رائد الخطيب
طالب معظم المشاركين في مؤتمر النفط والغاز Lebanon Governance and Integration، أمس، بالشفافية وإقرار المرسومين العالقين في مجلس الوزراء، وبالحد من التفاؤلات والعودة الى الواقعية في ما خصَّ الاحتياطات الكامنة في قعر البحار، واعطاء فسحة أكبر للمجتمع المدني والقوة الطلابية، وبتشكيل «لوبي اقتصادي» يستطيع ارغام الطبقة السياسية على السير في الموضوع النفطي الى النهاية السعيدة، وعلى الرغم من الكلام العلمي والاقتصادي والتقني الذي اتسم بهِ المؤتمر، إلا أنَّ كثيراً من الانتقادات وردت في الكلمات على لسان أهم الخبراء الاقتصاديين، وهو ما حول المؤتمر الحاشد على مدى عشر ساعات، الى حلبةِ صراع ديموقراطي بين المعنيين الرسميين والخبراء من خارج الإطار الرسمي للقطاع، وبالتأكيد فإن المؤتمر فرض الكثير من الواقعية في أهم ملف ينتظر اللبنانيون أن يصل الى نهايتهِ السعيدة.
وقال رئيس «منتدى الحوار الوطني (FFND)المهندس فؤاد المخزومي لـ«المستقبل»، «إن المؤتمر يركز على الانتاج والموضوع سياسي، نحن نحتاج الى قرار سياسي، والا سنبقى في المراوحة ونتحول الى المنظرين، للأسف نحن نعاني الطائفية والمحاصصة ولا يجب اقفال الباب أمام مواردنا، علينا كقوة اقتصادية أن نضغط«، وأشار الى أهمية انشاء تجمعات اقتصادية «لوبي» ضاغط لتحريك هذا الملف، خصوصاً أنه ليس بامكاننا أن نلعب سياسة والتسويات قادمة الينا.
فقد رعى وزير الطاقة والمياه آرتور نظريان، مؤتمر النفط والغاز الذي نظمته شركة Front Page Communication، مع المعهد العالي للأعمال (ESA) وحركة المؤسسات والممثليات الاقتصادية لفرنسا في لبنان (MEREF) و»منتدى الحوار الوطني« (FFND)، في مبنى المعهد العالي ESA في كليمنصو.
بداية تحدث رئيس مجلس إدارة Communication Front Page كميل منسى، فدعا الحكومة الى «إقرار المراسيم نظرا الى أهمية هذا القطاع ولتوعية الرأي العام على أهميته، والذي سيعيد الحياة إلى الإقتصاد اللبناني والسعي إلى جعل الرأي العام قوة ضاغطة لحمل الحكومة على الإسراع في إدخال لبنان في نادي الدول النفطية«.
تلاه مخزومي، الذي شدد على «أهمية ودور قطاع النفط في لبنان وضرورة تفعيله»، مؤكدا أن «على الإقتصاد أن يقود السياسة وليس العكس». ولفت الى أن «الاهتمام بهذه الثروة يعود لضرورة إحداث نهضة اقتصادية تنقل لبنان من مشهد الضعف اقتصاديا واجتماعيا وعلى مختلف الصعد إلى مشهد قوة وإشراق ونجاح»، مشيرا إلى أن «تغيير الواقع الاقتصادي سينعكس حتما على الوحدة الوطنية وعلى السلم الأهلي»، وأكد أن «تحضير البنى السياسية يجب أن يسبق البنى التحتية والتجهيزات لاستخراج النفط»، لافتا إلى أن «الثروة الجديدة يمكن أن تتحول إلى كارثة إذا لم تتبدل ذهنية الطبقة السياسية من حال الاستئثار والمنفعة الخاصة إلى حالة النظرة الوطنية«.
