Site icon IMLebanon

اليونان .. خطتان كئيبتان لا تساعدان اقتصاد البلاد

GreeceEuro3
فولفجانج مونشاو

يوجد الآن اقتراحان على الطاولة – الأول من الدائنين والثاني من اليونان. المشترك بينهما هو أن أيا منهما لن يعمل على إصلاح الاقتصاد اليوناني. وهما لا يدّعيان ذلك. وكلاهما يستحق الرفض بشدة.

في كل مرة يدخل فيها التكنوقراطيون الأوروبيون في مفاوضات طويلة، يضيعون في التفاصيل الفنية ويصبحون غير قادرين دستورياً على رؤية الصورة الأكبر. بإمكانهم قضاء أسابيع في مناقشة ما إذا كان الفائض الأولي في عام 2016، قبل دفع فوائد الديون، ينبغي أن يكون 1.5 في المائة أو 2 في المائة – يبدو أنهم لا يدركون أن هوامش الخطأ لأي من توقعاتهم تتجاوز تلك الفجوة الصغيرة بمضاعفات كبيرة. كما لم يعُد الدبلوماسيون الاقتصاديون قادرين على معرفة جوهر الأمر كله – وهو السماح لليونان بالنجاة، وفي نهاية المطاف الازدهار، داخل منطقة اليورو.

هناك تفسير أقل تسامُحاً، هو أنهم ببساطة ربما كانوا غير مهتمين. بعض الدائنين لا يهتمون سوى بإبقاء العرض قائماً مهما يحدث. على وجه الخصوص، هم يرفضون الاعتراف رسمياً بأن قروضهم لليونان لن يتم سدادها على الإطلاق. وهم يعلمون أنهم ضللوا ناخبيهم فيما يتعلق باليونان، ولا يريدون أن يتم كشفهم، على الأقل ليس أثناء وجودهم في السلطة.

في الوقت نفسه، الهدف الرئيسي لرئيس الوزراء اليوناني، أليكسيس تسيبراس، هو البقاء في السلطة. لهذا ربما يناسبه اتفاق على تمديد فترة السداد والتظاهر بأن الديون سيتم سدادها، الذي هو النتيجة المحتملة لهذه المفاوضات إذا تكلّلت بالنجاح. بالتالي، الاحتمال مرتفع لعقد صفقة رديئة تُناسب المتفاوضين، لكنها لن تُساعد الاقتصاد اليوناني.

إذن، ما المشكلة في الاقتراحين؟ الاقتراح اليوناني مُخادع. واقتراح الدائنين يتطلب مستوى مستحيلا من التقشف، لكنه أيضاً ضروري إذا أرادت اليونان تخفيض ديونها إلى مستوى أكثر استدامة، وفي الوقت نفسه الوفاء بالتزاماتها. وهذا مزيج سيئ.

ما يجعل الاقتراح اليوناني مُخادعا هو أن الأرقام لا تبدو منطقية. التعديلات في المالية العامة أقل مما هو مطلوب لتحقيق فائض أولي بنسبة 3.5 في المائة، وهذا طلب تقدم به الدائنون ويقول تسيبراس “إنه يوافق عليه”.

كذلك ربما قال لهم تسيبراس “أنا سعيد لوضع أي رقم تُريدونه. فأنا سأقوم بالغش على أي حال. إذا كان فقدان الثقة المتبادلة هو المشكلة، فإن هذا الاقتراح لن يقوم بإصلاحها”.

إذا رجعنا قليلاً إلى الوراء، فليس من الصعب رؤية الحل: تقشف أقل، إصلاحات أكثر للقطاع العام، وبعض العمليات الذكية لإعادة هيكلة الديون. هذا كان الاستنتاج الساحق في مؤتمر عقده في الآونة الأخيرة عدد من أبرز مختصي العالم في هذه القضية، كما أفاد ريتشارد بورتس ومؤلفون مشاركون من كلية لندن للأعمال في مقالة نشرت أخيرا.

نحن لا نتحدث عن الإصلاحات ذات الطابع الأيديولوجي، أو عن توظيف وتسريح الموظفين، مثلا، أو عن إنهاء التفاوض الجماعي، وإنما عن الإصلاحات المفيدة اجتماعياً، مثل التحصيل الصادق للضرائب، أو إدارة عامة حديثة، أو نظام قانوني عامل.

بدون تحديث البنية التحتية للقطاع العام في اليونان، ليست هناك أي وسيلة تستطيع من خلالها اليونان وأجزاء كبيرة من أوروبا الشمالية أن تتعايش معاً في اتحاد نقدي. قد تكون وصفة لركود هيكلي لا ينتهي.

ماذا عن الحجة التي تقول إن اليونان ينبغي أن تقبل صفقة سيئة الآن، لأنها ستعمل على كسب الوقت من أجل مفاوضات أكثر شمولية خلال الصيف؟ المشكلة في هذه الحجة هي أنها تقوم على مقدمة خاطئة. بمجرد أن تقبل اليونان الصفقة الحالية، ستكون قد قبلت أساس الاتفاق المقبل أيضاً، لأن الحسابات المالية العامة لن تتغيّر. إذا وافقت على التقشف الآن، فهي موافقة تسري على ما هو آت.

أفضل تكتيك تفاوضي بالنسبة لتسيبراس سيكون رفض عرض الدائنين بصراحة، والعودة بخطة ذكية، خطة لديها فرصة للنجاح. مثل هذه الخطة يجب أن تشتمل على إصلاحات أكثر مما يُقدّم في الوقت الحالي. سيكون بحاجة إلى تجاوز الخطوط الحمراء التي يشتهر بها – فيما يتعلق بالمعاشات التقاعدية أو ضريبة القيمة المُضافة، مثلا.

إن وجود برنامج واقعي من شأنه إلزام اليونان بميزانية أولية متوازنة فقط هذا العام، وفوائض متواضعة في المستقبل تكون مترتبطة بالأداء الاقتصادي. هذا قد لا يكون مقبولاً بالنسبة للدائنين، وربما يكون الأوان قد فات بالفعل على ذلك، لكن على الأقل بإمكان تسيبراس المطالبة بالمعايير الأخلاقية العالية. واقتراحه الحالي ليس ضمن هذه الفئة. أسوأ نتيجة محتملة ربما تكون صفقة من نوع تمديد مدة القرض، ما يترك اليونان التي بدون إصلاح ومحرومة من السيولة في حالة دائمة من الركود.

العواقب النهائية لمثل هذا المسار يمكن أن تكون انهيار المجتمع المدني والديمقراطية. وستعمل الصفقة السيئة على زيادة احتمال الخروج في نهاية المطاف من منطقة اليورو، وخروج اليونان ليس خياراً جيداً ومنطقة اليورو ليس لديها مصلحة عقلانية في ذلك.

لكن علينا أن نفهم أنه، من وجهة نظر اليونان، هذا ليس أسوأ الخيارات. فنحن نقترب من لحظة ماكبث في الدراما اليونانية “إذا كان لا بد من القيام بهذا الأمر، فكلما أسرعنا بتنفيذه كان أفضل”.