ذكرت صحيفة “النهار” أن تطوراً امنياً حدودياً يمكن ان يؤدي جزئياً الى خلط الأوراق، تمثل امس بدخول تنظيم “داعش” المعارك التي كانت مقتصرة على “جبهة النصرة”.
وهاجم التنظيم خمس نقاط لـ”حزب الله” في جبال جوسية شمال القصير السورية وغرب القاع اللبنانية، وهو ما قد يدفع الحزب، كما تقول مصادر المسلحين، إلى اعادة الانتشار وتوزيع القوة بحيث تتراجع وتيرة التقدم في منطقة جبال القلمون ويضعف التعزيزات الخاصة بالحزب والجيش في تلك المنطقة.
وأفادت وكالة انباء الشرق الاوسط “أ ش أ” المصرية ان “حزب الله” بدا حريصاً على توجيه كل جهده الى محاربة “النصرة” لأن بقاء التنظيم وحده بعد القضاء على الفصائل الأخرى من شأنه أن يكسب معركة الحزب شرعية لبنانية وإقليمية ودولية يثيرها اسم التنظيم المرعب الذي يعرف عنه أنه لا يحالف أحداً ولا يرحم صديقاً أو عدواً. ونقلت عن مصدر ان “حزب الله” يسيطر على نحو 150 كيلومتراً أي ثلث جرود عرسال، غير أن هذا لا يعني انتهاء المعركة التي يعتبرها الحزب مصيرية لتأمين ظهره في ظل تراجع النظام السوري على معظم الجبهات الأخرى.
في المقابل، تحدثت قناة “المنار” عن مقتل احد أمراء “داعش” والعديد من القادة الميدانيين لدى احباط “حزب الله” هجوماً لهم على جرود رأس بعلبك عرف منهم: أبو عكرمة، أبو شهاب، أبو عائشة، أبو محمد، أبو كايد، أبو خالد قارة. وقالت القناة إن “حزب الله” تمكن من سحب 14 جثة لمسلحي “داعش”.
صحيفة “السفير” اعتبرت أنه فيما كان «حزب الله» يواصل تمدده في جرود القلمون وعرسال على وقع معاركه مع إرهابيي «النصرة،» حاول «داعش» مباغتة الحزب في جرود القاع ورأس بعلبك، حيث شنَّ هجوماً فاشلاً على العديد من نقاط المقاومة، انتهى الى نتائج عكسية بالنسبة الى المعتدين الذين يحتلون المثلث الجردي اللبناني، الممتد بين عرسال ورأس بعلبك والقاع.
ودفعت الجهوزية العالية للحزب في المنطقة المستهدفة، وقدرته على إجهاض الهجوم بالكامل، الى التساؤل عما إذا كانت المقاومة هي التي استدرجت مقاتلي «داعش» بشكل أو بآخر الى محاولة التقدم في اتجاه مواقعه، ومن ثم إطباق «فخ الفجر» عليهم.
وليس خافياً أن المقاومة أوحت لـ«داعش» خلال الأيام الماضية بأنها منشغلة في مقاتلة «النصرة» حالياً، وأن معركتها معه مؤجلة الى مرحلة لاحقة، الأمر الذي قد يكون شجّع «داعش» على شنّ الهجوم الاستباقي وتوهّم إمكانية انتزاع المبادرة العسكرية من الحزب، على قاعدة أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم.
ولكن حسابات «داعش» اصطدمت بالاستعدادات الميدانية للمقاومة و«كمائن العبوات» التي نصبتها في الممرات الجغرافية، حيث نجح عناصرها ـ بعد مواجهة استمرت من الرابعة فجر الاثنين ـ الثلاثاء ولغاية الرابعة بعد ظهر أمس ـ في صد تقدم مقاتلي «داعش» الذين اضطروا الى الانكفاء مخلّفين وراءهم عشرات القتلى، بينهم أحد أمراء التنظيم وقادة ميدانيون فيه، إضافة الى سقوط عدد من الجرحى، ووقوع 14 جثة في أسر الحزب.
وهكذا، انتهت «غزوة» أمس الى انقلاب السحر على الساحر، وسقط لـ«داعش» في مواجهة واحدة ما يساوي تقريباً عدد قتلى «النصرة» على مدى المعارك الأخيرة في القلمون وجرود عرسال منذ أوائل أيار المنصرم وحتى اليوم، وفق ما أكد مصدر موثوق لـ«السفير». وعُرف من قتلى «داعش» أبو عكرمة، أبو شهاب، أبو عائشة، أبو كايد، أبو محمد، وأبو خالد قارة.
وانطلق «داعش» في غزوته من «حقاب الكاف» في جرد رأس بعلبك نحو «قرنة السمرمر» و«قرنة المذبحة» بالقرب من «خربة الدمينة» في أعالي جرد رأس بعلبك وامتداداً إلى «خربة بعيون» في رأس جرد القاع، وتحديداً في أعالي وادي بعيون الذي يفصل بين الحدود السورية واللبنانية لناحية جوسيه.
