الذات قد انتهت. هذا العام، اختار تويودا 24 شباط (فبراير)، تاريخ استجوابه من الكونجرس الأمريكي في عام 2010، لتمييز بداية إنتاجها سيارة سيدان ميراي الجديدة الكهربائية، واصفاً إيّاه بأنه يوم “للاحتفال ببداية تويوتا الجديدة”. وفي نيسان (أبريل)، أعلنت شركة صناعة السيارات خططا لإنفاق أكثر من 1.4 مليار دولار لبناء مصانع جديدة في المكسيك والصين، بالتالي رفع تعليق النشاط الذي استمر ثلاثة أعوام على بناء المصانع.
يقول محللون “إن اختبار قوة تحوّلها سيتم عند إنتاج الشركة سلسلة من النماذج على مدى الأعوام القليلة المقبلة باستخدام منصات ومكونات سيارات تم تجديدها”. المشروع الذي أطلق عليه اسم “تويوتا نيو جلوبال أركيتيكشر” TNGA أو “البنية العالمية الجديدة لتويوتا”، من المتوقع أن ينطلق مع سيارة هجين جديدة نوع بريوس في وقت لاحق من هذا العام، وتغطية نصف سياراتها بحلول عام 2020.
يقول مسؤولون تنفيذيون “إن الهدف هو صناعة سيارات جذّابة وبأسعار معقولة باستخدام قطع مشتركة من كافة أنحاء القارات والمركبات، في تحوّل عن ممارستها التقليدية المُتمثلة في جلب المكونات في الغالب من مجموعة متماسكة من الموردين اليابانيين”. وعلى المدى الطويل، تريد أن تكون ذكية بما فيه الكفاية للاستجابة إلى التغيرات في السوق، من انخفاض الطلب إلى التقلبات في سعر صرف الين.
يقول كيتا كوبوتا، مدير الاستثمار الذي مقرّه طوكيو في شركة أبردين لإدارة الاستثمارات “إن قدرة “تويوتا” على التقدّم خطوة أخرى إلى الأمام تعتمد على مشروع TNGA. الجميع متحمّس وقلق في الوقت نفسه لأن سيارة بريوس ستكون بمثابة اختبار حقيقي”.
قرارات صعبة
تويودا كان صريحاً في انتقاده عندما تولى رئاسة الشركة في عام 2009، حين جادل بأن السعي المحموم لتحقيق حجم مبيعات كبير قد تسبّب في فقدان شركة صناعة السيارات لمستها مع زبائنها، ما أدى إلى بيع سيارات مملة بكميات كبيرة، لكنها فشلت في إثارة الحماس. لقد كان ذلك مصدر قلق كان قد أخفاه، وذلك وفقاً لأشخاص عرفوه، منذ أن كان يُشرف على العمليات الآسيوية في منتصف العقد الأول من الألفية.
لكن مقترحاته قابلتها معارضة من مسؤولين تنفيذيين سابقين وحالة من الذعر بين المورّدين. يقول مسؤول تنفيذي سابق “الجميع كان يعلم أن “تويوتا” كانت تنمو بسرعة كبيرة. لكن وحده تويودا، بسبب خلفية عائلته، من يستطيع اتخاذ قرارات صعبة وتوجيه الشركة مرة أخرى إلى الوضع الطبيعي”.
وفي غضون عام من تعيينه، انسحبت شركة تويوتا من سباق الفورمولا وان وأغلقت مصنعا في كاليفورنيا كان يعمل فيه 4600 عامل. وبدلاً من الوظائف، خفضت الإنفاق في المعدات وخطوط الإنتاج في الوطن. والآن تنفق أقل بنسبة 40 في المائة لبناء مصانع جديدة، مقارنة بعام 2008، وتستطيع إنتاج عشرة ملايين سيارة باستخدام مساحة مصنع لستة ملايين فقط.
