لا شك أن حجم المشكلات الإقتصادية التي يعاني منها بلدٌ؛ كبيرُ المساحة، كثيرُ السكان، مثل مصر، أكبر من أن تُحَل َ في عام واحد، خاصة بعد معاناة شديدة، امتدت لأكثر من أربع سنوات متصلة، عاشت فيها البلادُ حالةً من الفوضى السياسية، والإنفلات الأمني، ووقف الإنتاج، وزيادة المظاهرات والإعتصامات الفئوية، والإضراب عن العمل، منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بنظام مبارك، بعد ثلاثة عقود، عانى خلالها معظم المصريين من ويلات الفقر والمرض والجهل.
وفيما جرت العادة على إجراء تقييم موضوعي لأداء أي رئيس، بعد العام الأول من توليه الحكم؛ من خلال مراجعة الإيجابيات التي أنجزها، والسلبيات التي أخفق فيها، في شتى الملفات، اختارت swissinfo.ch طرح السؤال التالي على عدد من الخبراء المصريين: “ماذا قدم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ توليه السلطة في 8 يونيو 2014 للمواطن البسيط، في الملف الإقتصادي تحديدا؟”، فكان هذا التقرير.
“إنجازات كثيرة رغم التحديات”
الخبيرة في الشأن الإقتصادي، وفاء رمضان، أشارت إلى عدد من الإنجازات التي تحققت في العام الأول من حكم الرئيس السيسي “رغم التحديات الجسام والمعوقات المستمرة”؛ ومن أبرزها: “القضاء على طوابير العيش من خلال تطبيق منظومة الخبز، إضافة إلى تطبيق نظام الكروت الذكية في صرف السلع التموينية التي زادت من 3 إلى 20 سلعة، مع حق المواطن في اختيار السلع بنظام النقاط، والبدء في إنشاء مساكن شعبية في مدن الجمهورية، توفير علاج فيروس سي للمصريين، إزالة الباعة الجائلين من الميادين العامة”، على حد قولها.
وأضافت رمضان، رئيسة القسم الإقتصادي بجريدة “المساء”، في تصريح لـ”swissinfo.ch” أن “من بين الإنجازات أيضا: زيادة شبكة الكهرباء بـ3600 ميجاوات، ورفع الضريبة على السجائر إلى 200%، وفرض ضريبة إضافية بنسبة 5 %على الأغنياء، وزيادة عدد المستفدين من معاش الضمان الإجتماعي من مليون ونصف مواطن إلى 3 ملايين، وإضافة مليون و200 ألف مواطن تحت مظلة التأمين الصحي”؛ مشيرة إلى أن الرئيس المصري “تبرع بنصف ثروته، ونصف راتبه الشهري، لصندوق “تحيا مصر”، الذي يُستخدم في عمل مشاريع للشباب”.
وفاء رمضان أشارت أيضا إلى أنه قام “بإصدار قانون بتطبيق الحد الأقصى للدخل، على نفسه، وعلى الجميع بلا استثناء، وتم تطبيقه بالفعل على الجميع، اعتبارًا من أول يوليو 2014، كما زاد الإحتياطي الأجنبي، فضلاً عن النجاح الكبير الذي حققه المؤتمر الإقتصادي لدعم الإستثمار، الذي عقد في شهر مارس الماضي بمدينة شرم الشيخ”؛ بالإضافة إلى ارتفاع التصنيف الإقتصادي لمصر من “مستقر” إلى “إيجابي”.
إيجابيات وسلبيات
متفقًا مع رمضان، أوضح الخبير الإقتصادي، حمدى البصير، أن “من أبرز الإيجابيات التي يمكن رصدها، عند تقييم الأداء الاقتصادي للرئيس السيسي، خلال العام الأول من حكمه: إطلاق حزمة من المشروعات القومية العملاقة، ووضع جدول زمني لإنجازها، أهمها: قناة السويس الجديدة، والتي تم إنجاز 90% منها، وإطلاق شبكة الطرق الرئيسية، ومشروع المليون فدان، إضافة إلى اتخاذ قرارات مهمة، مثل: رفع جانب كبير من دعم الطاقة ، وإستخدام الكروت الذكية لضمان وصول الدعم لمستحقيه، في العيش والبنزين والسولار، فضلاً عن جهود الحد من الفساد، والمشكلة السكانية، التي تلتهم الموارد”، على حد قوله.
وفي تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”؛ يقول البصير، رئيس مركز “الدراسات الاقتصادية” بجريدة “العالم اليوم”: “أما عن السلبيات، فلم يَجْنْ المواطن البسيط حتى الآن جهود السيسي، في الجانب الإقتصادي، بدليل زيادة معدلات الفقر، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، وزيادة التضخم، وإرتفاع معدلات البطالة، وانخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، خاصة الدولار، بالإضافة إلى زيادة الدين المحلي والخارجي، وارتفاع العجز فى الموازنة، وتراجع الصادرات، وزيادة الواردات”.
المواطن البسيط لم يشعر بتحسُن
وأضاف، أنه “لم يتم إنجاز الكثير من وعود الرئيس السيسي، خاصة فيما يتعلق بكبح جماح الأسعار، التي زادت بمتوسط 23%، خاصة في السلع الغذائية الإستراتيجية، فى الوقت الذي ظلت معظم الدخول كما هي، باستثناء فئات مميزة فى المجتمع، من العامليين في الوزارات السيادية، وتفاقمت الأحوال المعيشية للعاملين في القطاع الخاص، وأصحاب الحرف البسيطة، والأعمال الموسمية المؤقتة، وكل من لايعمل بالحكومة أو قطاع الأعمال، فتراجع مستوى المعيشة بشكل عام”.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن “المواطن البسيط أو حتى المتوسط، لم يشعر بأي تحسُن، ولم يحصد ثمار أي إنجازات حتى الآن، وذلك بسبب توقف معظم المصانع، وتقاعس القطاع الخاص عن القيام بدوره، لأسباب عديدة، أي بسبب توقف النشاط الإنتاجي بشكل كبير، وتراجع الصادرات، وعدم وجود استثمارات عربية وأجنبية كافية، بالإضافة إلى تراجع الحركة السياحية في البلاد، منذ اندلاع ثورة يناير وحتى الآن”.
حمدي البصير اعتبر أيضا أن أبرز المعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك تتلخص في “عدم صدور العديد من القوانين الإقتصادية، التي يمكن أن تغير شكل النظام الإقتصادي في مصر لعدم وجود برلمان، فضلاً عن الإضطرابات السياسية، ووجود انقسام سياسي في المجتمع، يحول دون جذب المزيد من الإستثمارات وإعادة السياحة، إضافة إلى أن الرئيس لا يزال يعمل مع نفس الفريق والأجهزة والقوانين التى كانت فى عهد الرئيسين؛ الأسبق مبارك، والسابق مرسي، ومن ثم فإن الجهود التى يبذلها تُقَابَل بمعوقات، لأنه في وادٍ والأجهزة والمسؤولون في وادٍ آخر”، حسب زعمه.
تراجع معظم المؤشرات الإقتصادية
في سياق متصل، ذهب الخبير الإقتصادي، مصطفى عبد السلام إلى أن “عدم حدوث استقرار سياسي وأمني في البلاد، على مدى العامين الماضيين، انعكس على مجمل الأوضاع الاقتصادية والمالية، والتي شهدت تراجعًا شديدًا، انعكس سلبًا على المواطن، الذى تعرض لأزمات معيشية مستمرة، وغلاء فاحش في الأسعار، وتدنّ واضح في الخدمات الرئيسية”؛ وأشار إلى أن “العام الأول للرئيس السيسي شهد انفلاتًا في أسعار السلع، خاصة الغذائية، وانقطاع الكهرباء، وزيادة معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، والتي بلغت أكثر من 25%، وذلك وفقًا لبيانات وزارة المالية”.