وتقع «حقاب الكاف» (الكهف) في شرقي جرود رأس بعلبك، وفيها مغارة كبيرة قد تكون غرفة عمليات «داعش» في المنطقة حيث تمتد بعمق 14 متراً، وهي صخرية وأقفلتها «داعش» ببوابة حديدية. وتطل نقطة «حقاب الكاف» على وادي رافق (بين القاع ورأس بعلبك)، ومنه على مدينة الهرمل.
ولم تمنع غزوة «داعش» استمرار معركة الجزء الجنوبي من جرود عرسال حيث وصل «حزب الله» أمس إلى وادي «أبو زنوبيا» بالقرب من أودية الخيل والعويني والحريق المتبقية تحت سيطرة «النصرة»، لترتفع المساحات التي خسرتها الأخيرة إلى نحو 92 في المئة من الجرود العرسالية التي تحتلها.
ويعتبر خبراء عسكريون أن الإعلان عن تفكك «النصرة» في جرود عرسال صار وشيكاً حيث يسيطر «حزب الله» بالنيران على الأودية الثلاثة، سواء من التلال القريبة أو المرتفعات الشاهقة كقمتي صدر البستان الجنوبية والشمالية (أعلى قمم السلسلة بعد جبل الشيخ).
هجوم “داعش”
استفاق سكان بلدتي القاع ورأس بعلبك فجر أمس على وقع المعارك في جرودهما، وعلى مسافة لا تزيد عن 14 كيلومتراً فقط من وسط البلدتين، خصوصا أن مراكز الجيش اللبناني استهدفت أيضاً بالمدفعية تحركات المسلحين في المناطق التي تقع تحت مرمى نيرانها.
وفيما كان عناصر «حزب الله» يستعدون لأداء صلاة الفجر، شنّ «داعش» هجومه على العديد من النقاط التي يتمركز فيها عناصر الحزب بين خربتي «الدمينة» و «بعيون»، على مساحة نحو 12 كيلومتراً، مسيّرين مجموعات من المشاة وعلى الدراجات النارية والسيارات رباعية الدفع، في معركة تُعد الأعنف منذ ايار الماضي في تلك المنطقة، دارت خلالها مواجهات بالأسلحة المتوسطة والثقيلة وبالقاذفات الصاروخية والقنابل اليدوية، على مسافات تراوحت ما بين مئة متر وعشرين متراً.
والغزوة الاستباقية لـ«داعش» لم تكن كذلك بالنسبة لـ«حزب الله». كان عناصر «الحزب» متحسّبين للهجوم، فزرعوا عبوات ناسفة على مسافات من محيط مراكزهم. وعليه، انفجرت العبوات بأعداد من المهاجمين الذين قدر عددهم بـ «المئات» وفق مصادر عسكرية عليمة. ومن لم تنفجر فيهم العبوات في أسفل التلال، استهدفهم عناصر «حزب الله» بالأسلحة الثقيلة حيث تم تدمير خمس آليات و «جرافة» وعدد من السيارات رباعية الدفع المزودة برشاشات ثقيلة، وعدد كبير من الدراجات النارية.
ويعتبر أحد الخبراء العسكريين أن معركة الأمس ستكون مفصلية في مواجهة «حزب الله» مع «داعش»، والتي كان من المفترض ان تبدأ بعد تصفية «النصرة» في جرود عرسال. ويشير الى أن الخسائر التي منيت بها «داعش» بشرياً وعتاداً والأهم نفسياً ومعنوياً «اختصرت الكثير على حزب الله في معركته المقبلة معها، إذ يكفي أنها خسرت في مواجهة واحدة عديد القتلى الذين خسرتهم النصرة على مدى شهر وعشرة أيام من المواجهات مؤخراً».
وأعلن الإعلام الحربي لـ«حزب الله» أمس عن أن وحدة الإسناد الناري لـ «الحزب» استهدفت تجمعاً للمسلحين في شعبة المحبس شرق جرود عرسال بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، ما أوقع عدداً كبيراً بين قتيل وجريح.
وعرف من القتلى وليد عبد المحسن العمري الملقب بأبي الوليد، وهو سعودي الجنسية من أبرز قادة المسلحين في القلمون، وطلال يحيى حمادة وأحمد حسين عرابي من حمص، وأسامة النداف وهاشم محمد اللحاف.
انتشار “داعش”
ومع فشل الهجوم «الداعشي» في احراز أي خرق باتجاه مواقع «حزب الله»، وانكفاء المعارك بعد ظهر أمس، إلا من محاولات سحب جثث قتلى «داعش»، بقيت الخريطة الجغرافية للمناطق التي تحتلها «داعش» من جرود عرسال والقاع ورأس بعلبك على حالها.
وتتوزع مناطق سيطرة «داعش» من خطوط تماسها مع «النصرة» في جرود عرسال الى معابر الشيخ علي والجراجير (باتجاه فليطا)، ومرطبيا والزمراني (على حدود الجراجير- قارة) ووادي ميرا (بين قارة والبريج).