وأبدى ثقته بـ«الدور الذي تقوم به هيئة قطاع البترول التي اجتمع إليها»، وأكد «ضرورة إقرار المراسيم النفطية«. ودعا إلى «التغيير والنظر إلى الاقتصاد كدعامة للدول وقراءة مقدراتنا الوطنية والبناء عليها بإيجابية وشفافية وإحياء لبنان اقتصاديا وإيجاد فرص عمل لكثير من الشباب«.
بعده، كانت كلمة للوزير نظريان، قال فيها، إنَّ «لبنان أمام مفترق طرق ولديه إمكانات واعدة ليصبح دولة منتجة للنفط والغاز في المنطقة، ولا يمكن بلوغ هذا الهدف إلا عبر التوافق على إكمال المسيرة التي بدأها لبنان وإقرار مرسومي تحديد الرقع البحرية ودفتر الشروط واتفاق الاستكشاف والإنتاج، الأمر الذي سيتيح للشركات المؤهلة مسبقا تقديم مزايداتها من أجل تلزيم أعمال الاستكشاف في المياه البحرية اللبنانية. لذلك، يترتب علينا كمسؤولين الاستمرار في بذل الجهود والعمل الدؤوب والمثابرة والالتزام والتنسيق الدائم مع المجتمع المدني والمؤسسات التربوية والأكاديمية ووسائل الإعلام. ولكي لا نفوت على لبنان فرصة ذهبية لتعزيز مكانته على خارطة النفط والغاز في الشرق الأوسط، فإن واجبنا الوطني يحتم علينا الإصرار على إطلاق الفرص وتحريرها من سجن التأخير والتأجيل غير المبرر«.
كما كانت كلمة لمنير بو عزيز تحدث فيها عن تقنيات الغاز السائل.
وبانتهاء الجلسة الافتتاحية أعطي المجال للحوار والمناقشة، حيث سأل رئيس اتحاد الغرف اللبنانية محمد شقير عن الحل في ظل التعثر السياسي القائم، وفي ردٍ على شقير قال الوزير نظريان، إن المجتمع المدني والهيئات الاقتصادية يجب ان تضغط من أجل موضوع النفط، خصوصاً أن لديهم تأثيرا كبيرا في هذا المجال، ورأى أن الهيئة ووزارة الطاقة قد قامتا بدوريهما والكرة الآن في ملعب رئيس الحكومة، لافتاً الى أن الأمر يحتاجُ الى اتفاق سياسي لكنه ربما يكون اقليمياً وليس داخلياً.
وفي أعقاب الجلسة الافتتاحية، عقدت جلسة نقاش عن «الأوف شور»، تحدث فيها وسام شباط من هيئة إدارة القطاع البترولي، بعد عرض مستفيض للبلوكات ومحتوياتها ومسار العمليات في الأنشطة البترولية، أن العرض مناسب بشأن جذب الشركات. أمّا الخبير النفطي القبرصي صولان كوسينيس، فرأى أن سوق الغاز والنفط هي سوق كبيرة، وأن الاستثمارات كبيرة جداً، لافتاً الى ما قامت به قبرص من اتفاقات ولا سيما مع شركة توتال، وتطرق الى الموضوع الاسرائيلي والعملية الجارية في حقل تمار وكذلك بالنسبة لمصر، أمّا بشأن لبنان فأشار الى أن التقدم بطيء جداً، بانتظار قرار الحكومة لذا يصعب التكهن من الآن حول مسار العملية النفطية والغازية في لبنان، وقال إنه بالنسبة للبنان فيجب تحديد لإعادة احياء التقدم تجاه الترخيص، واعادة اهتمام الشركات، خصوصاً أن هناك امكانية لزيادة خمسة بلوكات إضافية على البلوكات العشرة الموجودة، لافتاً الى أهمية تحديد المنطقة الاقتصادية بين لبنان واسرائيل.
