Site icon IMLebanon

سوريا: الخدمة الإلزامية بطالة مقنّعة

SyriaEconMoney2

رولا عطار

لم يكن مصير الشباب السوري بمنأى عن تداعيات الأحداث في البلاد والتي مضى عليها خمس سنوات، حيث توجّه قسم منهم للانخراط في العمل المسلح والقتال، فيما وجد آخرون أنفسهم مجبرين على الخروج من البلاد لأسباب مختلفة، منها تعرضهم للملاحقة من قبل الجهات الأمنية أو هرباً من الخدمة الإلزامية أو سعياً وراء لقمة العيش.
إلا أن العامل الاقتصادي كان السبب الأبرز وراء ما آلت إليه أحوال هؤلاء الشباب، الذين كانوا بمعظمهم معيلين لعائلاتهم. فالحرب التي طال أمدها كان لها تأثير كبير سواء على من اضطر للمغادرة أو من التحق بالخدمة الالزامية لسبب أو لآخر.
الإلتحاق بالخدمة الالزامية أفقد رامي حسين، قدرته الإنتاجية من الجانب الإقتصادي، وحرمته من عمله كمصوّر. فهو بعد ان كان منتجاً ومعيلاً لعائلته، لا يتجاوز راتبه اليوم “70 دولاراً، ولا يكفي عائلتي كمصروف لأيام معدودة وهذا ما دفع بإخوتي للسفر. وما يرسلونه من مال تعتمد عليه والدتي في معيشتها، وبرأيي هذا حال معظم العائلات”. ويضيف حسين لـ “المدن”: “السنوات الخمس التي قضيتها في الخدمة الإلزامية، حرمتني من عملي كمصور وأرغمتني على عمل آخر”.
هذه المعاناة التي يصوّرها حسين، يعاني منها “ما يزيد عن 60% من الشباب، الذين ترتفع نسبة معاناتهم كلما فقدوا أحداً من أفراد عائلتهم”. ويقول حسين: “على الصعيد الشخصي لا زلت متفائلاً بأن الأمور المادية يمكن تعويضها لكن مقابل ذلك، هناك سنوات من أجمل سنين شبابي ضاعت ضمن قضية لم اختر أن كون جزءاً منها”.

ومع ان الانخراط في السلك العسكري يعتبر في كثير من البلدان فرصة عمل، إلا انه في سوريا، لم يعد كذلك، لأنه عمل غير منتج. حيث ان استمرار الأزمة يسهم في تعميق التشوه الحاصل في سوق العمل من خلال تحويل القدرات المنتجة، ولاسيما الشباب، إلى النشاطات العسكرية. وقد أشار المركز السوري لبحوث السياسات إلى ما أسماه “تبخّر العمل المنتج”، وذكر ان معدل التشغيل تراجع من 36.1% في 2011 إلى 21.9% في 2013، لينخفض إلى 19.6% في نهاية عام 2014. كما إرتفعت نسب البطالة، حيث خسر سوق العمل 2.96 مليون فرصة عمل مع نهاية العام 2014.
وباستخدام معدل الإعالة لعام 2010 والبالغ 4.13 شخصاً لكل مشتغل، فإن فقدان 2.96 مليون فرصة عمل، يترك أثراً فادحاً ومباشراً على معيشة 12.24 مليون إنسان، فقدوا مصدر دخلهم الرئيسي. إضافة إلى ذلك، فإن الغالبية العظمى ممن تبقوا في سوق العمل يعانون من تراجع حاد في الأجور الحقيقية جراء تزايد الأسعار، ولاسيما خلال الربع الأخير من العام 2014.

الى ذلك، فإن نسبة كبيرة من الشباب، لاسيما الذين كانوا يسكنون في المناطق الشرقية، خرجوا من سوريا بعد تعرضهم للملاحقة. أما في العاصمة دمشق فمعظم الشباب هاجروا بحثاً عن عمل نتيجة لعدم وجود فرص عمل وارتفاع سعر الصرف الليرة مقابل الدولار، أو هرباً من نتائج الخدمة الالزامية، وهذا ما دفع عائلاتهم لبيع ممتلكاتهم لتأمين بدل الخدمة الالزامية أو لارسال أموال إليهم تساعدهم على تدبر أمورهم في الخارج.
التأثيرات السلبية لبقاء الشباب في الخدمة الإلزامية، دون إنتاج، وصلت الى حد “إنفصال الكثير منهم عن زوجاتهم بسبب الغياب الطويل عن المنزل. هذا إلى جانب الضغوط النفسية والمادية بسبب المعارك وما يقوم به الضباط من استغلال لهم ولرواتبهم القليلة وحتى للطعام الذي يتناولوه”، وفق ما قاله محمد عيسى، وهو أحد المجنّدين في الخدمة الإلزامية. ويشير عيسى لـ “المدن” الى ان التطوع من أجل تأمين مصدر دخل، “يختلف بين المدني والعسكري الإحتياطي، فالمدني يقبض راتباً لا يقل عن 30000 ليرة (حوالي 120 دولارا) بينما العسكري يبلغ راتبه 18400 ليرة (حوالي 73 دولارا)”.
وقد تحول العمل العسكري إلى قطاع لتقديم فرص العمل على شكل عقود تطوع لمدّة سنتين أو عقود دائمة برواتب ومكافآت شهرية تصل إلى 40000 ليرة (160 دولاراً)، كما أن هناك تعويضات مخصصة لتشكيلات الدفاع الشعبي. وفي السياق، يرى مدير المكتب المركزي للإحصاء إحسان عامر، أن الواقع الحالي يعكس ارتفاع معدل البطالة، فعندما تُعلن وزارات الدولة عن إغلاق مؤسسات تابعة لها بسبب الاشتباكات، أو أن منشآت صناعية دمرت أو سقطت بعض المناطق تحت سيطرة المجموعات المسلحة، كل ذلك يعني فقداناً لفرص العمل”. ومن جهة أخرى “لا شك في أن البطالة المقنعة بدأت بالتزايد وذلك بفعل انتقال كثير من الموظفين الحكوميين من المحافظات الساخنة إلى المناطق الآمنة، وهم لا يمارسون أي عمل”، ويضيف عامر بأن قطاع العمل غير المنظم “بدأ بالتزايد خصوصاً مع فقدان فرص العمل في القطاع الخاص، الذي كان يستقطب نسبة كبيرة من العمال”.