كما تسيطر «داعش» اليوم على جرود عرسال الممتدة من سرج العجرم امتداداً نحو الشمال – الشرقي، إلى قرنة شعبة القاضي على الحدود اللبنانية السورية، وتلة البعكور في جرود رأس بعلبك، مروراً بمراح المخيريمة في رأس بعلبك أيضاً، وصولاً إلى قلعة معالف وحورتا على الحد بين جرود رأس بعلبك والقاع.
وتعتبر «خربة الدمينة» في رأس بعلبك، و«خربة بعيون» في أعالي وادي بعيون في رأس جرود القاع خط التماس بين داعش وحزب الله. وتصل حدود سيطرة «داعش» إلى «جبلة حسيا» على الحدود مع جرود البريج والرحيبة، شمال قارة في الجرد السوري.
من جهتها، كتبت “الأخبار” أن هجوم إرهابيي تنظيم «داعش» على مواقع لحزب الله بين جرود راس بعلبك والقاع، سرّع بالهجوم المضاد الذي كانت تعدّه المقاومة والجيش السوري لطردهم في المرحلة المقبلة من كامل جرود القلمون، بعد القضاء على إرهابيي “النصرة”.
وقالت: “لم تنجح هجمات تنظيم «داعش»، طوال يوم أمس، بالسيطرة على مواقع حزب الله المنتشرة في أقصى الشمال الشرقي لجرود بلدتي راس بعلبك والقاع اللبنانيتين، والمشرفة على منطقة جوسيه جنوب مدينة القصير السورية. وبدل أن تكون خطوة التنظيم الإرهابي استباقاً لهجوم يعدّه حزب الله والجيش السوري لتطهير ما بقي من جرود القلمون تحت سيطرة «داعش»، بعد هزائم إرهابيي «تنظيم القاعدة في بلاد الشام ـــ جبهة النصرة» في جرود عرسال، تؤكّد مصادر ميدانية معنية أن «خطوة داعش سرّعت في الهجوم الذي تحدّث عنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، على مواقع التنظيم لتطهير كامل القلمون من إرهابيي النصرة وداعش.
مصادر مقرّبة من التنظيم الإرهابي في عرسال أشارت لـ«الأخبار» إلى أن الهجوم شُنّ على مراكز الحزب بعدما استُهدف رتل للدولة الإسلامية كان يحاول أن يدخل عرسال ومعهم جرحى من ناحية جرد فليطا. وأكدت المصادر أن المواجهات انتهت، لكن احتمال تجددها وارد في كل لحظة.
وأشيع أن الحشود والمعارك التي بدأها التنظيم تهدف إلى «محاصرة القصير ومحاولة استعادتها»، بالتوازي مع شائعات غير صحيحة عن تمكّن الإرهابيين من السيطرة على أجزاء من المدينة الصناعية في بلدة الحسياء، وعدة حواجز في محيط جوسيه ومشاريع القاع ليُصبح التنظيم على بُعد عدة كيلومترات من القصير.
ويعيد هجوم «داعش» على مواقع المقاومة في جرود القلمون الشمالية الحديث عن نيّة التنظيم الهجوم على مدينة القصير للوصول إلى الشمال اللبناني للحصول على ممرّ بحري من البادية، إذ تسمح سيطرة التنظيم على مواقع المقاومة بتهديد جوسيه وتشكيل أرضية ميدانية لوصل مواقع التنظيم في القريتين ومهين المفتوحة على البادية، بالداخل اللبناني عبر جنوب القصير ووادي خالد.
وتجدر الإشارة إلى أن المنطقة التي يوجد فيها إرهابيو «داعش» تمتد من جرود عرسال وخطوط «التماس» مع إرهابيي «النصرة» في خربة يونين ومعبر الزمراني، إلى مناطق غالبيتها مكشوفة على مواقع المقاومة الجديدة في جرود عرسال، منها «وادي العجرم» و«صفا الأقرع» و«طاحون الهوا»، وصولاً حتى «تنية الفاكهة» و«وادي حوّرتا» وجرود راس بعلبك والقاع. ومن أبرز المواقع لدى «داعش»: تلة حقاب الكاف التي بدأ منها هجوم أمس، وتربط جرود عرسال بجرود رأس بعلبك فجرود الجراجير، بجرود حليمة قارة السورية، ومواقع أخرى في كل من أودية ميرا والفرا، والمير علي، ووادي مرطبيه، ووادي طويل، المعروف لدى العراسلة باسم «وادي أم الجماعة» بين جرود عرسال وقارة السورية.
وفي السياق، أشارت مصادر ميدانية لـ«الأخبار» إلى أن المناطق التي لا تزال مع مسلحي «النصرة» في جرود عرسال هي وادي الخيل، الذي يضمّ مشفى ميدانياً. ومن الأماكن التي ما زالت تعتمد عليها «النصرة» وادي العويني ووادي الكرّيت (عبارة عن واد متعرج وسحيق يقع شمال سهل الرهوة)، وشعبة الحصن، وصولاً حتى وادي الحقبان المعروف بوعورة طبيعته الجغرافية، فضلاً عن منطقة «ضهر الهوّة» التي تتحكم بمفاصل أساسية من وادي الخيل ووادي العويني وتلة الحصن.