أمّا الخبير الجيولوجي فواز جواد، فطالب بتعديل القانون النفطي والمراسيم العالقة، وقال إن الشفافية ليست قانوناً بل هي واقع وأنت لا تستطيع إرغام الحصان على الشرب، وأنه بالتالي علينا وضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، وعلينا اعتماد الشمولية بدلاً من التفرد، لافتاً الى أنه يجب تحديد السوق وكيفية الاستهلاك قبل أن يقع لبنان تحت رحمة الشركات. وانتقد الآلية التي تسير بها السياسة النفطية في لبنان، وقال إن أحداً لا يفهم كيف يتم توزيع الأدوار مطالباً بإعطاء الجيش والقوى الأمنية دوراً كبيراً، ودعا الى انشاء شركة وطنية من الآن قبل نهاية السنة الجارية، داعياً الى تعديل في القانون النفطي، لافتاً الى أن القانون غير مكتمل، وتعديله لا يحتاج الى أكثر من 60 يوماً، كما دعا الى عدم التشكيك بقدرات المؤسسات اللبنانية، رغم كل شيء.
وأما الجلسة الثانية التي أدارها المدير العام لوزارة الطاقة فادي قمير، فدعا الى تفادي المشكلات وذلك من خلال التماثل مع النروج، وقال إن هيئة إدارة القطاع البترولي هي منصة جيدة لتبادل الخبرات.
وتحدث فيها رئيس هيئة القطاع البترولي غابي دعبول عن الحوكمة في قطاع الغاز والنفط، التي هي من سترسم الخط المستقبلي لهذه الثروة الوطنية، لافتاً الى أن المادة 3 من القانون النفطي قد حددت مسار الصندوق السيادي، وقال إن القانون الحالي هو خاص بالأوف شور، ولا ونحن نريد أن تكون الحوكمة للقطاع شاملة من كافة القطاعات ويأتي في طليعتها المجتمع المدني والمجتمع الطلابي وكذلك رجال الأعمال والاقتصاد.
وتناول موضوع الأمن الطاقوي في المستقبل إن على صعيد تلبية الاحتياجات الداخلية أو الكهرباء، وقال ان لا انشاء للشركة الوطنية قبل التأكد من الكميات التي موجودة لدينا هي كميات تجارية كما تنص على ذلك صراحة المادة السادسة من القانون النفطي، لافتاً الى أن القانون يحتوي على الكثير من المواد التي تطالب بالشفافية ومنع الفساد ومنها المادتان 162 و43، ودعا المجتمع الى الضغط على السياسيين من أجل اقرار المرسومين، والى دفع الحكومة للانضمام الى مبادرة الشفافية الدولية.
أما الوزير السابق ناصر السعيدي، فسأل عن كيفية استفادة لبنان من الطاقة الواعدة، وقال لن نستفيد ما لم نطبق قواعد إدارة الحكم الرشيد، وقال نحن بحاجة الى نظام ضريبي واضح، والى ربط الثروة الواعدة بالاقتصاد الكلي حرصاً على استدامتها، كما أننا بحاجة الى الارتقاء بالضمانات ودفع القطاع الخاص الى الانخراط بهذه العملية، لافتاً الى أننا كدول شرق أوسطية نعاني من مسألة الشفافية، محذراً من المثال الهولندي الوخيم السمعة، مقترحاً الانضمام الى ميثاق الموارد الطبيعية. وقال إن لدينا سمعة سيئة للبنان ومؤسساتنا، خصوصاً اننا نتلقى الرشاوى ولذلك نحن بحاجة الى هيئة ناظمة مستقلة.
أما الخبير وليد خدوري، فأشار الى أن ليس هناك ما يؤكد كميات الاحتياط النفطي والغازي في لبنان، لافتاً الى أن موضوع النفط أصبح معولماً، لذلك على لبنان أن يوسع من دائرة التفكير في موضوع الثروة المتوقعة إن لجهة الأسواق أو الاسعار أو الاستهلاك، داعياً لبنان الى التفكير جدياً وقبل التصدير وايجاد الأسواق الى اشبع السوق اللبنانية ولا سيما الغاز المنزلي وموضوع الكهرباء، وأشار الى المحاذير التي تعتور عمليات التصدير من لبنان الى دول الاقليم، عارضاً للتجربة المصرية والقطرية، ولفت الى أن التكلفة التي يتطلبها تحويل الغاز الى غاز سائل، وقال إن التصدير الى أوروبا يتطلب اتفاقات ثنائية وضرائب ترانزيت وأن لبنان سيعاني كثيراً في المرحلة المقبلة، ما لم يفتش عن بدائل ويدرس جيداً كيفية استثمار هذه الثروة.
وفي جلسة عن تحسين الايرادات من النفط والغاز في لبنان، تناول وسام الذهبي عضو هيئة القطاع البترولي، النظام النفطي المتداول فيه في لبنان، والذي يجمع فيه بين نظامي الامتياز ونظام تقاسم الانتاج، وقال إن المطلوب هو جذب الشركات لكن لا أن يكون ذلك على حساب الدولة، لافتاً الى أن التشريعات الموضوعة ليست وليدة يوم وليلة بل وليدة 8 سنوات من العمل الدؤوب، وأكد أن هيئة القطاع تدرس كل الآفاق المحتملة بشأن الغاز إن لجهة الأسواق أو الغاز، لافتاً الى أن النظام المالي الموضوع هو تقدمي وليس نظاماً مالياً تصاعدياً، ومن هذا المنطلق علينا أن ننظر الى الأمر الى حصة الدولة الاجمالية، وأكد أن الهيئة تتمتع بالقدرة الرقابية على الشركات، واعتبر أن الهيئة ليست ضد انشاء شركة وطنية بل هي تنظر الى التوقيت، ففي النروج أنشئت الشركة بعد 6 سنوات من الانتاج.
أما المحامي توفيق كاسبار، فشن حملة كبيرة ضد ما أسماه الهدر وقال بدلاً من التحدث عن العائدات يجب الحديث عن سبل وقف الهدر، لافتاً الى أن التجارب السابقة غير مشجعة، لافتاً الى أن أغلب المشاريع لا يمكن النفاذ الى آخرها بسبب السرية الموضوعة عليها. وقال إن الحل هو بمشاركة المجتمع ليكون ضاغطاً، وهو الحل ليكون لدينا أمل بأن هذه الثروة هي ملك للشعب اللبناني وليس للطبقة السياسية أو سواها.
أما الخبير النفطي نقولا سركيس، فكانت له مداخلة نقدية، انتقد فيها المراسيم التطبيقية التي تتناقض كلية مع القانون النفطي 132/2010، سائلاً عن كيفية انتقال الوضع التشريعي من مجلس النواب الى هيئة القطاع البترولي، وانتقد عدم وجود شركة وطنية قبل عشر سنوات فلماذا لا تكون في لبنان إلا بعد الاكتشاف والانتاج، وانتقد وجود شركات تأهلت في لبنان وهي لا وجود لها على حيز الواقع، رغم الفضيحة التي تعود لاحدى الشركات المسجلة في هونغ كونغ بمبلغ 1290 دولاراً. أما الوزير جورج قرم، فدعا الى التخلي عن العقلية الريعية، والاستثمار في مجال البيئة، والاقتصاد المنتج. كما شهد المؤتمر جلسات عدة تحدث فيها كل من الوزيرين الأسبقين جهاد أزعور وشارل رزق وعدد من الخبراء.
يبقى أنَّ المؤتمر الذي حمل الكثير من الأسئلة الى الحكومة ووزارة الطاقة وهيئة إدارة القطاع البترولي، سينتظر الكثير من الإجابات ومن أهمها الضغط باتجاه اقرار المرسومين في مجلس الوزراء.