بدأت المجتمعات الإنسانية نشاطها على الكوكب منذ 100 ألف عام على الأقل. وكان قد انقضى معظم ذلك الوقت في تأمين الغذاء وتوفير الأمان. أما “التكنولوجيا” بمفهوم تلك الحقب الزمنية الغابرة، فكانت متعلقة بحرفيين يؤدون وظيفة محددة بشكل رئيس، وهي صناعة الأدوات على اختلاف أنواعها لتتناسب مع الغايات التي أعدت لأجلها. ودامت الحياة على هذا النحو 90 ألف عام تقريباً.
الثورة والنمو:
كانت تطور وسائل الزراعة يمثل الثورة الأولى والأكثر أهمية. وللمرة الأولى في التاريخ، تكونت نواة للمجتمعات في القرى والبلدات وصولاً إلى المدن الكبيرة، لأن الأفراد أتقنوا مبادئ الإنتاج المنظم والضخم. ومع توافر الحرية لتشكيل الجمعيات والتعاونيات، توفر الدافع أيضاً لتطوير الفن والعمارة والهندسة والتكنولوجيا. وبعد استكشاف الأرض واستغلالها، بدأ الإنسان ينظر إلى نفسه على أنه سيد الطبيعة.
ثم كانت الصناعة هي الثورة العظيمة الثانية؛ فمن خلال تسخير مصادر الطاقة القابلة للزيادة والتجدد، بما فيها المياه والرياح والطاقة البخارية وأخيراً النفط، جرى تطبيق مفاهيم الإنتاج الضخم على مختلف أنواع الصناعات الأخرى.
ومع توافر ما يكفي من الاكتشافات العلمية ووسائل الإنتاج، صار ممكناً توليد ثروة هائلة من الآلات والمعدات المنتجة بغزارة ضمن مساحة ضيقة من الأرض.
مخاوف لا أساس لها:
ومع مرور الوقت، تنامى القلق حول مصادر الطاقة والغذاء ومدى كفايتها لسكان الأرض الذين يتزايدون باضطراد. وكما هو سائد منذ عام 1968، فإن “الانفجار السكاني” يعني مجاعات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم. والحقيقة أن عدد سكان العالم تزايد منذ ذلك الحين إلى أكثر من الضعف، بينما يستمر القلق حول وفرة الموارد الطبيعية للأرض. أما اليوم وفي سياق الاستدامة خلال السنوات الـ50 المقبلة، فإننا سندمر مناخ الأرض ونظامها البيئي إلى الحد الذي سندمر فيه أنفسنا فعلياً.
سلاسل التوريد تنقذ العالم:
تكثف سلاسل التوريد طاقاتها للحصول على المزيد من الإنتاج بأقل المدخلات الممكنة. وحيث تسارعت الإنتاجية، التي تقاس بأبسط المقاييس بمعدل المخرجات لكل ساعة عمل منذ عام 1997، فقد ثبتت في المقابل معدلات النمو السكاني في الوقت نفسه– مما يعني بداية التخلص من فكرة استمرار نقص الغذاء.
الفائزون والخاسرون:
تقضي مكاسب الإنتاجية على فرص العمل بشكل مضطرد، كأولئك الذين يعملون في وظائف غير مستدامة اقتصادياً مثل عمال الشحن والتفريغ، وعمال مطاعم الوجبات السريعة الذين لن يكون وضعهم جيداً.
أما الذين يعرفون كيف يستثمرون ذكاءهم فسوف ينجحون. وهنا تبرز الثورة الأخيرة التي تحدث الآن مع ولادة عصر المعلومات، حيث تخلق الملايين من فرص العمل والثروات الهائلة لأولئك الفاعلين في إنتاج الأفكار المبتكرة لبيعها أو لإنتاج خدمات معلوماتية محسنة.
والشيء المدهش هو أن عصر المعلومات سيسمح لنا بالاستيلاء على العنصر الأهم في عمليات الإنتاج، وهو: الوقت. وعلى هذا الأساس فالعصر المقبل هو عصر الإبداع.