بقلم طوني أبي نجم
في العام 1988 أطلق الموفد الأميركي الى لبنان ريتشارد مورفي شعاراً شهيراً هو “مخايل الضاهر أو الفوضى”، وذلك بعد جولات مكوكية بين بيروت ودمشق للبحث في الاستحقاق الرئاسي. لا يزال الشعار عالقاً في أذهان اللبنانيين، وخصوصاً أن مورفي نقله عن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
وبالفعل هذا ما حصل، رفض اللبنانيون الأحرار، وفي مقدمهم المسيحيون يومذاك، محاولة التعيين السورية لرئيس جمهوريتهم فأسقطوا مرشح حافظ الأسد، لكن الجمهورية غرقت بالفوضى التي وعدنا بها الأسد، الى ان وصلنا الى اتفاق الطائف بعد سنتين من الحروب العبثية.
بعد 27 عاماً بات “حزب الله” ينوب عن الاحتلال السوري، ونائب أمينه العام نعيم قاسم ينوب عن مهمة حافظ الأسد. هكذا رفع قاسم شعاراً مماثلاً: “ميشال عون أو لا رئاسة”.
وكأن التاريخ يأبى إلا أن يعيد جزءًا من نفسه، مع بعض المقارنات التي لا بدّ من تسليط الضوء عليها:
ـ في آب من العام 1988 تمكن الثنائي العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع من تعطيل نصاب جلسة انتخاب كان مقدّراً أن يتم انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية رئيساً فيها، بعدما تمّ التوافق ضمنياً على أن يغض الجيش النظر فتتولى وحدات “القوات اللبنانية” نصب الحواجز العسكرية لمنع النواب من الوصول الى مقرّ مجلس النواب المؤقت يومها في قصر منصور.
ـ معادلة القوة هذه أعطت المسيحيين القدرة على حق النقض (الفيتو) عبر منع انتخاب أي رئيس لا يرغبون به، ولو بالقوة. في المقابل لم يكن بمقدور المسيحيين تأمين النصاب لانتخاب الرئيس الذي يريدونه، وذلك بفعل عاملين: الأول هو الهيمنة السورية على إرادة عدد كبير من النواب وصولا الى حدّ تهديدهم. والثاني هو أن المسيحيين كانوا مقسومين الى قسمين: فمن جهة العماد عون رفع “شعار أنا أو لا أحد” منذ ذلك التاريخ ولم يكن في وارد القبول بانتخاب غيره رئيساً، ولو اقتضى الأمر تحريك وحدات الجيش التي كانت بإمرته. ومن جهة ثانية كان البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير و”القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” و”الوطنيون الأحرار” وكل أحزاب “الجبهة اللبنانية” إضافة الى “تجمّع النواب الموارنة المستقلين” وعدد من النواب المسيحيين كانوا أجمعوا على لائحة من 5 أسماء- مرشحين في طليعتها الرئيس الشهيد رينيه معوّض، قدّمها البطريرك صفير الى مورفي. وبطبيعة الحال لم يكن اسم عون وارداً في هذه اللائحة.
ـ بعد 27 عاماً اتضح أن رهان حافظ الأسد على الفوضى، إنما كان رهاناً على العماد عون وجموحه نحو الرئاسة، وما يمكن أن يتسبّب به جموحه هذا. فكانت 3 حروب في أقل من سنتين، أوصلت الى اتفاق الطائف وتقليص صلاحيات المسيحيين، وتحديداً في رئاسة الجمهورية.
ـ بعد 27 عاماً يتأكد أن رهان الاحتلال الإيراني عبر “حزب الله” لا يزال على ميشال عون وجموحه نفسه، فيرفع شعار “ميشال عون أو لا رئاسة” في محاولة مكشوفة هذه المرّة لأن تكون النتيجة لا رئاسة مسيحية بعد اليوم.
يدرك “حزب الله” وبشار الأسد والإيرانيون من خلفه أن المسيحيين الأحرار بقيادة سدّ منيع هو هو منذ الـ1988 واسمه سمير جعجع لن يسمحوا بوصول مرشح “الاحتلال الجديد” ميشال عون الى سدّة الرئاسة مهما كلّف الأمر. لكن يسقط حزب ولاية الفقيه من حساباته أن المسيحيين ليس لوحدهم في المعركة هذه المرة، فإلى جانبهم وكتفاً على الكتف، شركاؤهم المسلمون في “ثورة الأرز” التي وحّدتها دماء الشهداء بقيادة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وبالتالي فإن أي محاولة لابتزاز اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً من أجل الرضوخ لمطلب انتخاب عون تحت التهديد بضرب موقع الرئاسة المسيحي لن ينجح بفعل التوحّد حول رفض وصول عون والإصرار على التمسّك بـ”الطائف” وميزة لبنان الفريدة بين الدول العربية برئيسه المسيحي وتنوّعه والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين.