خضر حسان
يسعى مصرف لبنان إلى “إطلاق سوق إلكترونية تربط المصارف والمؤسسات المالية والوسطاء في لبنان، بهدف خلق سوق سيولة للأسهم والسلع، ولا سيما الذهب والقطع. ومن شأن هذه السوق الإلكترونية أن تؤمن مخرجاً للشركات الناشئة الراغبة في طرح أسهمها على الجمهور في هذه الأسواق”. ويأتي هذا التوجه مترافقاً مع جملة من التعاميم التي تهدف الى تطوير عمل المصارف اللبنانية وتوسيع نطاق خدماتها، خصوصاً لناحية اعتماد التكنولوجيا وتقليل المخاطر المرتبطة بالعمليات المالية. ومن التعاميم المتعلقة بهذا الشأن، التعميم رقم 331 الذي يشجع المصارف على المشاركة في رساميل الشركات الناشئة عبر خفض المخاطر، والهدف الأساسي من ذلك زيادة النمو الاقتصادي والاجتماعي ومعالجة مشكلة البطالة، وخصوصاً عند فئة الشباب، وإيجاد حوافز لإبقائهم في لبنان لمعالجة مشكلة هجرة الأدمغة. أيضاً، يقوم مصرف لبنان بدعم “الشركات المسرّعة للأعمال في لبنان” وفي هذا السياق، يُعنى المصرف بالمنصة التكنولوجية الرقمية المنشأة بدعم من المملكة المتحدة UK Tech Hub، والتي تسمح لشركات التكنولوجيا اللبنانية بخلق علاقات تجارية وخدمات فريدة، وهذه المنصة “تلقت ما يفوق الـ 100 طلب، رغم إنطلاقها منذ شهرين على الأكثر”، على حد تعبير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي أكد أنّ المصرف المركزي يسعى الى “تعزيز التعاون القائم بين القطاع المالي والقطاعات الأخرى، لا سيما قطاع التكنولوجيا. وقد تركزت هذه الاستراتيجية على برامج قروض تحفيزية. فقد قام مصرف لبنان، لثلاث سنوات على التوالي، بمنح المصارف نحو 1.5 مليار دولار في السنة بمعدل 1% وتقوم المصارف بدورها بإقراض القطاع الخاص، على الأخص في مجال السكن والمشاريع الجديدة والطاقة البديلة والمشاريع البيئية. ولا بدّ من ذكر NEEREA أي المبادرة الوطنية لتفعيل الطاقة والطاقات المتجددة، التي تتوجت بالنجاح، والتي خلقت 6 آلاف فرصة عمل. وحتى اليوم، تمّ منح قروض بقيمة نصف مليار دولار لقطاع الطاقة البديلة وقطاع البيئة”.
من جهة أخرى، لم يغفل سلامة التحديات التي يواجهها لبنان، الى جانب البلدان الناشئة، والتي تتمثل بإنخفاض أسعار السلع، ولا سيما النفط، والتقلبات الكبيرة في أسعار العملات، والتي ستتواصل طالما لم تعد المصارف المركزية في العالم قادرة على اللجوء إلى معدلات الفائدة للتأثير على سياساتها النقدية، بالإضافة الى اعتماد سياسات تقليص المخاطر derisking الناتجة عن التدابير التنظيمية المشددة المفروضة على المصارف الكبرى، لأن هذه التدابير تغيّر طبيعة العمل المصرفي الذي اعتدناه، باعتبار أن هوامش الملاءة الأعلى المفروضة من قبل السلطات الرقابية تحمل هذه المصارف على تقليص نشاطاتها. لكن الى جانب التحديات، لفت سلامة النظر خلال إفتتاحه مؤتمر يوروموني لبنان، بعنوان “شركاء من أجل النمو”، والذي عقد في بيروت، الى ان تراجع أسعار النفط انعكس ايجاباً على لبنان، حيث تقلصت فاتورة الاستيراد “التي تناهز 6 مليارات دولار سنوياً، حوالي 1 أو 1.5 مليار دولار في السنة”، أما انخفاض اليورو، “فقد عزز قدرتنا الشرائية، إنما أثر في الوقت نفسه على قدرتنا التنافسية التي تراجعت لكوننا اقتصاد مدولر”.
ولم يحصر سلامة عرض الإيجابيات بنتائج انخفاض اسعار النفط، بل أشار الى ان “عدد المقترضين في القطاع المصرفي ارتفع من 35 ألف في سنة 1993 إلى 700 ألف اليوم”، كما ان المصارف اللبنانية “استثمرت أكثر من 200 مليون دولار في شركات ناشئة وصناديق متخصصة بالاستثمار في هذه الشركات. وهناك على الأقل 40 شركة تقدمت بطلب الحصول على استثمارات من المصارف”، ويستهدف هذا النشاط المصرفي، القطاعات المالية وقطاع اقتصاد المعرفة. وتجدر الاشارة الى ان المصارف اللبنانية تركز اليوم على اقتصاد المعرفة، سواء عن طريق الاستثمار في هذا المجال، او عن طريق اعتماد التكنولوجيا وما توصل إليه هذا القطاع داخلي. كما تنشط المصارف في مجال اعتماد التقنيات الرقمية في العمليات المصرفية، خصوصاً في مجال مكافحة الجرائم المالية.
وجهوزية المصارف اللبنانية في المجال التكنولوجي، دفع بالمديرة الاقليمية لمؤتمرات يوروموني فيكتوريا باهن، الى اعتبار انه حان “الوقت الأساسي لنمو البلد كمركز للتكنولوجيا”. وموقف باهن هذا، يشي بنوع من الإطمئنان الدولي حيال وضع المصارف اللبنانية، وبالتالي حيال الوضع المالي العام. لكنه في الوقت نفسه، يثير الاستغراب حيال سبب عدم توجيه نشاط المصارف نحو الاستثمار في القطاعات الانتاجية، على غرار ما تفعله مع القطاعات الاستهلاكية. غير ان تتويج إهتمام يوروموني بالقطاع المصرفي اللبناني، عبر هذا المؤتمر، سبقه إعتزاز عدد من المصارف اللبنانية بتصنيفات يوروموني، المتعلقة بنتائج أعمال المصارف، كون يوروموني تعتبر مرجعاً في ما يتعلق بأسواق رؤوس الأموال الدولية، وتغطي تطور أسواق السندات والأسهم والقطع.