يقول ميتسوهيسا كاتو، نائب الرئيس التنفيذي في “تويوتا” “بالنسبة لنا المهندسين، كان صعباً أن الرئيس كان يقول باستمرار إننا بحاجة إلى بناء سيارات أفضل بما أن عديدا منا كان يعتقد أننا كنا نقوم بذلك طوال الوقت. لكن الجوهر هو حتى في بناء سيارات أفضل”.
هذا يعني أن كبار المهندسين الأقوياء في “تويوتا” كان عليهم تعديل طريقتهم في تصميم السيارات. لبناء السيارات بفعالية أكبر، ينسق المهندسون حاليا مع الأقسام الأخرى ويشركون مورّدي القطع في مرحلة مبكرة من العملية. الأيام التي كان يتم فيها إنتاج 800 نوع محرك، حسب الطلب، ولّت الآن.
يقول يوزو يوشياما، رئيس توكاي ريكا، إحدى الشركات المورّدة التي تتعامل معها “تويوتا”، “مشروع TNGA لن ينجح ما لم يكُن هناك تعاون بين أقسام المنظمة”.
كذلك قام تويودا البالغ من العمر 59 عاماً، ويشغل منصب الرئيس التنفيذي، بتحطيم التقاليد أخيرا، من خلال جلب مسؤولين بارزين من شبكة الشركة من المورّدين للمرة الأولى، من أجل إعادة تصميم صناعة السيارات بالكامل. وقام أيضا بترفيع أحد العاملين المُخضرمين من المصنع ليتولى منصبا تنفيذيا في نيسان (أبريل)، في محاولة لنقل مهارات التصنيع التقليدية إلى موظفين أصغر سناً.
جراحة العمود الفقري
بعد أن تعمدت إيقاف نموها، يُحذر محللون من أن “تويوتا” يجب أن تقوم الآن بالتخلّص من ماضيها.
يقول كوتا يوزاوا، المحلل في “جولدمان ساكس”، “السؤال هو كيف ستستثمر في النمو. فهي بحاجة إلى بناء مزيد من المصانع تخرج منها مجموعة كبيرة من المنتجات الجديدة”. ويضيف “بمجرد أن تبدأ في النمو، “تويوتا” بحاجة إلى التأكد أنها لن تنمو بشكل كبير خارج عن السيطرة”.
وتصارع جميع شركات صناعة السيارات الرئيسية مع تباطؤ النمو وتضخّم التكاليف لتطوير تكنولوجيات ذات فعالية في توفير الطاقة. ويُقدّر “جولدمان ساكس” أن هناك تكاليف إضافية تبلغ 2500 دولار لكل مركبة حتى تمتثل شركات التصنيع للوائح الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ويقول محللون “إن مشروع TNGA هو حل “تويوتا” لتلك المشكلات المتنافسة: محاولة لإعادة تحديد العمود الفقري لنظام إنتاجها من أجل تلبية الاتجاهات العالمية نحو سيارات أرخص ذات جودة عالية”. وتدّعي “تويوتا” أن النظام سيخفض تكاليف التطوير بنسبة 20 في المائة، مع تقدير يوزاوا أن الشركة تستطيع تخفيض تكاليف القطع بمقدار ألف دولار لكل سيارة، نصفها قد يُترجم إلى أرباح.
وكشفت شركة صناعة السيارات اليابانية عن هذا المفهوم قبل ثلاثة أعوام، بعد أن درست جهودا مماثلة في مشاركة المنصة مع شركة فولكسفاجن. واعتمدت كل من شركة رينو وشركة نيسان نهجا مماثلا.
وليس من المُستغرب أن تحويل هذه الفكرة إلى واقع ملموس استغرق ثلاثة أعوام – مثلا، وجود خطوط إنتاج يمكن اختصارها أو تمديدها حسب الطلب. لكن ما سيحدث بعد ذلك سيحدد نجاحها.