وفي تصريحات خاصة لـ”swissinfo.ch”، يقول عبد السلام، رئيس قسم الإقتصاد بجريدة “العربى الجديد” الصادرة من لندن: “مع مرور عام على حكم السيسي، نلحظ أن هناك تراجعًا في معظم المؤشرات الإقتصادية، وقيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وطال التراجع أيضًا موارد البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من القطاعات الرئيسية؛ كالسياحة والصادرات والإستثمارات الأجنبية”؛ مشيرًا إلى أن “الدين المحلي زاد بشكل كبير، ليتجاوز تريليونى جنيه، في ظل تراجع العديد من إيرادات الدولة المحلية، خاصة من الضرائب”.
وأضاف الخبير الإقتصادي أنه “رغم لجوء حكومة السيسي لخفض الدعم، خاصة المُقَدم للوقود والمشتقات البترولية، بنحو 52 مليار جنيه، إلا أن عجز الموازنة العامة تفاقم، ليصل إلى 218 مليار جنيه، في التسعة شهور الأولى من العام المالى الحالي 2014- 2015، رغم تلقي مصر منحا خليجية”؛ متوقعًا أن يصل العجز لمستوى قياسي، ليسجل 300 مليار جنيه، مقابل 253 مليار جنيه في العام المالى السابق 2013-2014، و239 مليار جنيه في العام الذى حكم فيه الرئيس محمد مرسي”.
تحسن نسبي في إيرادات السياحة ولكن..
على صعيد آخر، أشار عبد السلام، رئيس قسم الإقتصاد السابق بـ”وكالة الأناضول للأنباء”، إلى أنه “على الرغم من حدوث تحسن في إيرادات السياحة في العام 2014، مقارنة بالعام 2013، لتصل إلى 7.2 مليار دولار، مقابل 5.8 مليار دولار، إلا أن هذا الرقم يقل كثيرًا عن إيرادات العام 2010، والذي سبق ثورة 25 يناير، والبالغ أكثر من 12.5 مليار دولار”؛ موضحًا أن “الصادرات وهي المصدر الرئيسي لإيرادات مصر من النقد الأجنبي، تراجعت بنحو 10 مليار جنيه، في الأربعة شهور الأولى من العام 2015”.من جهة أخرى، اعتبر الخبير المصري أنه “رغم زيادة الإحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي المصري الى 20.5 مليار دولار، بنهاية مايو الماضي، مقابل 15.4 مليارًا في عهد الرئيس مرسى، إلا أن هذه الزيادة تمت تغذيتها من القروض الخارجية من دول الخليج، وليس من موارد ذاتية، حيث اقترضت مصر في بداية إبريل الماضي 6 مليارات دولار من السعودية والكويت والإمارات، بخلاف الـ 5 مليار دولار التي اقترضتها في النصف الثانى من العام 2013”.
مصطفى عبد السلام لفت أيضا إلى أن “إجمالي الإستثمارات التي جذبتها مصر في عام 2014 بأكمله، لم تتجاوز الملياري دولار، ولا يزال المستثمرون الأجانب يشكون من استمرار أزمة الطاقة، والفساد الإداري، وعدم حدوث استقرار أمني مشجع”؛ مشيرًا إلى أن “الحكومة أعلنت خلال المؤتمر الاقتصادي، الذي عُقِدَ في مارس الماضي، بمدينة شرم الشيخ، عن جذب استثمارات بقيمة 182 مليار دولار”.
أخيرا، يرى الخبير الإقتصادي أن “عدم إجراء انتخابات مجلس النواب حتى اليوم، يُعرقل حصول مصر على قرض من صندوق النقد الدولي، وهو القرض الذى تحتاجه بشدة الحكومة المصرية، لدعم الإحتياطي، واستقرار سوق الصرف، وقيمة الجنيه التي تراجعت بشدة في أيام السيسي، حيث ارتفع سعر الدولار بالنسبة للجنيه من أقل من 7 جنيهات، إلى 7.63 جنيه حاليًا”.