لقد كافحت “فولكسفاجن” لرفع هامش أرباحها من خلال مشاركة المنصة، مع عائدها التشغيلي على المبيعات الذي بلغ 6.3 في المائة العام الماضي، مقارنة بـ 10.1 في المائة لشركة تويوتا.
يقول تاكاكي ناكانيشي، المحلل السابق في “ميريل لينش” الذي يدير مجموعة الأبحاث الخاصة به، “إن مشروع TNGA سيُعتبر ناجحاً إذا تمكّنت “تويوتا” من الحفاظ على هامش أرباحها. لكن على أرض الواقع سيكون الأمر صعباً للغاية”.
وبمجرد أن تبدأ السيارات الأولى التي يتم إنتاجها في استخدام المنصات الجديدة في الوصول إلى الشوارع في وقت لاحق من هذا العام، يقول محللون “إن التدبير الكبير بالنسبة لشركة تويوتا سيكون ما إذا كانت تستطيع معالجة مكانتها الضعيفة نسبياً في الصين والهند”.
وتعتبر شركة صناعة السيارات اليابانية قوية تقليدياً في أسواق ناشئة أخرى مثل تايلاند – التي تعد مركز إنتاج رئيسيا. واستفادت أيضاً من انتعاش قوي في سوق أمريكا الشمالية، التي ولدت 27 في المائة من مبيعاتها السنوية للسيارات منذ بداية العام حتى آذار (مارس).
التحدي الصيني
يقول ناكانيشي، “إن “تويوتا” تتفوّق في بيع سيارات ذات جودة بأسعار عالية في الولايات المتحدة، لكنها ليست جيدة في صناعة السيارات منخفضة التكاليف”. مبيعاتها من سيارة إتيوس سيدان ذات الحجم المتوسط، التي تم تطويرها للسوق الهندية بسعر يقل عن عشرة آلاف دولار، تراجعت منذ إطلاقها عام 2010.
والتحدّي الرئيسي هو الصين، حيث وصلت مبيعات “تويوتا” إلى مليون سيارة للمرة الأولى العام الماضي – لا تزال هناك طريق طويلة تفصلها عن “فولكسفاجن” و”جنرال موتورز”، اللتين باعتا أكثر من 3.5 مليون وحدة لكل منها. يقول ساتومي هارادا، كبير المحللين في شركة آي إتش إس للسيارات، “إنها أخطأت الحُكم على السوق، من خلال دفع نماذج لم تُلب الأذواق المحلية”.
ولا يزال على العلامات التجارية اليابانية أن تتعافى من النزاع مع الصين الذي سمم العلاقات بين البلدين. حتى شركة نيسان، أكبر شركة يابانية في الصين، تقول إنها خسرت عامين في التطوير بسبب النزاع على جزر سينكاكو التي تُسيطر عليها اليابان، المعروفة باسم دياويو في الصين. وقال كارلوس غصن، الرئيس التنفيذي لشركة نيسان أخيرا، “أنا لست متأكداً (حتى) اليوم أن بعض الأجزاء من السوق مُنفتحة على العلامات التجارية اليابانية”.
عندما سُئل الشهر الماضي عن ضعف أدائها في مناطق خارج الولايات المتحدة، أصرّ تويودا على أن جهودها ستُثمر في نهاية المطاف من حيث ارتفاع المبيعات والأرباح. لكن بعد مرور خمسة أعوام على أزمة السحب – التي انتهت باعتذار وغرامة تبلغ 1.2 مليار دولار – فإن الموكب الرئاسي الذي يتبع تويودا يؤكد القوة التي يتمتع بها الآن بعد تحقيق انعطاف جذري. مع ذلك، يعتقد أن شركة تويوتا لا تزال أمامها طريق طويلة لتقطعها، مُحذّراً من أنها تميل إلى أن تكون غير مهتمة للغاية برأي الآخرين. “لأننا أقوى، علينا الآن بذل مزيد من الجهود من أجل ولادتنا الجديدة”.